الروائي الأردني جلال برجس: لا أؤمن بالإلهام.. والكتابة صنعة
الروائي الأردني جلال برجس يؤكد أن العمل بدأب ومثابرة على النص الأدبي، فضلا عن التمتع بخبرات حياتية كافية هو ما يكفي لكتابة الرواية.
قال الروائي الأردني جلال برجس إن الجوائز الأدبية خلقت حالة في الوسط الأدبي العربي، مؤكدا أنها أسهمت في تسليط الضوء على أعمال أدبية فارقة، ومنحت كذلك عددا من الأدباء ما يستحقون من مكانة وتقدير، بسبب كتاباتهم المهمة واللافتة.
وأكد برجس، في حواره مع "العين الإخبارية"، أنه لا يؤمن بالإلهام في عملية الكتابة، موضحا أن الكتابة بالنسبة له صنعة، في حين تحتل الموهبة 10% فقط من عملية الكتابة، لافتا إلى أن العمل بدأب ومثابرة على النص الأدبي، فضلًا عن التمتع بخبرات حياتية كافية، هو ما يكفي لعمل رواية، مشددا على أن الانتظار حتى يتدفق سيل الإلهام أمر لا يعترف به.. وإلى نص الحوار:
- فقدت مخطوط روايتك "سيدات الحواس الخمس" عام 2013، لماذا لم تعد كتابتها مباشرة وانتظرت 5 سنوات؟
عندما انتهيت من كتابة رواية "سيدات الحواس الخمس" في عام 2013، اختفى مخطوط الرواية من اللاب توب الخاص بي، أصابني الإحباط وقتها، وتألمت لضياع الرواية التي كنت قد أنهيتها تماما، فقدت أعصابي لضياع هذا العالم الذي عشت معه لسنوات، حاولت أكثر من مرة أن أعيد كتابة الرواية لكني لم أستطع.
ذات يوم، وبينما كنت أسير في الشارع، رأيت رجلا مشوه الخلقة، يتسول، مشرد كما ينبغي أن يكون، ولشدة تشوه وجهه يخشاه الناس ولا يقتربون منه، لكني اقتربت، وأردت أن أرى ما وراء هذا الوجه المشوه، في ذلك اليوم اشتريت وجبتي طعام وذهبت إليه، تحدثت كثيرا، بينما هو ينظر إليّ بعين واحدة بعد أن طمرت النار العين الأخرى، لم ينطق بكلمة، تركته ولكني عدت إليه مرة أخرى، وتكررت اللقاءات، كنت أبحث عنه في المدينة، في الخرائب، وراء الأشجار، أبحث عنه في كل مكان حتى أجده، وداخلي شعور خفي أني أريد شيئا ما منه لكني لا أعرفه، صرنا صديقين. وفي إحدى الليالي، كنت أفكر في روايتي المفقودة، وفي صديقي الجديد الذي لا أعرفه، وقتها خطر في بالي أن أكتب رواية عن روائي فقد روايته ويدخل في رحلة بحث عنها، وموضوع الرواية هو هذا الشخص الغريب الذي صار صديقي.
دخلت مكتبي وبدأت أكتب ما يشبه المخطط، واستمرت الكتابة منذ منتصف الليل حتى الصباح، شعرت وقتها بأن ما أريد كتابته جاهز، وينتظر مني فقط إشارة البدء، ثم كانت رواية "أفاعي النار".
- هل استمرت اللقاءات بعد صدور الرواية؟
ذهبت إليه بعد أن صدرت الرواية وأعجبت الناس، قلت له ذلك، وفوجئت به، وأتمنى أن تصدقني، يعانقني، على الرغم من أنني أعتقد أنه بنسبة كبيرة جدا لم يفهم كلامي، ولم يعرف أنه هو من ألهمني بروايتي، لكنه شعر بأنني لا أريد منه شيئا، لا أريد أن أؤذيه، أنا شخص يأتي له بالطعام، ويقضي معه أوقاتا يحكي كثيرا ولا يزعجه.
- هل لا يزال حيا؟
دهمته سيارة ومات، يوم أن عرفت الخبر كتبت على حسابي بفيسبوك: "الآن مات علي بن محمود القصاد" وهو بطل روايتي "أفاعي النار". لم أكن أعرف اسم صديقي الغريب، لكني سميته علياً، هذه أنقى علاقة صداقة في حياتي.
- هل تؤمن بالإلهام في الكتابة؟
لست مؤمنا بالإلهام على الإطلاق، وأرى أن الكتابة 90% صنعة، و10% موهبة، فضلا عن الخبرات والتأملات والمشاهدات في الحياة.
- وماذا عن "سيدات الحواس الخمس"؟
في نهاية 2016، شعرت برغبة كبيرة في أن أعيد كتابتها، قلت لنفسي: "سأحاول، وإن لم أنجح سأتراجع عن كتابتها مرة أخرى"، ولكني نجحت، واستمرت عملية الكتابة لفترة دون انقطاع. ثم صدرت في 2018.
- وما الفارق بين المحاولتين؟
شعرت بسعادة أنني فقدت مخطوط الرواية، لأنني حين أعدت الكتابة، فعلت ذلك بوعي أكبر، ونضج أوقع، وباتت الرواية أكثر قوة بعد أن أضفت إليها الكثير.
- تكتب الشعر والقصة إلى جانب الرواية.. هل الفكرة هي التي تختار قالبها الفني الأكثر تعبيرا عنها أم أنت؟
في بعض الأوقات تجد أن فكرة معينة لن تنجح إلا بالقصة القصيرة، وأحيانا الرواية، وفي أحيان أخرى تحدد أنت ككاتب أنك تريد أن تكتب رواية مثلا عن حكاية فلان، وفي كل الأحوال، الفن أمر ممتع بغض النظر عن القوالب الأدبية.
- فزت بجوائز أدبية كثيرة، ووصلت روايتك "سيدات الحواس الخمس" للقائمة الطويلة في جائزة البوكر العربية هذا العام.. هل ترى أن تأثير الجوائز الأدبية يمكن اختزاله في المردود المادي فقط؟
بالطبع المقابل المالي مطلوب، وفي العالم العربي لا يملك الأديب رفاهية أن يعيش من كتبه، ولكن للحقيقة، فالجوائز الأدبية لعبت دورا كبيرا في تسليط الضوء على أسماء أدبية بارزة وموهوبة وكذلك على أعمال مهمة، كما خلقت نوعا من التواصل بين الكاتب والقارئ، وباتت هناك حالة من المتابعة والترقب لما تسفر عنه قوائم الجوائز، وهذا كله يصب في مصلحة الأدب والكتابة والرواية بشكل عام.
aXA6IDMuMTQzLjIzLjM4IA== جزيرة ام اند امز