الروائي العراقي أحمد خلف لـ"العين الإخبارية": أدافع عن حقيقة تضيع بين سنابك الخيل
الروائي العراقي أحمد خلف في حوار خاص مع "العين الإخبارية" يتحدث عن أوضاع العراق والعراقيين وأثر الاحتلال وعلاقة الكاتب بشخوص روايته
يؤكد الروائي والقاص العراقي أحمد خلف أن المثقف العربي يحلم أن تُعطى له الحرية الكافية "لا أن ينتزعها" من جهات تنظر إلى مهمة المثقف وإلى الثقافة أساسا كسلعة بائرة ومهنة غير جديرة بالاهتمام وأن المثقف ما هو إلا عنصر عاطل ناقم.
ويشير خلف في حواره مع "العين الإخبارية" إلى أن طموح المبدع والأديب والكاتب والمثقف العربي والعراقي في مقدمة المشهد يتلخص في حصوله على نسبة معقولة من حرية التعبير.
وخلف أحد أبرز الكتاب العراقيين المعاصرين، تعرف في العام 1961 على الشاعر الكبير مظفر النواب، وهو الذي وجهه نحو الكتابة والأدب، وقد تنبأ له بمكانة في هذا الميدان، عمل في مجلة الأقلام عام 1985، وفي عام 1969 ظهرت قصته الشهيرة "خوذة لرجل نصف ميت" في مجلة الآداب البيروتية، وقد حظيت باهتمام النقد الأدبي، وعام 1974 صدر كتابه الأول "نزهة في شوارع مهجورة" وتوالت بعدها أعماله الإبداعية حيث صدرت له في دمشق عن دار المدى رواية "حامل الهوى" عام 2005، و"محنة فينوس"في عام 2008، وانتخب رئيسا لنادي القصة في الاتحاد العام للأدباء والكتاب، وفي العام نفسه عقد ملتقى القصة القصيرة في العراق برئاسته، وفي عام 2010 تولي رئاسة تحرير مجلة الأديب العراقي الناطقة باسم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.
كان "ماركيز" يقول إنه لا يحتاج إلا إلى الجملة الأولى كي ينساب كل شيء، هل تشغل نفسك بالعثور على جملة أولى؟
يعتقد الكثير من المبدعين أن المفتتح له دور في تزكية النص، وهذا صحيح ولكن بماذا ينفع المفتتح إذا لم تكن لدى المبدع فكرة كاملة، بل ينبغي على الكاتب ألا يعتمد كليا على الاستهلال فقط، الأصح أن تعمل كل الأدوات مجتمعة لإنتاج النص، ويعتقد البعض أن التلقائية كافية وأنه حالما يستلم إشارة البداية تنطلق لديه سيول الكلمات، يمكن أن يستفيد الكاتب من العبارة الأولى عندما تكون لديه خطة واضحة المرمى.
كيف ترى المشهد الثقافي العراقي حالياً؟
يمكن إعطاء فكرة موضوعية عن حالة الثقافة العراقية، وهي بقدر تبدلها وعدم استقرارها على مرسى واحد إلا أنها تبدو في أحيان كثير سائرة إلى التحسن والتطور وظهور إيماءة جديدة في القصة والقصيدة والرواية والنقد، ناهيك عن دخول الثقافة العراقية في مناطق كانت من الممنوعات ومن المسكوت عنها، أنا أعتقد أن تخلص هذه الثقافة مما دخل عليها من لهجات ولغات تتسم بالأعجمية والرطانة الأدبية ونكران الهوية الوطنية، سوف تسترد الثقافة العراقية عافيتها.
كيف ترى العراق اليوم وماذا تقول للعراقيين؟ أو ماذا يقولون لك؟
أدعوك إلى أن تعطيني أنت صورة ولو شبحية للعراق, ثمة كثير من الأمور غيرّت العراق والعراقيين، لعل مرد ذلك هو الاحتلال وما حمله لنا من خراب وفوضى جعل من أبسط الأمور على العراقيين الهجرة إلى الخارج، حتى بات من لا يستطيع الهجرة يدفع الثمن من حياته التي ستصبح على حافة الموت أو النسيان. بالطبع لا يمكن تلخيص تجربة وحياة شعب يعاني من حكامه ومما تركه المحتل من أمراض.. فلا يمكن تلخيص ذلك ببضعة سطور أبدًا.
كيف واتتك فكرة آخر رواياتك "عن الأولين والآخرين" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب؟
أنا لست سياسيا ولست محترف سياسة كما هو حال الكثير من المبدعين العراقيين، لكن لا بد من اتخاذ موقف فكري وسياسي واجتماعي دفاعا عن الحقيقة التي تكاد تضيع بين سنابك الخيل المتصارعة على السلطة والمال من جهة، وبالقدر الذي يتم فيه نقد التجربة السابقة للسلطة، إذا لا مفر من نقد السلطة الحالية، ذلك ما احتوته روايتي: "عن الأولين والآخرين".. فقد حاولت إدانة الطغيان وكتم الأصوات والخوف من المجهول، تصدت الرواية إلى الروح الانهزامية في هذا العهد كما توجهت إلى نقد العناصر الفاسدة التي هي غاطسة في الأمية والجهالة والصراع على السلطة، لقد مهدت روايتي عن الأولين والآخرين نهجا يتسم بإيقاع الشعر أو هي عبارة عن قصيدة نثر التزمت وتيرة الرواية الحديثة التي تضع يدها على الواقع دون اللجوء إلى الرمز، وتهتم هذه الرواية بتحديد موقف الشخوص من السياسة والسلطة.
ومن أعطاني فكرتها أكيد هو الواقع المؤلم الذي يعانيه العراق وتحويل الناس هنا إلى قطيع لا يفعل سوى الاستهلاك اليومي لحياة عديمة النفع، السياسة من الروافد المهمة للحياة اليومية لكن لا توجد سياسة واضحة بعد احتلال البلاد من قبل الأمريكان، من الواضح أن الهدف العالمي هو تحويل العراق إلى بلد هامشي لا يجيد الدفاع عن نفسه، فكيف إذا فكر كما في السابق بالدفاع عن الحقوق العربية؟ هذا وسواه ركزت عليه رواية "عن الأولين والآخرين" بوضوح اللغة الواقعية.
كانت لك أيضا رواية مشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الأخيرة وهي "الذئاب على الأبواب".. ما موضوعها؟
رواية "الذئاب على الأبواب"، هي الامتحان المهم للكاتب، وهي ترجمة حقيقية لكل معاناته من خلال شخصية بطل الرواية يوسف النجار الذي وجد نفسه بين ليلة وضحاها متهما من أناس مجهولين يتابعون حياته وحركاته بل يرسلون له رسائل التهديد.
هل تتمتع شخصياتك الروائية برغبة التخلص من سلطة الكاتب الفكرية؟
تأكد لي مع مسيرتي في الكتابة أن درجة معينة من المساحة الحرة يتطلبها العمل الإبداعي, أي من الضروري أن يكون هناك مسافة معقولة بين المؤلف وبين شخوص رواياته، قد أشعر أحيانا أن ذاتي موجودة في رواية مقارنة برواية أخرى، وكما يقول فلوبير عن مدام بوفاري حين سأله أحد متابعيه عن ذات المؤلف بالنسبة لروايته, قال: أنا مدام بوفاري, أي أنه يجد نفسه ممثلا في كل شخوص الرواية حتى الصوت النسوي الذي هو بوفاري، لكن على الكاتب أن يضع مسافة معقولة أو مقبولة نقديا وجماليا بين أبطال الرواية وصانع الرواية أي مؤلفها.
في الحياة خسارات كثيرة.. هل تعوضنا الكتابة بعض خسائرنا؟
كلا.. الحياة وحدها قائمة بذاتها لا بديل لها، لكن الكتابة لها قوانينها الواضحة والصريحة في أنها تجعل من الحياة العسيرة ممكنة العيش، والكثير من الكتاب يتناغمون مع حياتهم لأن الكتابة مهدت الطريق أمامهم لكي يصبحوا عشاقا لحياتهم، ورغم المعاناة إلا أنهم يدركون أنها حياة واحدة يعوضها أي بديل آخر.
هل أثر العمل الصحفي في النص الروائي والأدبي عند أحمد خلف؟
بالمناسبة.. أنا لم أعمل في الصحافة اليومية، بل عملت في الصحافة الأدبية، وكانت مجلة الأقلام هي العرين والمأوى لتجاربي بعد عملي في التلفزيون العراقي قبل الاحتلال بالطبع, لذلك لم يكن للصحافة اليومية من تأثير على ما أنتجته من نصوص في مجال القصة والرواية, وكانت فضيلة مجلة الأقلام علي هي إمكانية التعرف على الكتّاب العراقيين ومن ثم العرب الذين كانوا يزورون المجلة نتيجة علاقاتهم الطيبة مع كتاب ومحرري المجلات العراقية التي كانوا ينشرون فيها, وهذا بدوره قصّر المسافة بين العديد من كتاب العربية الذين كانوا في زيارات شبه دائمة لبغداد.
هل تتعبك الكتابة؟ هل هي فعلاً كما يصفها البعض كجلد الذات؟
الكتابة كعملية إبداع وتجلٍ سيكولوجي هي في جوهرها تعبير عن معاناة الكاتب ومجتمعه, ومن ثم هي موقف ينبغي التعبير عنه بكل صراحة التي تصل في بعض الأحيان إلى شجاعة في زمن تختفي فيه شجاعة الكتاب المطلوبة.. وفي الكتابة الإبداعية تحديدا اكتشف كم أنا قريب من الناس الذين هم شعبي, ليس في العراق فقط بل في عموم الوطن العربي, ذلك أني أطمح للوصول إلى أبعد مدينة أو قصبة في هذه الرقعة المباركة التي تسمى الوطن العربي.
aXA6IDE4LjIyMS41OS4xMjEg جزيرة ام اند امز