رواية "كيميا".. جلال الدين الرومي وشمس التبريزي بعيون مختلفة
الرواية الصادرة مؤخرا تحتوي على تساؤلات مهمة عما استقر في وعينا من رموز وتواريخ وأمكنة ونماذج حضارية
بعد روايته الأولى "ابن القبطية" والتي كانت مفعمة بالتجريب ومحتفية بفكرة إزالة الحدود بين الأجناس الأدبية، يطرح الكاتب وليد علاء الدين في روايته الثانية "كيميا" تساؤلات مهمة عما استقر في وعينا من رموز وتواريخ وأمكنة ونماذج حضارية.
يسير الكاتب على الحافة أيضا من عدة أشكال كتابية، فالرواية تقع بين الواقعية الفنية والوقائعية، مستفيدا في ذلك من معلوماته الأساسية الحقيقية، حيث تدور أحداث الرواية حول شخصية المؤلف الحقيقية كصحفي يسافر إلى تركيا لإنجاز تقرير صحفي عن زيارة الناس لضريح جلال الدين الرومي في قونية، ورصد مشاهد عدة من هذا اليوم، ولكن الصحفي المكلف بإنجاز المهمة كان يشغله طوال الوقت مصير الفتاة "كيميا" ربيبة جلال الدين الرومي التي أهداها إلى شمس الدين التبريزي ليتزوجها، رغم حب ابنه (علاء الدين) لها.
لم تتوقف الرواية -التي سيتم مناقشتها السبت المقبل بمكتبة الإسكندرية، ضمن فعاليات معرض الإسكندرية الدولي للكتاب- عند التساؤل والبحث في التاريخ فقط، وإنما تتساءل أيضا عن موقع الإسلام من الحضارة الإنسانية بشكل عام، غير معترفة بفكرة النموذج الواحد، فاتحة أفق التنوع، ومبرزة ضرورة عدم الاستلام لفكرة زاوية النظر الواحدة، حتى وإن كانت تخص أمورا استقرت في وعينا وبلغت حد التواتر، من خلال إشارات تشكيلية ولغوية كالمقارنة بين نوعين من الشجر العربي ينتميان إلى بيئتين ثقافيتين مختلفتين، مقارنا بين نموذج التدين الجامد والنموذج القائم على الاستجابة لحركة الحياة وتطوراتها.
يكمل الكاتب، الحاصل على جائزة ساويرس، التمسك بآليات الكتابة القائمة على هدم الحدود أو تمويهها بين الأحناس الأدبية، فنجد في الرواية حضورا للرواية التاريخية، بينما الأحداث تلتصق بكثير من آليات الرواية النفسية، في إطار به من ملامح أدب الرحلة وكتابة اليوميات، غير مستغن عن حميمية كتابة السيرة الذاتية.
ولعله في ذلك يكمل ما بدأه في روايته الأولى "ابن القبطية"، والتي استفاد فيها من طاقة اللغة الشعرية، وغلبة الاعتناء بالطابع البصري التشكيلي على المشاهد التي جاءت مفعمة بالألوان، والبحث في دلالات الرقص والحركة وغيرها.
تتخذ الرواية من هذا الحدث الرئيسي محور ارتكاز يطرح وليد علاء الدين أسئلته عن حدود الواقع والخيال، وعن مدى صدقية التاريخ، مناقشا آفة التقديس للأشخاص المشوب طوال الوقت بعدم المعرفة، معليا من قيمة (السؤال) عامة، ومساءلة تواريخنا الشخصية بشكل خاص، من خلال حالة المماهاة التي يحققها طوال الرواية بين شخصيته الحقيقية الباحثة المتسائلة وشخصية (علاء الدين) بن جلال الدين الرومي والذي كان دوما يغرد خارج السرب، ويقف على يسار على والده، متجرئا في طرح رؤيته المخالفة.
تتخذ الرواية في أحد وجوهها طابعا بحثيا استقصائيا، حيث تتوفر في الرواية على استحياء خطوات بحث علمي على خجل، لولا أن الخاتمة ونتائج البحث غير مدونة بشكل صريح، ولعل هذا هو أحد أهدافها، وهو التأسيس لفكرة (السؤال) كقيمة إنسانية مهمة.
تتنقل الرواية بين أحداث تسجيلية الطابع، تهتم بتوصيف الأماكن توصيفا حسيا تفصيليا، وترصد تجليات هذه الأماكن على البشر وتواريخها، وبين أحداث متخيلة بين حيزي الحلم والواقع، مفرقا بين (الواقعي) و(الحقيقي)، من خلال سياحة أدبية يحقق فيها الكاتب كثيرا من سمات أدب الرحلة.
وفي خطابها الثقافي، تحاول الرواية رصد المنجز الحضاري الإسلامي الحقيقي، وموقعها من خريطة الحضارة العالمية، محاولة صنع حالة من التصالح مع الحضارات والأديان السابقة، مسجلا اعتراضه على الممارسات التي قامت على نفي الآخر، أو طمس علاماته على الأرض، وأثره في التاريخ، مستعينا في ذلك بالحديث عن نموذج الإسلام العثماني، وما لحق بـ(كنيسة آيا صوفيا)، والتي تحولت فيما بعد إلى مسجد، ثم إلى متحف في عام 1935م، وكذلك الإضاءة على نموذج الإسلام ومنتجاته الحضارية في الشام.
الرواية صدرت مؤخرا عن دار الشروق، لمؤلفها زليد علاء الدين، وهو شاعر وكاتب وإعلامي مصري، وُلد عام 1973م، ونال عدة جوائز، منها: جائزة ساويرس لأفضل نص مسرحي عن مسرحية "72 ساعة عفو" 2015، وجائزة الشارقة للإبداع العربي عن مسرحية "العصفور" 2007، وفي القصة القصيرة حصل على جائزتي أدب الحرب المصرية/أخبار الأدب 1996، واتحاد كتاب وأدباء الإمارات 1997.
صدر له: في الشعر: "تردني لغتي إليّ" 2004، نشر خاص. و"تفسّر أعضاءها للوقت" 2010 دار صفصافة بالقاهرة، وفي المسرح: "العصفور" 2006، دائرة الثقافة بالشارقة. و"72 ساعة عفو" 2015. و"مولانا المقدم" 2016 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفي أدب الرحلة: "خطوة باتساع الأزرق" 2006 عن المكتبة الوطنية بالجزائر ودارة السويدي بأبوظبي، و"الكتابة كمعادل للحياة" 2015 عن وزارة الثقافة بدولة الإمارت، وفي النقد الثقافي: ثلاثة أجزاء من سلسلة "واحد مصري"، ودار صفصافة بالقاهرة و"شجرة، وطن، دين" 2017 عن دار بتّانة بالقاهرة. و"اقتل الزومبي" 2019 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
aXA6IDMuMTQ1LjgxLjI1MiA= جزيرة ام اند امز