حين خرج الرئيس السيسي على العالم بتصريحاته الصريحه للأتراك ومن لَفَّ لَفَّهم من الإرهابيّين، أدرك العالم أنه أمام مرحلة مغايرة
هل بات شهر يونيو قدرا مقدورا في زمن منظور تقوم فيه مصر بإفشال وإسقاط كافّة مشاريع العثمانيّة الجديدة، وأصبح المشهد وكأنه "متلازمة" تحدث في هذا الشهر من الصيف على مدى فترات زمنيّة بعينها؟
الشاهد أنه في الثلاثين من يونيو 2013 خرجت مصر عن بكرة أبيها بقيادة جيشها الباسل وعلى رأسه الجنرال السيسي لتخلّص مصر من الإرهاب. هذا ما نادت به الجماهير في شوارع المحروسة، من العوامّ والنخبة، وقد علت أصواتهم من شمال البلاد إلى جنوبها "يا أبو دبّورة ونسر وكاب.. خلّصنا من الإرهاب".
من 30 يونيو قبل سبع سنوات، إلى 20 يونيو هذا العام تجد مصر نفسها مرّة جديدة أمام مهمّة تاريخيّة متعلّقة بإفشال خطط الخليفة المتوهّم.
لم يكن إرهاب الإخوان في مصر إلا وجها ضمن أوجه عدّة للمشروع العثمانيّ الجديد، الذي كان يحلم بعودته ليحكم العالم العربيّ مرّة جديدة، والذي أخفق إخفاقا ذريعا وذهب أدراج الرياح، غير أن الارهاب الذي خرج من باب الكنانة، حاول العودة من شباك ليبيا عبر تسع سنوات خَلَتْ.
من 30 يونيو قبل سبع سنوات، إلى 20 يونيو هذا العام تجد مصر نفسها مرّة جديدة أمام مهمّة تاريخيّة متعلّقة بإفشال خطط الخليفة المتوهّم، والذي تتلاعب به القوى الدوليّة على مربّعات النفوذ الأمميّ، وفي نهاية المطاف سوف تتخلّص منه كالنفايات.
حين خرج الرئيس السيسي على العالم بتصريحاته الصريحه غير المريحة للأتراك ومن لَفَّ لَفَّهم من الإرهابيّين، أدرك العالم أنه أمام مرحلة مغايرة لما جرى في ليبيا طوال السنوات التسع الماضية، حيث جعل هولاء وأولئك من ليبيا مرتعا للإرهاب ومركزا جاذبا للإرهابيّين.
هل مصر ماضية إلى الحرب في ليبيا؟
بلا شكّ الأمور لا يمكن أن تؤخذ على هذا النحو من التبسيط، وما جرى هو أن القائد السيسي نفخ بوق القرن لينتبه الغافل وليستيقظ النائم بأن الدرع والسيف المصريَّيْن البتّارَيْن، لن يتوانيا لحظة واحدة عن التحرُّك، وذلك حال تعرّض أمن الوطن في الداخل أو حدوده في الخارج إلى أيّ نوع من أنواع التهديد اللوجستيّ.
الخطوط الحمراء المصريّة واضحة ولا تقبل المساومة، فسرت والجفرة، هما موقعان إستراتيجيّان لليبيا وكذلك لمصر، وتجاوز أيّ خطّ من تلك الخطوط يعني أنّ العمل العسكريّ قادم لا محالة.
في هذا السياق ينبغي الإشارة إلى أنّ مصر التي يحتلّ جيشها المرتبة التاسعة على مستوى العالم، لم يذكر التاريخ القريب أو البعيد أنها كانت يوما ما دولة غازية، وهذا ما تَبَدَّى من كلمات الرئيس السيسي، جيش رشيد يبني ولا يهدم، يدافع ولا يعتدي، ولهذا فإنّه إذا لزم الأمر فإن هناك محدّدات لما يمكن أن تفعله مصر في ليبيا.
لغة الخطاب ومفردات الرئيس السيسي تؤكّد على أن مصر تلتزم مواثيق الأمم المتّحدة، وقوانين الشرعيّة الدوليّة، وفي مقدّمها حقّ الدفاع عن النفس، والاستجابة لنداء السلطة الشرعيّة الوحيدة المنتخبة في ليبيا أي مجلس النوّاب الليبيّ.
فارق شاسع بين عثمانيّة جديدة تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وتخطئ في قراءة الأزمنة والأحداث، عثمانيّة غاشمة تسعى بالوقيعة بين العرب وبعضهم البعض لحساب ثلاثيّ الظلام في المنطقة "تركيا - قطر – إسرائيل"، وثلاثتهم على صلة عميقة ومتجذّرة بمشروع الإسلام السياسيّ، تلك التي تستخدم كآلية لترويج الإرهاب، وبين ما تتطلّع إليه مصر من حماية حدودها، وسرعة دعم واستعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبيّة، باعتباره جزءا من الأمن القوميّ المصريّ، وحقن دماء الشعب الليبيّ.
يعنّ للمرء أن يتساءل هل جاءت تصريحات الرئيس السيسي لتعكس تحوّلا على صعيد الوضع الداخليّ المصريّ فقط؟
مؤكّد أنّ ما جرى يُعَدّ نقطة تحوّل إقليميّة في مواجهة ثلاثيّ الشرّ المتقدّم، ويمكن أن يضاف إليهم إيران، وإن كان الخطر التركيّ في تقدير صاحب هذه السطور أكثر خطورة من الإيرانيّ، فالأخير عملاؤه ظاهرون، وخيانتهم مفضوحة على الملأ، أمّا الأول فإنه يتبع نهج الطابور الخامس في الداخل، حيث جماعات الإسلام السياسيّ وفي مقدّمهما الإخوان المسلمين، ويعيثون تفكيكا وتفخيخا دوجمائيّا ما يجعل الآثار المترتّبة على المشهد كارثيّة في حقّ الأجيال القادمة على نحو خاصّ.
موقف مصر أعلن للعالم برمّته أن ما جرى في سوريا لا يمكن أن يحدث بالقرب من مصر، والأمر هنا لا يحتاج إلى فكر المؤامرة ليعرف القاصي والداني أنّ المراد ليس ليبيا، بل مصر، ولعلّ تصريحا بعينه لا يغادر ذهن المرء أطلقه "جيمس وولسي"، مدير الاستخبارات المركزيّة الأمريكيّة في لقاء مع طلاب إحدى الجامعات البريطانية في لندن العام 2003 حين أشار إلى: "العراق هو الهدف التكتيكيّ، والمملكة العربيّة السعودية الهدف الإستراتيجيّ، أما مصر فهي الجائزة الكبرى".
ومرّة أخرى أشار الرجل عينه إلى ذات المحتوى والمفهوم بالقول: "علينا بالصداميّين، وتاليا المباركيّين"، في إشارة إلى الرئيسَيْن العراقيّ والمصريّ السابقين، لكن فات "وولسي" أن مصر ولاّدة وقادرة على إنجاب قادة عظام يحملون أرواحهم على أكفّهم دفاعا عن أرض الوطن، وأن الجيش الذي أبهر العالم في ستّ ساعات حين حطّمَ خطّ بارليف المنيع، ذاك الذي قال بعض عتاة العسكريّة إنّه في حاجة إلى سلاحي المهندسين الأمريكيّين والسوفييت لهدمه، وربّما يحتاج إلى قنبلة نوويّة.
من وسط وقلب المشهد المحتدم على حدود ليبيا، والذي يمكن للبعض أن يراه محنة فرضت على المحروسة، تنبع ملامح ومعالم المنحة التي دعت العالم العربيّ للاستيقاظ من جديد، وفيها من ملامح الشبه الكثير من السادس من أكتوبر، إذا خلّينا ألم العراق وسوريا اللذين أخرجتهما الأحداث من دائرة القوّة الفاعلة والنافذة.
الموقف الإماراتيّ والسعوديّ والبحرينيّ والأردنيّ، تجاه مصر تجلّى في عبارة أطلقها أحد الكُتّاب العرب المرموقين حين علّقَ بالقول: "مصر مسافة السكة"، وهي رجع صدى لما قاله الرئيس السيسي من قبل: "أمن الخليج مسافة السكة".
ما يجري لحظة تنوير عروبيّة باقتدار، مع التأكيد على أنّ أحدا لا يودّ الحرب أو إسالة الدماء، بل إن إعلان القاهرة بشأن ليبيا، هدفه الرئيس هو حقن الدماء وبداية مسيرة سلميّة تحفظ وحدة ليبيا وسلامة أراضيها وصون السلم الليبيّ الداخلي.
إنّها مصر يا سادة التي يخيَّل للناظر أنها نامت، فإذا بها حين تدلهمّ الخطوب تستيقظ لتأمر الجبل أن ينقلع وينطرح في البحر فيطيع مرّة وإلى الأبد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة