بالصور.. عجوز فلسطينية تتحدى سطوة العمر بـ"الهتاف للاجئين"
على الرغم من أن المسنة الفلسطينية "خديجة" لم تترك أرضها قهرا ولم ترحل عن بلدتها الأصلية فإن صوتها يعلو بمطالب عودة اللاجئين.
أمام مقر الأمم المتحدة في مدينة غزة، تقف السيدة المسنة خديجة الشافعي، وهي في الثمانين من عمرها، حاملة علم فلسطين، تلصق الكتف بالكتف مع الرجال في ساحة وحنجرتها تصدح: "عائدون"، خلال مسيرة عامرة باللاجئين الفلسطينيين الذين جاؤوا من جميع محافظات القطاع غزة ليعبّروا عن حقوقهم الثابتة.
- تسريبات جديدة لـ"صفقة القرن".."كيان" فلسطيني مركزه غزة و85% من الضفة للسلطة
- الفلسطينية "صبا".. رضيعة اغتالت إسرائيل خطوتها الأولى
وعلى الرغم من أن السيدة المسنة "خديجة" فلسطينية لم تترك أرضها قهراً، ولم ترحل عن بلدتها الأصلية، فإن صوتها يعلو بمطالب حق عودة اللاجئين في الذكرى الـ71 على النكبة الفلسطينية.
حكاية الذاكرة والعهد
تحدثت الحاجة خديجة الشافعي لـ "العين الإخبارية"، قائلة: "أنا ابنة بلدة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، وعائلتي لم تهاجر أو تغادر أرضها، ولكنني أذكر المأساة التي عاشها ويعيشها إلى اليوم شعبنا الذي هاجر من فلسطين التاريخية، بعد نكبة 1948م، وواحدة من الأسر احتضنها والدي آنذاك، وكنت في السنة العاشرة من عمري".
وأضافت: "وقتها لم أع ماذا يعني أن تترك عائلة بيتها وأرضها، ومنذ تلك اللحظة عشت مرارة الفقد والحرمان، رغم أنني فعلياً لم أحرم من بيتي ولا من عائلتي، فصار أكبر همّي أن تعود هذه العائلات إلى ديارهم".
بثوبها الفلسطيني المطرز، وحبكته التي تدل على أنها من بلدة في جنوب فلسطين، تحمل المسنة خديجة علم وطنها، وهي تصدح بالأهازيج الوطنية القديمة، متوسطةً الرجال كبار السن، في دبكة شعبية عفوية، حضرت في مناسبة التجمهر لإحياء ذكرى النكبة الـ71 في ساحةٍ أمام مقر الأمم المتحدة غرب مدينة غزة، والتي نظمتها اللجان الشعبية للاجئين، لا يشغلها سوى أن توصل رسالتها ولا تنقطع عن دورها الذي بدأ مع بزوغ عمرها، وكسر قشرة الطفولة عنها، لتمر عليها السنين، وهي على ذات الدرب.
وهنا تقول "خديجة": "كنت في العاشرة من عمري عندما كان اللاجئون الذين حضروا من يافا، وعكا، وصفد، والطيرة، وحمامة، واللد، والرملة، يفترشون الأرض أمامنا، كانوا ينامون في العراء على الرمل، ونذهب إليهم محملين بالماء والطعام، وأغطية للنوم، كان الحزن في عيون الكبار واضح، ولكننا كنا نذهب إليهم ولا نعرف سبب انتشارهم أمام البيوت وعلى الطرقات وفي الساحات، وكان والدي قد قال لي إنهم سيعودن إلى ديارهم بعد أيام، وعلينا إكرامهم".
وواصلت حديثها: "عشت هذه الأوقات معهم وأنا أجهل ماذا يعني أن يطرد الإنسان من أرضه، ويترك بيته، ويعرض نفسه للموت في طريق الهروب، ولماذا كل هذا، حتى كبرت وأصبح للاجئين مخيمات بنتها وكالة الغوث للاجئين، وكنت أذهب وأنا شابة لمخيم جباليا القريب من بلدتي، وهناك تحول اللاجئ إلى بائع، وصانع، ونجار، وحداد، وحكيم، ومدرس، وشيئاً فشيئاً صار تحول المخيم من بلوكات بصفيح إلى أسقف من أسمنت".
أصبح اللاجئ ينافس المدينة الكبيرة في كل المدارس والأسواق، ولكن صورته كمحروم من أرضه لم تغادر ذهن "خديجة" يوماً؛ إذ تقول: "أنا مقتنعة أن المخيم كمحطة قطار، مهما وقف المسافر عليه منتظراً سيغادر ويعود إلى بيته لذلك سأبقى أناضل من أجل أن أمسح صورة البؤس من ذهني، وإن منحني الله عمراً سأغني وأزغرد وأرش الأرز يوم يعودن إلى ديارهم".
الخيمة مذلة المقيم والعودة حلم لا ينته
تصر المسنة خديجة الشافعي بعد 71 سنة من النكبة الفلسطينية، أن كل لاجئ له حق العودة مع أبنائه وأسرته إلى بلداتهم الأصلية، ولا تؤمن بالسياسة ولا المفاوضات، فتقول: "من هذا الذي يتنازل عن حقوقه، الشعب الفلسطيني لا يتنازل، وعلى المغتصبين أن يرحلوا من حيث أتوا، هم احتلوا فلسطين التي كانت ملكاً للفلسطينيين، كل شبر منها لنا، ولكن العالم ساعد المحتلين على ابتلاع أرضنا، وسكت عن تشريد شعبنا، وقتله كلما أرد أن يناضل من أجل عودته، والله وحده سيقهر الظالمين، وسيعودون إلى ديارهم ولو بعد مئات السنين".
ومع كل هذه المعاناة، تنظر "خديجة" بفخر إلى الشباب والصغار وهم يحملون الأعلام، ويلبسون الملابس العتيقة التي كانت لأجدادهم، فيما ترتدي الفتيات الصغيرات الثوب القديم بتطريز الأمهات والجدات، فكيف سينسون، كل جيل يذكر الجيل الذي بعده أن فلسطين حق مشروع لهم، يحملون مفاتيح بيوت ديارهم المدمرة، وشهادات ملكيتها، ولا ينسون أبداً أنهم سيضحون كثيراً من أجل هذه الحقوق، لن يتنازلون عن حق العودة أبداً. وتقول: "لهذا أنا المواطنة الفلسطينية خديجة الشافعي أشاركهم هذا الإصرار وبكل عناد وأنا في الثمانين من عمري أقول لن أتركهم وحدهم ينادون من أجل عودتهم، وعلى كل فلسطيني مواطن كان أو لاجي ء أن يعمل من أجل استرجاع الحقوق المشروعة لهم".
الأسر حكاية الوفاء لحق العودة
لم تعف النفس من التضحية والفداء بسنة ونصف من عمرها خلف القضبان، لإيمانها أنها تناضل من أجل الحق الذي لا يضيع بالتقادم، فالمسنة خديجة الشافعي سجنت بعد مشاركتها في مسيرة غاضبة بالانتفاضة الأولى، وحكم عليها بالسجن لمدة سنة ونصف، قضتها بكل عنفوان وتحدي، وخرجت وهي الأم والجدة وأحفادها يكبرون على نضالها، ويشاركونها مسيرتها، ولم تترك مناسبة وطنية للاجئين إلا ولها مكانها فيها.
من الاعتصامات الأسبوعية أمام الصليب الأحمر للمطالبة بالأفراج عن الأسرى إلى مشاركاتها في مسيرات العودة التي مر عليها سنة كاملة، تشارك "خديجة" بثوبها الفلسطيني المعروف وبعلمها الوطني، ولا تنس يوم أن تركت عرس إحدى حفيداتها الذي صادف مسيرة للعودة، لتشارك بها، وتعود بغبار مشاركتها إلى الفرح وهي تهتف من أجل فلسطين.
واحدٌ وسبعون سنة قضتها المسنة خديجة الشافعي، من أجل أن تمسح الصورة القاهرة لشعبها، وهم يفترشون الأرض والسماء لهم غطاء، وطعامهم فتات، وماءهم آسن، وتواصل بأمانة مسيرها بوصيةٍ، توصي بها منْ بعدها أولادها وأحفادها أن لا يتخلوا عن اللاجئين حتى يعودوا إلى ديارهم.
aXA6IDE4LjIyNC42NS4xOTgg
جزيرة ام اند امز