بعد مقتل الظواهري.. أي مستقبل ينتظر القاعدة؟
شد وجذب بين واشنطن وطالبان بعد مقتل أيمن الظواهري سيأخذان نصيبهما من الوقت، لكنهما سيمضيان ليبقى التركيز على مستقبل "القاعدة ما بعد الظواهري".
لم يدم صمت الرئيس الأمريكي جو بايدن طويلا بعد أنباء تقارير إعلامية عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة السابق ليخرج معلنا طي صفحة الظواهري للأبد بعد غارة أمريكية في كابول نفذتها وكالة المخابرات المركزية واستهدفت مقر إقامته.
واعتبر مراقبون مقتل الظواهري داخل أفغانستان، دليلاً قوياً على التعاون بين المخابرات الأمريكية وحركة طالبان، رغم استنكار الأخيرة للعملية باعتباره "حليفا" يعيش في حمايتها. ووصل الأمر إلى أن العملية تخالف كل الأعراف الدولية واتفاق الدوحة، على حد قول المتحدث باسم الحركة.
مقتل زعيم القاعدة فجر العديد من الأسئلة حول الدوافع الحقيقية للإدارة الأمريكية للتخلص من رجل "الأمير المسردب"، كما يحلو لمنافسيه أن يطلقوا عليه، فأي خطر كان يمثله الظواهري على المصالح الأمريكية بعد أن تفكك التنظيم ولم تعد له غير القيادة الرمزية والروحية لأتباعه؟
سؤال أكثر أهمية طرح نفسه بقوة وهو ما مستقبل تنظيم القاعدة في ظل التغييرات الحادة في خريطة الإرهاب العالمي، وبروز تنظيمات أخطر وأشرس من "القاعدة"؟ فضلا عمن سيخلف الظواهري في قيادة التنظيم ولو رمزياً؟
مكاسب دعائية
الكاتب والباحث في الإسلام السياسي عمرو عبدالمنعم أرجع الدوافع الحقيقية وراء الاستهداف الأمريكي لأيمن الظواهري ليس لقدرته التنظيمية، إنما في قيمته الرمزية لتنظيمات الإرهاب العالمي، فضلا عن أن التخلص منه نجاح للإدارة الأمريكية.
ولأعوام عديدة تسبب تنظيم القاعدة في استهداف المصالح الأمريكية بالعالم، بل وفي قلب الولايات المتحدة نفسها - بحسب الباحث السياسي- فالظواهري حتى لو كان مريضاً فسيظل مقتله وليس موته بل ومقتله على أيدي الأمريكيين مطلباً هاما للغاية ليس فقط للانتقام ولكن لتأكيد سطوة واشنطن وترسيخها مفهوم لا أمان لأعداء أمريكا أينما كانوا.
رأي اتفق معه الكاتب والباحث مصطفى زهران؛ إذ قال لـ"العين الإخبارية" إن الظواهري لم يكن يمثل خطراً من أي نوع على الإدارة الأمريكية، فقد أصبح معزولاً عن التنظيم بسبب مرضه، لكن مقتله يعد مكسباً دعائياً للبيت الأبيض.
ولعل الأكثر من ذلك أن الكاتب والباحث في الجماعات المتطرفة أحمد الشوربجي اعتبر أن تنظيم القاعدة "مات إكلينيكياً" ولم يعد له تأثير كبير على ساحة منافسيه، بعد أن ابتلع تنظيم داعش منه معظم أفرعه وقدراته القتالية، وبالتالي لا يمكن اعتبار سبب مقتل الظواهري التخلص من قيادة إرهابية بقدر كونه تخلصاً من رمزية قيادة الإرهاب العالمي.
وبدا واضحا أن ضربة الرئيس بايدن بمثابة محاولة لتحقيق مكاسب انتخابية ولمجد شخصي، فإدارته هي التي تمكنت من التخلص من زعيم داعش (أبوبكر القرشي) ومن زعيم القاعدة (أيمن الظواهري)، وهو ما يفسر أن خطاب سيد البيت الأبيض كان موجها للداخل الأمريكي أكثر منه للعالم الحر الرافض للإرهاب، وفقا لما أكده الكاتب والباحث في الجماعات المتطرفة عمرو فاروق.
طالبان والظواهري
ولعل السؤال الثاني الذي شغل بال كثيرين: هل تورطت طالبان في تحديد مكان الظواهري؟.. هنا قال عمرو فاروق لـ"العين الإخبارية" إن كل المؤشرات تؤكد أن ثمة تعاونا بين المخابرات الأمريكية وقادة طالبان، وأن الاغتيال تم بناء على "وشاية من داخل الحركة عن مقر إقامة الظواهري".
ولفت فاروق إلى أن العديد من قادة القاعدة الذين سقطوا في الأعوام السابقة، اغتيلوا بالتعاون بين المخابرات الأمريكية وحركة طالبان.
غير أن الباحث عمرو عبدالمنعم استبعد تورط طالبان في التخلص من الظواهري، موضحا أن واشنطن سبق لها رصد منزل أسامة بن لادن واغتياله، بدون وشاية من الحركة "فالإدارة الأمريكية تختار التخلص من القيادات في توقيتات تخصها وبما يحقق لها مكاسب إما سياسية وإما دعائية".
وما بين هذا وذاك، ذهب أحمد الشوربجي إلى منحى مختلف، مؤكداً أن طالبان تعاني من تحالفها مع القاعدة منذ اتفاق الدوحة مع أمريكا، لافتا إلى أن اغتيال الظواهري بأياد أمريكية أراح الجميع حتى وإن أزعج قادة طالبان، غير أنه حل لهم إشكالية فك الارتباط العضوي والفكري بين الحركة والتنظيم.
بينما يرى الكاتب والباحث هشام النجار أن طالبان يصعب أن تتورط في عملية اغتيال زعيم القاعدة، فهو فضلا عن كونه تحت حمايتهم وكونه زعيماً روحيا، يوجد فصيل مهم في طالبان متعاون بالكلية مع القاعدة وهم شبكة حقاني، ولا يمكن تخليهم عن زعيم في ثقل الظواهري، وإن كان الاغتيال تم بأياد أمريكية قد حل أزمة داخلية بين فصائل طالبان.
الخليفة المنتظر
على مدار سنوات مضت، كان السؤال الأكثر تداولا بعد شائعات وفاة زعيم القاعدة: "من سيخلف الظواهري؟" قبل أن يؤكد الباحث عمرو فاروق أن أقرب الأسماء لخلافة الظواهري هو (سيف العدل) محمد صلاح الدين زيدان، باعتباره في الأساس عضوا في تنظيم الجهاد المصري، وله ثقل تاريخي، ومن الرعيل الأول المؤسس للقاعدة.
فاورق أوضح أن "زيدان" يعد شريكاً أساسياً مع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، إضافة إلى مؤهلاته كضابط سابق في الجيش المصري، جعلته مرجعية عسكرية، إضافة لعلاقاته القوية داخل التنظيم، متوقعا أنه وفي حال توليه زعامة التنظيم سيجدد الدماء فيه ويعيد هيكلته بما يتناسب مع الحركة الجديدة.
وأشار إلى أن محمد صلاح يتنقل بسهولة بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، وله علاقات قوية ببعض القبائل في الصومال والقرن الأفريقي، كما أنه كان موجودا في وقت سابق في منطقة الساحل والصحراء. ويوافقه الرأي أحمد الشوربجي مؤكدا أن سيف العدل هو الباقي من المجموعة التي رشحها أسامة بن لادن لقيادة التنظيم من بعده.
لكن لا يمكن الجزم بأن "سيف العدل" أو محمد صلاح الدين سيكون الزعيم القادم، حيث إن هناك ثمة عوامل داخلية لن تسمح له بخلافة الظواهري وقد تسمح بتولي أحد من الأفرع المحلية.
ويرجح هشام النجار أن أحد قادة حراس الدين في سوريا أو إياد غالي في تنظيم القاعدة في مالي يصبح زعيما للتنظيم. أما عمرو عبدالمنعم فقد ذهب إلى أن التنظيم لن يعلن أميراً للقاعدة بالمفهوم المركزي القديم، بل سيكون شرفياً أكثر منه قائداً وزعيماً روحياً.
سيناريوهات مستقبل القاعدة
رغم أهمية كل ما يتعلق بمقتل الظواهري وخليفته، يظل مستقبل تنظيم القاعدة من منظور أشمل هو الشغل الشاغل لكثير من الباحثين، خاصة ما يتعلق بقدرة التنظيم على البقاء. وهنا قال الباحث السياسي عمر فاروق إن تنظيم القاعدة يواجه تحديات كبيرة تهدد بقاءه واستمراره كقوة تنظيمية في خريطة الإرهاب العالمي، منها: قدرة الأمير الجديد على إدارة التنظيم مركزياً وعدم السماح بتفككه لوحدات محلية.
أما الأمر الثاني فهو مدى قدرة تنظيم القاعدة على ضخ دماء جديدة وضم عناصر أو تنظيمات جديدة تعويضاً عن الفاقد في القيادات التي انتمت لداعش، أو التي قُتلت في غارات متفرقة، وأخيرا ما مدى قدرة التنظيم في الحفاظ على الفكر القاعدي التقليدي القائم على استهداف العدو البعيد وعدم رفع السلاح في وجه المسلمين بالداخل.
وبدأت الأصوات ترتفع بضرورة مواجهة عدو الداخل، وإذا نجح القائد الجديد - وفقا لفاروق- فإن القاعدة يمكنها إدارة عمليات إرهابية مستقبل، أما إذا فشل فمصير التنظيم التفكيك والذوبان في تنظيمات محلية.
وبناء على ما سبق، توقع الكاتب والباحث هشام النجار 3 سيناريوهات تحدد مستقبل القاعدة؛ الأول في حال تولي أحد قادة الأفرع المحلية مثل حراس الدين في سوريا أو إياد غالي في تنظم القاعدة في مالي؛ حيث ستتغير أدبيات القاعدة وتستهدف العدو القريب بدلاً من البعيد، وستنكفئ للداخل وستقوي الأفرع على حساب قوة المركز.
أما السيناريو الثاني فيتوقف على مدى تمكن "سيف العدل" القيادة التاريخية من إعلان نفسه أميراً للقاعدة؛ حيث سيتم استعادة قوة المركز بعمليات كبرى ضد الولايات المتحدة تثبت استحقاق الزعيم الجديد للقاعدة لموقعه.
وأخيرا السيناريو الثالث ففي حالة عدم الاتفاق على البيعة لأمير جديد للتنظيم واستمرت القاعدة بدون قيادة، فمستقبلها هو التفكك والانحلال والذوبان، وعلى وجه الخصوص بعد خروج قيادات مهمة وأعلنت انتماءها لتنظيمات أخرى.
بينما يرى عمرو عبدالمنعم أن تنظيم القاعدة سيواجه فوضى كبيرة وأن يتفكك التنظيم نظراً لقوة الأطراف مالياً وإدراياً، وهي الرؤية التي أيدها الباحث مصطفى زهران، خاصة فيما يرتبط بفقدان التنظيم لقدرته بعد مقتل القادة الميدانيين من الصفين الأول والثاني خلال الأعوام الماضية مما أحدث فراغا كبيراً لن يعوضه أحد من القيادات الحالية.
في حين يرى أحمد الشوربجي أن ثمة تحولات جذرية في هيكلة تنظيم القاعدة الإرهابي، تمت في الأعوام السابقة، جعلت الأفرع المحلية أقوى من القيادة المركزية ولها الكلمة العليا.
وتنظيم القاعدة نشأ في أفغانستان لمواجهة القوات الروسية بحجة الجهاد في سبيل الله، ثم تحول عن فكره وقام بالعديد من العمليات الإرهابية في العالم العربي والغربي، وهدد المصالح الأمريكية، وكان يدير خريطة الإرهاب العالمي تحت قيادة زعيمه الأبرز أسامة بن لادن، وتشظى في عهد أيمن الظواهري وخرجت تنظيمات عديده من عباءة القاعدة مثل داعش وجبهة النصرة والعديد من التنظيمات في شرق آسيا.
ولم يتبق لتنظيم القاعدة حاليا حليف غير طالبان، التي عقدت اتفاقا بموجبه تسلمت الإدارة والحكم في كابول بعد انسحاب واشنطن من أفغانستان، وظل الارتباط بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة مشكلة معلقة تهدد الاتفاق، واليوم بعد اغتيال الظواهري بات من الواضح أن القاعدة لن تتمكن من العودة ثانية، وأن قيادة ستخلف الظواهري هي قيادة روحية للجهاد العالمي فحسب.
aXA6IDE4LjExOS4xMDguMjMzIA==
جزيرة ام اند امز