التحليلات
"داعش" بعد القرشي.. شارة نهاية أم نقطة رجوع؟
استراتيجية يعتمدها داعش تحقق له معادلة قوة الفروع و"الولايات" عن تمركزه الوهمي بسوريا والعراق قد تمنح التنظيم الإرهابي نقطة العودة.
طرح يؤيده خبراء بشدة في ظل سيل قراءات تستشرف تموقع داعش عقب مقتل زعيمه أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، وما إن كان الحدث مفصليا لدرجة يمكن أن يكون معها إما شارة نهاية للتنظيم أو نقطة عودة، خصوصا في ظل ظهوره مجددا بكل من العراق ومؤخرا في ليبيا.
وفي وقت سابق الخميس، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن العملية الخاصة التي نفذتها الولايات المتحدة الليلة الماضية في شمال غربي سوريا، توجت بتصفية زعيم تنظيم داعش أبو إبراهيم الهاشمي القرشي.
وقال بايدن، في بيان نشره البيت الأبيض عبر موقعه الإلكتروني: "بتوجيهات صادرة عني، نفذت القوات العسكرية الأمريكية في شمال غربي سوريا، بنجاح، عملية لمكافحة الإرهاب لحماية الشعب الأمريكي وحلفائنا، ولجعل العالم مكانا أكثر أمانا".
وأعلن أنه "بفضل مهارة وشجاعة قواتنا المسلحة، تم إقصاء أبو إبراهيم الهاشمي القريشي، زعيم داعش، من ساحة المعركة"، مؤكدا عدم سقوط أي ضحايا أمريكيين في العملية.
لا تأثير حقيقي
إعلان الرئيس الأمريكي خبر مقتل زعيم تنظيم داعش، فتح شهية الخبراء في شؤون الجماعات المسلحة ومكافحة الإرهاب الدولي لاستشراف مستقبل التنظيم عقب عملية تصفية زعيمه.
الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، عمرو فاروق، يرى أن الكيانات ذات الطبيعة التنظيمية أمثال داعش والقاعدة والإخوان، لا تتأثر بشكل حقيقي بفقدان أحد قياداتها، ما يعني أن مقتل القرشي زعيم داعش لن يؤثر بشكل سلبي على محطات التنظيم وتوجهاته، لاسيما أن أبو ابراهيم القرشي لم يكن شخصية فعالة بشكل حقيقي في ظل مرور التنظيم بحالة من السقوط على مدار السنوات الأخيرة وتحديدًا في سوريا والعراق.
وأضاف فاروق، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "تنظيم داعش يسير وفقًا لما يعرف باستراتيجية 'مركزية القيادة لا مركزية التنفيذ'، ما يحقق معادلة قوة الفروع والولايات في أفريقيا وآسيا عن تمركزه الوهمي في سوريا والعراق، بعد خساراته الجغرافية السياسية في مارس (أذار) 2019، على يد قوات التحالف الأمريكي".
ورجح أن تكون عملية مقتل القرشي جاءت بسبب عملية اقتحام داعش بسجن "غويران" التي كشفت تخطيط التنظيم وتحركاته واستعادته لقوته وقواعده، وأسفر عن مقتل أكثر من 180 داعشيًا (بينهم 150 من منفذي الهجوم)، ونحو 120 جنديًا من قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وفقًا لتقارير صادرة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان.
يعيد إنتاج نفسه
وبحسب الخبير، فإنه من المرجح أن يتولى زمام داعش عقب مقتل القرشي، الحاج جمعة عواد البدري، رئيس مجلس الشورى العام، وشقيق أبو بكر البغدادي الزعيم السابق للتنظيم ، في ظل إلقاء القبض على سامي جاسم الجبوري، في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وذلك بناء على تفاصيل الهيكل الداخلي للتنظيم الداعشي، والتي انفرد بها قبل اغتياله الخبير العراقي في مجال مكافحة الإرهاب هشام الهاشيمي، في إحدى الدراسات.
وشدد فاروق على أن داعش يعيد نفسه حاليًا من خلال معسكرات مشروع "جبل التمكين"، التي تعتبر امتدادًا لمعسكرات "أشبال الخلافة" التي بدأها منذ إعلان خلافته في يونيو/ حزيران 2014، بهدف إنتاج كوادر بشرية مدربة تتبنى التوجهات الفكرية والتنظيمية للمشروع الداعشي.
وبرؤيته، فإن تنظيم داعش فقد فعليًا قوته التنظيمية في سوريا والعراق، ويلتحف بالدروب الجبلية والصحراوية بين الحدود السورية العراقية، التي يتواجد بها نحو 10 آلاف مقاتل داعشي تمكنوا من الفرار بعد هزائم التنظيم، وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في فبراير/ شباط الماضي.
غير أن تفكك "داعش" وانهيار دولته في سوريا والعراق لا يعني نهائيًا سقوط المشروع الداعشي، وفق الخبير الذي يؤكد أن التنظيمات من شأنها أن تتعرض للانشطار والانشقاق والتفكك، لكن تظل روافدها باقية طالما أن فكرتها متماسكة وقادرة على الاستمرار والاستنساخ والتمدد فكريًا وتنظيميًا.
ولفت إلى أن تنظيم داعش نقل مركز ثقله التنظيمي إلى العمق الأفريقي ( الغرب والوسط والشرق)، مستغلًا حالة الفراغ السياسي والأمني والطبيعة الجبلية التي يوظفها في تدريب وتجنيد المئات من الشباب والمراهقين.
واختمم فاروق مشيرا إلى أن كتابة السطور الأخيرة في رواية تنظيم داعش وفصائله تحتاج إلى المزيد من الخطوات والتدابير التنفيذية على أرض الواقع، مع ضرورة إعادة صياغة إستراتيجيات الأمن القومي العربي وبنائها فكريًا وعسكريًا وأمنيًا، وصناعة لوبي ضاغط بقوة لكسر تغلغل التنظيم التكفيري، ومحاصرة مخاطره، ووقف المد الفكري للمعتقدات الداعشية في عمق المنطقة العربية.