طوق نجاة لأمريكا في أفريقيا؟.. كينيا تغرد خارج السرب «الرافض» لواشنطن
بينما تتجه بعض الدول الأفريقية إلى الانسلاخ من علاقتها بالولايات المتحدة، كانت كينيا تلك الدولة الواقعة في شرق القارة السمراء تغرد خارج السرب.
فالزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الكيني ويليام روتو إلى واشنطن هذا الأسبوع - وهي الأولى التي يقوم بها رئيس أفريقي منذ عام 2008 - تسلط الضوء على العلاقات العميقة بين نيروبي وواشنطن، حتى في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة، اختبار تقليص نفوذها في أماكن أخرى من القارة السمراء.
وطلبت تشاد والنيجر، الحليفتان السابقتان للولايات المتحدة، من القوات الأمريكية مغادرة أراضيهما هذا العام. وتشعر إثيوبيا ذات الوزن الدبلوماسي الثقيل، التي كانت حليفا رئيسيا في أفريقيا، بالغضب من مزاعم الولايات المتحدة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إضافة إلى أن دعم واشنطن القوي لإسرائيل جعلها على خلاف مع لاعبين قاريين مثل جنوب أفريقيا ومصر، اللتين انتقدتا الحرب في غزة بشدة.
ذلك «الغضب» الأفريقي من الولايات المتحدة، دفع الأخيرة إلى اللجوء على نحو متزايد إلى كينيا: للتوسط في وقف إطلاق النار والمفاوضات؛ والمساهمة في عمليات حفظ السلام الدولية في المناطق الساخنة مثل الصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وهايتي، والحصول على الدعم في موضوعات تتراوح من الحرب في أوكرانيا إلى تغير المناخ.
وعن ذلك، قال روتو في مقابلة: «كينيا هي الدولة المحورية في شرق ووسط أفريقيا»، مشيراً إلى المبادرات التي ترعاها نيروبي: محادثات السلام بين الحكومة والجماعات المتمردة في جنوب السودان؛ ومفاوضات لنزع فتيل التوترات بين الصومال وإثيوبيا؛ وكضامن للصفقة الهشة التي أنهت الحرب الأهلية في إثيوبيا.
عنصر فعال
وكان روتو قال في وقت سابق، إنه سيتوجه 200 ضابط شرطة كيني أيضًا إلى هايتي، وهي أول فرقة من قوة قوامها 1000 فرد. وتساعد الولايات المتحدة في تمويل عملية الانتشار التي تستمر عاما للمساعدة في تحقيق الاستقرار في الدولة الجزيرة الكاريبية بعد سيطرة العصابات عليها.
ويخدم جنود كينيون أيضًا في الصومال المجاورة كجزء من مهمة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي التي تقاتل المتمردين المرتبطين بتنظيم القاعدة. وتم نشر المهمة في عام 2009 ومن المقرر أن تنتهي هذا العام، لكن وثائق التخطيط التي اطلعت عليها صحيفة «واشنطن بوست» تشير إلى أن بعض القوات - بما في ذلك القوات الكينية - قد تبقى في البلدين بشكل ثنائي.
وخدمت قوات كينية أيضًا في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي مزقتها الحرب لكنها غادرت أواخر العام الماضي بعد أن ألقى رئيس الكونغو باللوم على قوة حفظ السلام المتعددة الأطراف لعدم قيامها بما يكفي لمحاربة المتمردين.
ويقول روتو إن هشاشة العديد من الحكومات الأفريقية تعني أن الولايات المتحدة يجب أن تفعل المزيد لتعزيز الديمقراطية من خلال أموال التنمية.
وأضاف: «على أمريكا أن تظهر. نحن نعيش في منطقة تتعرض فيها الديمقراطية للتهديد (..) أن تكون دولة ديمقراطية، وأن تكون دولة تؤمن بسيادة القانون، يجب أن يكون له تأثير ما. يجب أن تحقق الديمقراطية».
وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن «الديمقراطية الفوضوية في كينيا أصبحت أكثر رسوخاً بشكل عام منذ إعادة إجراء الانتخابات التعددية في عام 1992»، لكن أزمة حدثت في أعقاب انتخابات 2007 المتنازع عليها والتي أشعلت أعمال شغب مميتة وتطهيراً عرقياً، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص. واتهمت المحكمة الجنائية الدولية روتو وخمسة آخرين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية مرتبطة بأعمال العنف، إلا أن القضية أسقطت في عام 2016.
إلا أنه مع ذلك نجحت كينيا في إعادة رسم مسارها؛ فدستورها لعام 2010 كرس الحقوق الأساسية، وأصبحت السلطة لا مركزية في انتخابات 2013، وفي عام 2017، عزز القضاء استقلاله عندما ألغت المحكمة العليا انتخاب الرئيس الحالي لأسباب فنية وأجبرته على إعادة الانتخابات.
لكن على الرغم من الترحيب الحار من واشنطن، فإن شعبية روتو في الداخل تضررت بسبب التضخم، ومجموعة كبيرة من الضرائب الجديدة التي لا تحظى بشعبية، والإسراف الحكومي. وشعر المزارعون بالغضب عندما اكتشفوا أن الحكومة تزودهم بأسمدة مزيفة.
ورفض روتو الانتقادات، مشيرا إلى أن سياساته تجنبت التخلف عن سداد القروض الأجنبية، وخفضت التضخم إلى النصف تقريبا، واستقرت سعر الصرف الأجنبي المتقلب بشدة، وخفضت تكلفة المواد الأساسية مثل الدقيق.
لماذا كينيا مهمة لأمريكا؟
تقول وكالة «نوفا» الإيطالية، إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تسعى جاهدة إلى تعزيز دورها كمعقل ديمقراطي في منطقة شرق أفريقيا التي تعاني بشكل متزايد من الصراعات وانعدام الأمن وعدم الاستقرار.
وبحسب الوكالة الإيطالية، فإن تعزيز أمريكا العلاقات مع كينيا مفيد في لحظة تاريخية تحتاج فيها الولايات المتحدة إلى جعل شراكاتها واضحة وقوية على المستوى العالمي، مع التأثير على القارة الأفريقية التي هي في حالة التكيف الكامل.
وأشارت إلى أنه يمكن للرئيس كيني أن يوفر لواشنطن موقعًا قيمًا في سياق إقليمي حيث تتصارع الدول الرئيسية - إثيوبيا والصومال على وجه الخصوص - مع صراعات داخلية مستمرة وأزمات دبلوماسية تضر بتطور علاقات اقتصادية متينة.
فتعزيز العلاقات مع نيروبي يستجيب لحاجة واشنطن إلى عدم فقدان قبضتها على القارة الأفريقية بعد الطرد التدريجي للقوات الفرنسية والدولية من منطقة الساحل وما يرتبط بذلك من اختراق روسي في القارة.
وخلال الزيارة التي قام بها وزير الدفاع فلويد أوستن إلى نيروبي، في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وقعت الولايات المتحدة اتفاقية تعاون مع كينيا تنص على تدريب جنود الجيش الأمريكي.
وينص الاتفاق -أيضًا- على التعاون في جهود السلام والأمن داخل البلاد وفي المنطقة، بما في ذلك النشر المخطط لضباط الشرطة الكينيين في هايتي.
علاوة على ذلك، فإن اهتمام الولايات المتحدة بنيروبي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدور الذي يمكن أن تلعبه كينيا في تحقيق الاستقرار الإقليمي؛ بسبب مشاركتها النشطة في الهجوم الذي تشنه الصومال المجاورة ضد حركة الشباب.
ومع الانسحاب التدريجي من البلاد لقوات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (اتميس) ـ والتي تشارك فيها نيروبي ـ سوف يكون لزاماً على مقديشو أن تتولى المسؤولية عن الأمن القومي بحلول نهاية العام، وعلى هذه الجبهة تظل الخبرة الكينية تشكل دعماً أساسياً، كما أثبت الوجود العسكري الكيني خارج البعثات الدولية.
aXA6IDE4LjExOC4xNTQuMjM3IA== جزيرة ام اند امز