"غاندي كمال".. مسيرة "الأمة" تحلم بقصر الرئاسة
"رأس يحيط بها شعر أبيض خفيف ونظارة طبية تسقط على الأنف" صورة ربما تتشابه مع مشاهد كبرى في التاريخ، لكنها تلتصق بمشهد معاصر في تركيا.
تبرز هذه الصورة مرشح المعارضة التركية للانتخابات الرئاسية كمال كليجدار أوغلو، أو كما يطلق عليه الإعلام التركي "غاندي كمال" لتشابهه مع الزعيم الهندي في النظارة الطبية والمظهر البسيط، بل أيضا لقيادته مسيرة من أجل العدالة من أنقرة إلى إسطنبول في ٢٠١٧، على طريقة حركة التحرر الهندية، بسبب اعتقال نائب عن حزب الشعب الجمهوري.
هذه المسيرة التي امتدت لمسافة 450 كيلومترا من أنقرة إلى إسطنبول أبرزت اسم كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب المعارض، في الساحة السياسية التركية بشكل كبير.
قبل أن يقود مسيرة من نوع آخر؛ مسيرة تحالف الأمة المعارض المكون من 6 أحزاب إلى صناديق الاقتراع، في محاولة لإنهاء 20 عاما من حكم رجب طيب أردوغان.
وربما لا يتمتع كليجدار أوغلو بشخصية كاريزمية مثل منافسه في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التركية رجب طيب أردوغان، لكن كليجدار أوغلو صاحب الحضور الهادئ لم يخفِ أبدا تفاؤله طوال الحملة الانتخابية بتحقيق حلم "الربيع التركي".
وبعدما ظل متواريا لفترة طويلة خلف ظل أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، ذي الجذور الإسلامية، لمع نجم كليجدار أوغلو بشدة خلال الحملة الانتخابية، وتصدر استطلاعات الرأي منذ بداية الحملة، إلا أن التصويت في الجولة الأولى جاء مغايرا للتوقعات بعدما حصل كليجدار أوغلو على 44.8% ليحل في المركز الثاني خلف أردوغان، الذي حصل على 49.51%، ليخوض الاثنان جولة الإعادة.
من الوظيفة للسياسة
وعمل كليجدار أوغلو قبل دخوله عالم السياسة في وزارة المالية التركية، ثم كان رئيسا لمؤسسة التأمين الاجتماعي التركية خلال معظم فترة التسعينيات، وانتقص أردوغان في خطاباته مرارا من أداء كليجدار أوغلو عندما كان في ذلك المنصب.
كان كليجدار أوغلو خبيرا اقتصاديا أيضا، وأصبح نائبا في البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري في عام 2002، عندما وصل حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان إلى السلطة لأول مرة.
وصعد كليجدار أوغلو العلوي المولود في إقليم تونجلي "شرق" إلى الصدارة في العقد الأول من القرن الجديد، باعتباره مناهضا للكسب غير المشروع، وظهر على شاشة التلفزيون ملوحا بملفات أدت إلى استقالات لمسؤولين رفيعي المستوى.
وبعد مرور عام على خسارته سباقا على رئاسة بلدية إسطنبول، جرى انتخابه دون أي منافسة زعيما لحزب الشعب العلماني في عام 2010.
رجل دولة
الموظف المدني المشاكس أعلن أنه، حال فوزه، يعتزم أن يتصدى بسرعة إلى مشكلة التضخم الذي وصل إلى 85% العام الماضي، وحل أزمة غلاء المعيشة التي أثقلت كاهل كثير من الأتراك.
وكان الرجل لفت إلى هذا الهمّ العام في حملته الانتخابية، وقال "أعرف أن الناس يناضلون من أجل تدبر أمورهم.. أعرف تكلفة المعيشة ويأس الشبان.. لقد حان وقت التغيير، من الضروري وجود روح جديدة وفهم جديد".
كلمات واهتمامات تعكس شخصية كليجدار أوغلو، الذي لم تهزمه الخسائر المتتالية كرئيس لحزب الشعب الجمهوري ضد العدالة والتنمية، ولا يميل إلى الاستقطاب ولا يملك الكاريزما أو قدرة أردوغان على تعبئة الجماهير.
وعن هذا بالتحديد، قال بيرول باشكان، كاتب ومحلل سياسي مقيم في تركيا، إن كليجدار أوغلو "يرسم صورة معاكسة تماما لأردوغان، الذي يعد شخصية مستقطبة ومقاتلا.. يعزز قاعدته الانتخابية".
وأضاف "كليجدار أوغلو يبدو أكثر كرجل دولة يسعى للوحدة والوصول إلى أولئك الذين لا يصوتون له.. هذا هو سحره، ومن الصعب جدا القيام بذلك في تركيا.. إنه الشخص المناسب في الوقت المناسب".
"حكم الكفاءات"
وإذا فاز كمال كليجدار أوغلو برئاسة تركيا فإن تحديات كبيرة تنتظره، أهمها الحفاظ على وحدة تحالف للمعارضة يضم قوميين وإسلاميين وعلمانيين وليبراليين، والتخلص من بصمة أردوغان في جميع أجهزة الدولة، من الجيش إلى القضاء.
كما ينتظر "غاندي كمال" تحد على المستوى الخارجي، في ظل إرث أردوغان المتقلب في السياسة الخارجية التركية في الـ٢٠ عاما الماضية، ورغبته في أن يقود "سياسة سلام".
وعن هذا، قال كليتشدار أوغلو "سننتهج سياسة خارجية تجنح للسلام وتعطي الأولوية للمصالح الوطنية لتركيا، أولويتنا هي مصالحنا الوطنية والعمل بما يتوافق مع قواعد العالم الحديث".
كما تعهد بوضع تركيا، ثاني أكبر دولة في أوروبا، على مسار جديد والتخلص من الكثير من إرث الرجل الذي سيطر بقبضة قوية على معظم مؤسساتها، وبوضع الكفاءات في المناصب المهمة.
لكن الأولوية القصوى لكليجدار أوغلو بعد حال وصوله إلى قصر الرئاسة هي العودة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية ونظام الحكم البرلماني، واستعادة استقلال القضاء، الذي يقول المنتقدون إن أردوغان استغله لقمع المعارضة.
وقال كليجدار أوغلو في المقابلة مع رويترز: "نحتاج إلى تكليف شخص تثق به الدوائر المالية بمنصب رئيس البنك المركزي، هذا هو أول ما يراقبه المستثمرون الأجانب، وإلى جانب ذلك سنضمن استقلالية البنك المركزي".
وأضاف "نشكل فرقا من المتميزين في كل الأقسام، من السياسة إلى الاقتصاد ومن التعليم إلى الثقافة، سنحكم البلاد بالكوادر الأكثر كفاءة".
رسائل اللحظات الأخيرة
وخلال آخر ظهور انتخابي له مساء السبت قال كليجدار أوغلو "يجب أن يكون للمرأة الحق في التقاعد أيضا، لن أجعل أي امرأة تعتمد على الرجل".
وأضاف أوغلو: "إذا فازت تركيا يجب توزيع ثرواتها بشكل عادل (..) سنضمن أن يكون هناك سلام ووفرة في كل منزل، يجب أن تفوز الدولة، وليس الأفراد"، متابعا "نحن بحاجة إلى حد أدنى من الدخل في كل بيت".
وأرسل كمال كيليجدار أوغلو رسالة نصية إلى الهواتف المحمولة للمواطنين حول ديون بطاقات الائتمان الخاصة بهم، قائلا فيها: "بمجرد أن أتولى السلطة سوف أتوصل إلى حل نهائي لديون بطاقة الائتمان الفردية الخاصة بك".
واختتم رسالته بقوله "تذكر.. انتخابات 28 مايو/أيار الجاري هي استفتاء للتخلص من الديون الثقيلة أو الوقوع في الديون في البلاد، فليأت محبو وطنهم إلى صناديق الاقتراع".