القاصة الأردنية جميلة عمايرة تخوض حربًا لم تقع
تجربة القاصة جميلة عمايرة تعد من التجارب المهمة التي أسهمت، إلى جانب عدد من الكتاب، في تشكيل الحركة القصصية الأردنية.
تعد تجربة القاصة جميلة عمايرة من التجارب المهمة التي أسهمت، إلى جانب عدد من الكتاب، في تشكيل الحركة القصصية الأردنية، فمنذ تسعينيات القرن المنصرم وعمايرة ترفد المكتبة بمجاميعها القصصية التي كانت تلاقي صدى واسعا لدى النقاد والقراء، منذ مجموعتها الأولى "صرخة البياض"، و"سيدة الخريف"، و"الدرجات" وهي تؤسس لنطقها الخاص ولقالبها المتجدد في كل مجموعة، إلا أنها ظلت وفية للمرأة وقضاياها في المجتمعات الذكورية، تكتب من دون أدنى اعتبار للرقيب حيث تضرب كل ما قد يقيد حبرها بعرض الحائط تأكيداً على أن الكاتب المقيد لن ينتج أدباً تنويرياً.
أصدرت جميلة عمايرة مؤخراً، عملها القصصي الرابع في تجربتها تحت عنوان "حرب لم تقع" صدر عن دار الشروق في عمّان ورام الله بواقع 90 صفحة من القطع المتوسط، تضمنت 9 قصص نذكر من عناوينها: "حرب لم تقع"، "شرفة البحر"، "المصعد"، و"مذاق الخيبة" حاولت الكاتبة من خلالها رصد الاستلاب والموت النفسي لأبطال سلبيين في تعاملهم مع وقائع الحياة والعلاقات المتشعبة فيها، منحازة في غالبيتها للمرأة المهملة التي لا يكترث أحد لحاجاتها النفسية والعاطفية، فيما هي تصر على تأدية دورها بطبيعية غريبة.
واحتفالا بصدور المجموعة القصصية "حرب لم تقع" أقامت مؤسسة عبد الحميد شومان في العاصمة الأردنية عمان إلى حفل توقيع واشهار حضره عدد من الكتاب والأدباء وقراء عمايرة التي قرأت عددا من قصص المجموعة، سبق ذلك تقديم ورقة نقدية للكاتب والإعلامي موفق ملكاوي أبرز ما تناولته هو ثيمة الموت وهيمنها على قصص عمايرة الجديدة سواء الموت الفسيولوجي أو الموت السيكولوجي، حين تنتهي الأحلام، وتنعدم النظرة الإيجابية إلى ما يأتي من أيام، فيتساوى الحاضر بالمستقبل، وتدخل الشخصيات في رتابة مقيتة تنتظر الخلاص الذي لا بد أن يكون بالفناء، وكأنما القاصة تريد أن تقول إن الموت يبدأ هناك عميقا في الداخل قبل أن تأتينا آثاره الواضحة على حواسنا.
ويتابع ملكاوي: "الاستلاب، كما أسلفنا، هو أحد أشكال الموت المتكررة في المجموعة، عبر نماذج نسائية تحاول أن تدين عالما تحكمه الثقافة الذكورية: الرجل الذي يمضي حرا في خياراته.. والمرأة التي تعوزها الخيارات، ولا تمتلك منها سوى الانتظار أو التبرير. المرأة هي البطلة المطلقة في جميع القصص تقريبا، وهي في مجملها تتكرس بشخصية الأنثى المستلبة، خصوصا في قصص: "حرب لم تقع"، "شرفة البحر"، "المصعد"، و"مذاق الخيبة. هنّ نساء مستلبات يبحثن عن كينونتهن في ظل رجل ما، كما لو أن تلك الكينونة لا تتحقق في الواقع والحقيقة إلا من خلال رجل يفرض حضوره وسطوته على عالمهنّ".
ويقدم موفق ملكاوي أمثلته على ذلك باستشهاده بقصتي "حرب لم تقع"، و"شرفة البحر" ففي الأولى، وفقا لملكاوي، تخترع المرأة قصة الحرب واستشهاد الرجل الذي تركها، لكي تُبقي صورته في داخلها من غير أن يمسه الغياب أو الموت، وفي الثانية يتكرس الاستلاب في مونولوج داخلي تجريه المرأة كاشفة عن عاداتها وعادات الرجل، في مقارنة تكشف عمق رغبات المرأة في تكوين ثنائي حقيقي، وعبثية رغبات الرجل وعدم جديتها من خلال سطحية الصورة التي يرسمها منفردة لنفسه.. في هاتين القصتين توجد أنثى معذبة استطاعت أن تصل إلى كنه احتياجاتها الإنسانية، غير أنها تتعايش مع واقعها المستلب، وترضى بهذه الحالة التي ترى فيها وظيفة طبيعية للمرأة التي لم تستطع أن تبني وجودا مستقلا.
ويرى أن الكاتبة تحاول الابتعاد عن التعقيد والفذلكات بانتهاج لغة بسيطة سلسلة، أقرب إلى اليومي والمتداول، وهي بذلك تلتقي مع أبطالها العاديين البسيطين الذين لا تتوفر فيهم صفة "البطولة السوبر"، بل هم أشخاص من بيننا؛ مهزومون يتجرعون آلامهم بصمت، ويرسمون ابتسامات كاذبة على وجوههم يلاقون بها الآخرين، تترك أبطالها يعبرون عن أنفسهم بلا أي رقابة من خلال مستويات سردية متعددة، فنراها تستخدم السرد البسيط، والاستذكار، والتداعي أو "تيار الوعي"، إضافة إلى الحوار، تاركة الشخصيات تتجرد من أدواتها كما لو أنها تقف أمام مرآة وتصف المشهد خلالها.
من القصة التي تحمل عنوان الكتاب "حرب لم تقع" نقرأ:
"لم تجد الرجل الذي أحبته بقربها، ولم تجد لحبّه أثراً، كأنّما تبخّر كضباب هذا الصباح. لم تسأل أحدا ولم تُجهِد نفسها بالبحث عنه أو عن حبّه، فالحب كما الأشياء الأخرى يخلص هكذا بانتهاء عمره أو صلاحيّته للحياة، يتبخّر ويتلاشى كذرّات غبارٍ متطايرة في الهواء. أو يضِل طريقه ولا يصل. لم تُصَب بالدهشة أيضاً إذ تدرك أنّه لم يبتعد أو يذهب في الغياب، بل ذهب في الفكرة وغاب هناك وراءها. والفكرة لغة، واللغة تنأى وتقترب، تغيب وتحضر، تعتم وتضيء، بحيث تجعلها تبكي ألماً أو ترقص غبطةً، تكتئب أو تضحك، تتشاءم أو تبتهج. هي اللغة إذاً، والغياب في اللغة ليس غياباً".
تجدر الإشارة إلى أن عمايرة حصلت على دبلوم صحافة، وعملت في قسم المطبوعات والنشر بوزارة التربية والتعليم إلى أن تقاعدت عام 2001، وهي متفرغة للكتابة الإبداعية، وعضو رابطة الكتاب الأردنيين، أصدرت إلى جانب مجاميعها القصصية رواية بعنوان "بالأبيض والأسود" صدرت عن دار الشروق 2007.