كالينينغراد.. ورقة روسيا الرابحة لتهديد أوروبا و"الناتو"
وسط توترات جيوسياسية، أشعلتها الحرب الأوكرانية التي دخلت شهرها الرابع دون أن تضع أوزارها، باتت فكرة تأمين الحدود هاجسًا يشغل دولا عدة.
فمن ألمانيا التي خصصت 100 مليار يورو كرقم قياسي لدعم جيشها، مرورًا باليابان التي تخلت عن مبدأها التاريخي بتملك أية قوة هجومية، إلى السويد وفنلندا اللتين أسرعتا لتقديم طلب الانضمام إلى حلف الناتو، تطورات كانت الأزمة الأوكرانية تقف دافعًا ومحركًا رئيسيًا لها.
تلك التوترات التي خلفتها الأزمة الأوكرانية، أثارت ثغرة جيب كالينيغراد في غرب روسيا، والذي يقع بين الدولتين الأوروبيتين ليتوانيا وبولندا على بحر البلطيق، ويعد منطقة عازلة طبيعية تشكل خط الدفاع الأول لروسيا ضد هجمات الغرب.
وقالت مجلة "الإيكونومست" البريطانية، إن موسكو تستخدم هذا الجيب لتهديد أوروبا، كون الميناء التابع له يخلو من الجليد طوال العام، عكس الكثير من الموانئ الروسية، كما أنه يعد موطنًا لأسطولها في البلطيق.
وأعلنت موسكو الشهر الماضي، أن الجيش الروسي أجرى في كالينينغراد محاكاة لعملية إطلاق صواريخ نووية على مواقع معادية متخيلة في أوروبا، في حادث أعربت السويد عن تخوفاتها من استخدام تلك المنطقة في شن هجوم بحري على جزيرة جوتلاند التابعة لها في بحر البلطيق.
صعوبات روسية
التخوفات نفسها أعرب عنها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والذي أشار إلى إمكانية أن تستخدم موسكو ذلك الجيب، لغزو بولندا وليتوانيا عبر إنشاء ممر بري من أراضيها إلى بيلاروسيا.
إلا أن تحليلا لمجلة "الإيكونومست" البريطانية، كشف عن صعوبات ستواجه موسكو، إذا ما رأت استغلاله، حال اندلاع حرب مع جيرانها أو حلف "الناتو".
شينزو آبي يكسر حاجز المادة 9 ويضع جيش اليابان ضمن الـ5 الكبار
ويقول جوناس كيلين، المحلل في فوي، (وكالة أبحاث دفاعية حكومية سويدية)، إن كالينينغراد "منطقة عازلة طبيعية" توفر خط الدفاع الأول لروسيا من الغرب، مشيرًا إلى أن تلك المنطقة مليئة بأنظمة الرادار التي توفر المراقبة الجوية لوسط أوروبا.
وبحسب "الإيكونومست"، فإن روسيا زودت في 2012 كالينينغراد بنظام الدفاع الصاروخي الروسي "إس-400" بعيد المدى، وفي 2016 أرسلت صواريخ "إسكندر" قصيرة المدى، ما يجعل الرؤوس الحربية النووية قريبة بشكل "غير مريح" من المدن الأوروبية، إلا أن الكرملين بررذلك، بقوله إنها خطوة تشكل ضرورة لمواجهة الوجود العسكري الأمريكي المتنامي في المنطقة.
وفيما تقول المجلة البريطانية، إن هناك اعتقادًا شائعًا بأن جيب كالينينغراد يحتوي بالفعل على أسلحة نووية روسية، يرى مايكل كوفمان مدير برنامج الدراسات الروسية في مركز أبحاث سي إن إيه الأمريكي، أنه في حالة نشوب حرب، فإن موقع المنطقة القريب من دول "الناتو" لن يترك سوى مجال ضئيل للقوات الروسية للانتشار، مشيرًا إلى أنه سيكون من الصعب أيضا إعادة إمداد كالينينغراد، كما أن المنطقة محاطة بعناصر الاستخبارات الغربية أكثر من أي مكان آخر.
أما إذا انضمت السويد وفنلندا إلى "الناتو"، فسيصبح جيب كالينينغراد نفسه محاطا بأعضاء "الناتو" من عدة جوانب، بحسب كوفمان الذي حذر من أنه قد يصبح "أقرب نقطة تفاعل" بين قوات الناتو وروسيا.
وكان ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الرئيس الروسي السابق، قد هدد قبل أسابيع بنشر "قوات بحرية كبيرة في خليج فنلندا"، قائلا "لا يمكن أن يكون هناك مزيد من الحديث عن وضعية لا نووية لبحر البلطيق".
ماذا نعرف عن كالينينغراد؟
وتساوي مساحة مدينة كالينينغراد تقريبًا أيرلندا الشمالية (14130 كم2)، فيما تأسس ميناؤها عام 1255، وازدهرت باعتبارها العاصمة التجارية لشرق بروسيا كونيغسبرغ لعدة قرون.
وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، خسرت ألمانيا أراضيها أمام الاتحاد السوفيتي، وأعيد توطينها بالروس والبيلاروسيين، وأطلق عليها اسم ميخائيل كالينين، وهو سياسي بلشفي.
وعندما حصلت جمهوريات البلطيق على استقلالها عام 1991، تم عزل الإقليم وسكانه البالغ عددهم 950 ألف نسمة عن بقية روسيا، فيما بات يعاني سكان هذا الجيب المعزول مشكلات اقتصادية بسبب قلة الدعم المالي والاستثمار.
ورغم محاولات الحكومة الروسية تحفيز اقتصاد الجيب، عانت كالينينجراد أوضاعًا في العقود الأخيرة، عجز الدعم المالي والحوافز الضريبية للاستثمار الأجنبي الممنوح للمدينة من مد حبل النجاة للاقتصاد الصناعي المتدهور.