"قيام وانهيار الصاد شين".. رواية بطلها معمر القذافي
الروائي المصري حمدي أبوجليل الحاصل على جائزة نجيب محفوظ، يقدم الرئيس الليبي السابق نموذجا روائيا لأول مرة.
تقدم رواية "قيام وانهيار الصاد شين"، الرئيس الليبي السابق معمر القذافي كشخصية روائية مثيرة للغرابة، ويخلق مؤلفها الكاتب المصري حمدي أبوجليل أساطير جديدة للقذافي على معلومة شاعت عن وجود امتداد قبلي لعائلته في واحدة من قرى البدو في مدينة الفيوم (150 كيلومترا جنوبي القاهرة).
وانطلاقا من هذه الخلفية يعيش أبناء القبيلة على (نفوذ متخيل) في حياتهم اليومية التي لا تخلو من أنماط مختلفة من البؤس والعوز الاجتماعي تدفع بهم لسلسلة متواصلة من الهجرات للصحراء الملاصقة، ومنها ليبيا التي تشكل أرضا لجملة من المغامرات يقوم بها البطل القريب في حضوره من شخصيات "الشطار " في التراث العربي الذين يقومون بمغامرات عدة للتحايل على الفقر ومواجهة السلطة.
صدرت "الصاد شين" عن دار "ميريت" في القاهرة منذ أيام، ويشير مؤلفها إلى أن المقصود بالعنوان هو اختصار لبدو الصحراء الشرقية بالنسبة لليبيا، وهم بدو الصحراء الغربية بالنسبة لمصر.
ويؤكد أبوجليل في حديثه لـ"العين الإخبارية" أنه خلال سبعينيات القرن الماضي، وعلى إثر هجرات المصريين إلى الخليج وليبيا، كان انتماء المهاجرين من مصر إلى ليبيا يتيح لأبناء هذه القبيلة الحصول على بطاقة يتعاملون بها باعتبارهم ليبيين، بل ليبيين مميزين لأنهم أنساب معمر القذافي، الذي حرص المؤلف على تجنب التعامل معه كديكتاتور متخيل قائلا:
"لم أشأ تقديم القذافي في صورة الديكتاتور؛ لأنه في الواقع الذي عاشته ليبيا كان يتجاوز أي ديكتاتور آخر، ولذلك تجنبت التعاطي معه على النحو الذي تعامل به أدباء أمريكا اللاتينية مع حكامهم، ماريو فرجاس يوسا على سبيل المثال سعى لاختراع ديكتاتور، في حين لا يحتاج الكاتب العربي أكثر من النظر حوله".
ويضيف: "شخصيا فضلت النظر للأسطورة التي خلقها القذافي في الحياة اليومية لمجموعة حاولوا الاستفادة من فكرة الانتماء لقبيلته ولم يحققوا أي نفوذ أو مصالح مباشرة كتلك التي حصلت عليها الحاشية التي رافقته طوال سنوات حكم ليبيا" .
وسيرة القذافي كما تظهرها الرواية "سيرة متواترة وليست في نسيج النص، ومع ذلك تؤثر على مصائر الشخصيات التي تولعت بطريقته الشعبوية في الحكم".
ويتابع أبوجليل مؤكدا: "الواقع الذي لمسته في مناطق البدو الذين أنتمى إليهم، كان يشير إلى أن أهل (الصاد شين) كانوا مميزون بالفعل، مقارنة بغيرهم".
تقسم الرواية إلى فصول قصيرة، منها "واغش أفريقيا"، "التعريف الأصلي للصيد في بلاد الودن الطالعة من تحت الطقم"، "مزرعة الأرانب"، "الزوديك"، "مطعم الأومليت والبطاطس باللحمة"، "لمبادوزا"، "شيشيليا"، "المقطر"، "مجرودة التهريب"، و"بلبل الصحراء".
وتعتمد الرواية على تركيب سردي يجمع بين صيغ البحث والتوثيق والسرديات الشفاهية، وانتهت بالمؤلف لخلق "نبرة سردية" تعتمد على لغة الحياة اليومية في قرى البدو أكثر من اعتمادها على لغة فصيحة خالية من اللغة المحكية، وهذا الاختيار اللغوي مثّل تحديا في النص كما يؤكد صاحبه أبوجليل الذي يشير كذلك لغياب المسافة بينه وبين النص.
الكاتب هو الراوي وهو البطل الذي يحمل اسمه نفسه، ويقول أبوجليل: "كتبت الرواية في حوالي 5 مسودات وكل مرة كنت متشككا في قدرتي على بلوغ ما أردت من نبرة سرد تقارب الموضوع كما تخيلته وعشته في الواقع، وهو ما يعطي انطباعا لدى أغلب القراء أنها سيرة ذاتية لكنها ليست كذلك بالفعل".
ويضيف: "كان من السهل ترجمة الحوارات التي ترد بعامية بدوية إلى الفصحى كما يفعل بعض الكتاب سعيا وراء الجوائز، لكني حافظت على لغة النص لأنها تمثل الروح".
في مستوى آخر من الرواية ينتقل الراوي من تجربة العيش في ليبيا إلى الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا عبر البحر، ويظهر هذا الانتقال من طبيعة الحياة التي يعيشها المهاجرون السريون في مغامرة الهجرة والعيش المغامر الذي يصل بهم لارتكاب مختلف الجرائم بحثا عن فرص العيش الكريم.
وينفي أبوجليل أن يكون "الصاد شين" كتابا لليوميات التي ترصد واقع المهاجرين، ويصر على الطبيعة المتخيلة للعمل المكتوب بنبرة ساخرة لا تخلو من مفارقات فانتازية، ويشير إلى أن أبطال الرواية في تجاربهم القاسية مع الهجرة هم نماذج لكن يمكن من خلالها فهم الوعي الذي يحكم نظرتهم للغرب، فهم كما تشير كلمة الغلاف "يكتبون ملحمة الهاموش المشرقي على المستنقع الغربي".
حمدي أبوجليّل، كاتب مصري، ولد في الفيوم سنة 1967 من جذور بدوية ليبية، فازت روايته "الفاعل" بجائزة نجيب محفوظ 2008، وترجمها روبن موجر بعنوان "كلب بلا ذيل" (بالإنجليزية : A Dog with no Tail)، وصدرت الترجمة عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 2015، كما ترجمت روايته الأولى "لصوص متقاعدون" إلى عدة لغات، مارس الصحافة وكتب المقال الأدبي.
من أعماله الأدبية الأخرى "أسراب النمل (مجموعة قصصية، 1997): وهي مجموعته القصصية الأولى، "أشياء مطوية بعناية فائقة" (مجموعة قصصية): فازت بجائزة الإبداع العربية سنة 2000، وأخيرا "القاهرة شوارع وحكايات" وصدر في عدة طبعات عن الهيئة العامة للكتاب في مصر.