"رائد الحداثة الروائية" هامسون.. أديب إنساني تأثر بهتلر!
هامسون يعتبره البعض صاحب "أول مانيفستو للحداثة الروائية"، بفضل أسلوب برز في روايته "الجوع"، والتي أصبحت ذائعة الصيت في العالم.
في مثل هذا اليوم من عام 1895، ولد الروائي والشاعر النرويجي كنوت هامسون، الذي عاش حتى سنة 1952 ونال جائزة "نوبل للآداب" في 1920.
ويعتبره البعض صاحب "أول مانيفستو للحداثة الروائية"، بفضل أسلوب برز في روايته "الجوع"، والتي أصبحت ذائعة الصيت في العالم، وغمرت شهرتها حضور بقية أعمال هامسون الروائية وأبرزها "بينوني وثمار الأرض"، وثلاثيّة "تحت نجمة الخريف"، "المتشرّد والعازف"، و"البهجة الأخيرة"، إلى جانب ديوانيْ الشعر "الجوقة المتوحشة" و"الأناشيد البريّة".
وجاءت المفارقة الأساسية التي ضاعفت من شهرة هامسون، من المسافة التي كانت تفصل بين انحيازاته السياسية والفكرية ومواقف أبطاله، فبينما تكشف رواية "الجوع" عن حسّ إنساني بالغ، عبر تضامنها مع حالة البطل الذي يعاني من الجوع، كانت مواقف هامسون السياسية تمضي في اتجاه آخر، إذ بالغ في تعاطفه مع النازية، رغم تعرُّض بلاده للاحتلال الألماني.
كما التقى الكاتب النرويجي قيادات الحزب النازي، ومن بينهم هتلر نفسه، وكتب عام 1940 مقالاً بعنوان “الألمان يقاتلون من أجلنا”.
واستمر في دفاعه عن أدولف هتلر حتى بعد انتحاره، حيث وصفه بـ"المحارب من أجل البشرية، وواعظ إنجيل العدالة والمبشر به لجميع الأمم".
وقال هامسون: "إن هتلر هو المتحرِّر من جميع الأمراض التي جلبتها الحضارة المادية.. والنازية تعدّ الخلاص الروحي لأزمة الفرد في المجتمع الاستهلاكي المضاد للإنسان والطبيعة".
ويرى النقاد في أعمال هامسون تأثراً دائماً بأفكار الفيلسوف الألماني نيتشه، وتحديداً فلسفة "القوة الإنسانية"، و"الأنا العليا".
وبسبب مواقفه هذه، قُدِّم هامسون إلى المحاكمة عقب سقوط هتلر ونهاية الحرب العالمية الثانية، وحُكِم عليه بالإعدام، ولكن الحكم لم ينفّذ نتيجة انطلاق حملة مضادة تبناها أدباء مشهورون أمثال وفوكنر، وسارتر، وهيمنجواي الذي اعتبر صاحب "جوع" معلمه الأول وكتب ذات مرة "علمني هامسون الكتابة".
وعلى إثر هذا التضامن تم تخفيف الحكم وإخضاع هامسون للعلاج النفسي، حيث ادّعى محاميه أن موكّله مصاب بخرف الشيخوخة، غير أن هامسون قام بتأليف كتاب جديد عنوانه "تحت الدهاليز".
والمؤكد اليوم أن رواية "الجوع" التي كُتِبت عام 1889 تعدّ واحدةً من أهم كلاسيكيات الأدب الأوروبي المعاصر، وبفضلها احتل هامسون مكانة مرموقة بين الروائيين الكبار، الذين صاغوا مخيلة الحداثة الأوروبية.
ونافس الأديب النرويجي عمالقة الأدب الروسي، الذي كان حينها في أكثر عهوده ازدهاراً، كما أسس هامسون ما يسمى "تيار الوعي"، وتجلى ذلك في كتابات جيمس جويس، ثم فرجينيا وولف التي تراهن بشكل رئيسي على الجانب النفسي.
وأشار النقاد إلى أن كنوت هامسون استلهم أحداث روايته من خبرة شخصية مباشرة مر بها في حياته الخاصة، إذ عانى الجوع بعد انتقاله إلى العيش في العاصمة النرويجية أوسلو، كما تعرّض في سنواته الأولى لظروف اجتماعية قاسية.
كان الابن الرابع لأسرة فقيرة تشمل 7 أطفال، وانتقل في الـ3 من عمره مع عائلته إلى الدائرة القطبية الشمالية، قبل أن يصبح برفقة عمه في سنّ الـ9، والذي عامل هامسون بقسوة، من خلال الضرب والتجويع.
دفعته قسوة عمه إلى الهرب والعمل صانعَ أحذية ثم حمّال حجارة، وسافر لاحقاً إلى أمريكا واشتغل بالقطارات، فقد كان يعمل في أي مكان وأي مجال يوفر له لقمة العيش، ولكنه لا يفوّت فرصة الكتابة كلما جاءه الإلهام.
ويحمل بطل رواية "الجوع" اسم تانجن، وهو صحفي
يعيش من مهنة الكتابة حسب الطلب، ولم يلتحق بأي مؤسسة، وتسرد الرواية مختلف أشكال المعاناة التي تتوقف مع صعوده هرباً من الجوع إلى واحدة من السفن التي تستعد للرحيل عن المدينة.
وبفضل أسلوبها السردي المتميز أصبحت "الجوع" نموذجاً راقياً وممتعاً للرواية النفسية، كما مثلت نقطة انطلاق لخلق الرواية العجائبية التي نجحت بتأكيد حضورها خلال النصف الثاني من القرن الـ20.
ومن ناحية أخرى وجدت الرواية اهتماماً نقدياً لافتاً واكب صعود منهج الواقعية الاشتراكية، بفضل المدّ الذي مهّد لوقوع الثورة "البلشفية" عام 1917.
وأعادت دار "المدى" نشْر "الجوع" ضمن سلسلة روايات "نوبل"، كما نُشرت ترجمة للرواية مرتين عام 2010 عن دار "ميريت" بتوقيع رندة حكيم وشيرين عبدالوهاب، ومرة أخرى سنة 2013 عن دار "الحكايات للطباعة والنشر"، وأنجزها إدوار أبوحمرا، مع ترجمة المصري الشرقاوي حافظ أيضاً.
aXA6IDE4LjExOC4xNDAuNzgg جزيرة ام اند امز