"كاتي" بمالي.. قلعة التغيير ومهد الانقلابات
"كاتي" تطل على القصر الرئاسي في مالي المعروف بقصر "كولوبا" من ناحية الجبل الواقع بالجانب الشمالي الغربي من العاصمة باماكو
في غمرة التطورات المرتبطة بالانقلاب الذي شهدته دولة مالي مؤخرا، برزت إلى واجهة الأحداث قلعة "كاتي" المطلة على العاصمة باماكو، حيث مقر أشهر قاعدة عسكرية في البلاد، وحيث الحامية التي ارتبط اسمها بتغييرات الحكم المفاجئة من بوابة الانقلابات، المدفوعة في الغالب بثورات واحتجاجات شعبية.
عادت "كاتي" من جديد لدورها في صناعة الحدث السياسي في مالي عندما استيقظ سكان العاصمة فجر الأربعاء الماضي على خبر انقلاب عسكري لمجموعة من ضباط النخبة في الجيش المالي قادمين من هذه القلعة تمكنوا على أثره من الإطاحة برئيس البلاد إبراهيم بوبكر كيتا.
وتكريسا لدور هذه القاعدة والقلعة في المشهد السياسي في مالي، أصبحت القلعة وقاعدتها موضع الاهتمام ومحط أنظار المتابعين لتطورات الإشكالية الدستورية المتعلقة بالانقلاب.
ففي القاعدة يعتقل بوبكر كيتا، ومنها أعلن استقالته، وبين جدرانها يدير العسكريون المرحلة الحالية، في انتظار ما يفضي إلى مرحلة انتقالية متفق عليها، وهو ما جعلها أيضا مقصد وفود الوساطات الإقليمية والدولية لمقابلة طرفي الأزمة.
و"كاتي" المنطقة التي دخلت تاريخ مالي السياسي الحديث من بوابة الحكم والصراع على السلطة، هي بلدة واقعة نحو 15 كلم شمال غرب العاصمة باماكو، يبلغ تعداد سكانها نحو 115 ألف نسمة وعبرها يمر خط سكة حديد يربط النيجر بالسنغال عبر مالي.
كما عرفت "كاتي" تاريخيا إبان مرحلة احتلال مالي في نهاية القرن التاسع عشر بكونها مقر ما يعرف بمعسكر "جالييني"، حيث حامية الفوج الثاني من "الرماة" السنغاليين التابع للجيش الفرنسي، ما بين 13 مايو/آيار 1934 إلى 8 يونيو/حزيران 1961، تاريخ مغادرة الاستعمار الفرنسي لمالي لينشئ الجيش المالي بعد ذلك مدرسة عسكرية في القاعدة.
يوجد في البلدة مستشفى عسكريا ومستشفى مدنيا، كما يوجد فيها العديد من المرافق التعليمية (العديد من المدارس الأساسية وكلية)، بالإضافة إلى إنشاء ناد للشباب ومركز للفنون بدعم من التعاون الفرنسي.
ولـ"كاتي" المدينة كذلك سوق مزدهرة، وكذلك سوق أسبوعي للماشية، كما تقع على خط سكة حديد داكار- النيجر.
"كاتي" صانعة التغيير
توصف "كاتي" في الأدبيات السياسية للماليين بأنها الضاحية التي يُؤتي منها قصر "كولوبا" الرئاسي في مالي، في كل مرة يبلغ فيها التوتر السياسي مداه عبر الثورات والحركات الاحتجاجية التي تتوج دائما بانقلابات عسكرية.
فعلى خلفية الاحتجاجات ومظاهر العصيان المدني المحتدمة منذ مارس/آذار الماضي التي قادتها حركة M5 المعارضة، جاء انقلاب كاتي الأخير ضد كيتا.
وفي أعقاب أزمة سياسية خلفتها عودة الصراع في الشمال المالي سنة 2012 جاء انقلاب الكابتن المغمور يحيى سونوكو، ضد رئيس مالي الأسبق آمادو توماني توري 2013، الذي انطلق أيضا من قاعدة "كاتي" ومهد لرئاسة خلفه المعزول ابراهيم كيتا، الذي تجرع من نفس الكأس بانقلاب قادم من نفس القاعدة العسكرية.
وقبل ذلك في بداية تسعينيات القرن الماضي سقط نظام موسى تراوري بثورة شعبية قادها ضباط قادمين من كاتي بقيادة الجنرال توماني توري، الذي حكم البلاد في ثوب مدني بعد فترة انتقالية دستورية أعقبت تلك الثورة، قادها آلفا عمر كوناري.
جغرافيا استراتيجية
لـ "كاتى" مميزات استراتيجية وخصائص جغرافية، مهمة جدا، جعلت منها صانعة الحدث في مالي دائما و"ريموت كنترول" تضبط إيقاع حركة الدخول والخروج من القصر الرئاسي.
وفي "كاتي" تطل على القصر الرئاسي في مالي المعروف بقصر "كولوبا" من ناحية الجبل الواقع بالجانب الشمالي الغربي من باماكو، بمحاذاة الضفة اليسرى لنهر النيجر حيث تتموضع مدينة باماكو.
يتميز انقلاب "كاتي" الجديد بمالي في كونه، تم بطريقة سلمية دون إراقة دماء، على عكس انقلابات سابقة، وهي خصوصية نوه بها حتى الرئيس المعتقل في خطاب استقالته، وهو ما أرجعه بعض المراقبين، إلى كون هذا الانقلاب كان موضع اتفاق معظم القيادات العسكرية في البلاد على عكس انقلابات "كاتي" السابق لسنة 2013 الذي قاده الكاتبن المغمور يحيى سونوكى الذي قاده بعد ذلك إلى السجن.
مساعي الحل تتواصل
ولا يزال الماليين لليوم السابع على التوالي ينتظرون خروج الدخان الأبيض من قلعة "كاتي" حيث تتواصل وساطة وفد "الأكواس" بين الرئيس المعتقل والانقلابيين، لإحراز اتفاق يؤمن مرحلة انتقالية تنهي الأزمة القائمة.
وأكد المتحدث باسم الجنود المتمردين في مالي، إسماعيل واغي، الإثنين، في تصريحات لإذاعة فرنسا الدولية، عدم وجود قرار بشأن المرحلة الانتقالية في مالي، مبرزا أن تفاصيل هذا المقترح لخروج مالي من الأزمة سيتم بعد "مشاورات مكثفة بين الماليين" وفق تعبيره.
وكشف واغي أن المرحلة الحالية من المناقشات مع وساطة الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، لم تحقق أي شيء، نافيا أن يكون النقاش قد تناول "حكومة ذات أغلبية عسكرية".
وافترق المجلس العسكري الحاكم منذ أسبوع في مالي، ومبعوثو دول غرب إفريقيا، الإثنين بدون اتفاق على شروط عودة المدنيين إلى الحكم في البلاد التي تشهد اضطرابات.
وأرسلت "إيكواس" مفاوضين إلى مالي مطلع الأسبوع في محاولة للعدول عن عزل الرئيس إبراهيم بو بكر كيتا من السلطة، ولكن دبلوماسيين يقولون إن إعادته للسلطة أمر غير مرجح في ضوء ما يحظى به الانقلاب من شعبية.
وتعقد المحادثات وسط تهديدات بفرض عقوبات إقليمية تلاحق المجلس العسكري المعروف باسم اللجنة "الوطنية لإنقاذ الشعب"، الذي اعتقل كيتا الأسبوع الماضي، ولكن الفرع الإقليمي للبنك المركزي لمجموعة غرب أفريقيا استأنف نشاطه الإثنين.
aXA6IDMuMTQ1LjYyLjM2IA== جزيرة ام اند امز