صور الأدباء الشخصية.. بوابة للروايات قبل قراءتها
المدوّن الأدبي، داستن إلينجورث يرى أن طريقة التصوير والنظرة والملابس التي يرتديها مؤلفو الكتب تؤثر في درجات استقبال أعمالهم الإبداعية.
يرى الصحفي والمدوّن الأدبي، داستن إلينجورث، في مقال نشره موقع "LITERARY HUB" أن طريقة التصوير والنظرة والملابس التي يرتديها مؤلفو الكتب تؤثر في درجات استقبال أعمالهم الإبداعية، وتؤدي دوراً كبيراً في رسم مستقبل هذه الأعمال تجارياً.
وقال إلينجورث: "عندما نلقي نظرة على الصور المتبقية لكبار الكتاب والأدباء، أتساءل إلى أي مدى يتأثر حدس القارئ وخياله بها، بما تتضمنه من دراما متأصلة في الوجه البشري، تستطيع أن تقدم نوعاً من الإمكانيات السردية، التي يمكن الاعتماد عليها قبل قراءة صفحة واحدة من الكتاب".
ومن المفارقات التي يلفت النظر إليها، أن الصورة الأكثر شهرةً للكاتبة فيرجينا وولف (1882-1941) التي تم التقاطها بعدسة المصور جورج بيريسفورد، عام 1902، أي قبل أن تكتب فيرجينا أشهر أعمالها أو بمعنى آخر قبل أن تصبح الكاتبة الأيقونة "وولف".
فعندما التُقِطت تلك الصورة كانت فيرجينا ستيفن تبلغ من العمر 21 عاماً، وظهرت فتاة أنيقة وجميلة، ولطالما كانت هذه الصورة تدهش القراء بشكل خاص، إذ بدت فيرجينا من خلالها وكأنها بعيدة المنال، تطوي داخلها الكثير، مقارنة بما تُطلِع عليه القراء.
وكانت عيناها، كما يصف إلينجورث، منحدرة إلى أسفل، منسجمة مع إيقاعات العالم غير المرئي، واليوم عندما نعيد قراءة رواياتها لا شيء يطفو على الذهن إلا هذه الصورة.
وأضاف المدوّن إلينجورث، "أن العيون المتوجهة ووضع اليد والابتسامة المجمدة، في هذه الملامح، قصة يمكنها التخفيف من ثقل أذهاننا، أو تمنحنا صدى يبقى معنا قبل أن نبدأ القراءة أو فور الانتهاء منها، أو ما يمكن أن نطلق عليه محادثة بين الصورة والنص، ولا عجب في ذلك خاصة إذ عرفنا أن ثقافتنا بصرية بالأساس.
النموذج الثاني الذي يستدعيه داستن هو الكاتب الألماني الشهير فرانز كافكا، وصورته الأكثر انتشاراً، التي التُقِطت قبل وفاته بشهور نتيجة مرض السل الذي عانى منه سنوات طويلة.
وحسب رأيه تكشف الصورة النقاب عن شخصية زاهدة، ومتألمة ألماً لا يطاق، وبفضل هذه الملامح حمل وجه كافكا علامات بطل قصة كافكاوية تشير إلى الكآبة والكابوس أو بمعنى آخر مأساوية.
وفي نظرته نجد صورة الفنان الجائع الذي يشبه الحشرة في رواية "التحول" التي كتبها كافكا، أو صورة سيريالية لطبيب الريف المحبط، ورغم ذلك نجد أيضاً التحدي والقدرة على مواجهة القارئ فور الانتهاء من الرواية، بما تمتئلي به من غموض وألغاز، وهي الصفات الذي تتميّز بها شخصيته.
أما سليفيا بلاث، الشاعرة الشهيرة التي عُرِفت بصورة تنظر فيها إلينا، وكأنها ترانا من خلال ظلام متلالئ، وعلى وجهها ابتسامة غامضة، فلا تستغرب من صورتها فور التعرُّف إلى أشعارها التي تعد نسيجاً متنوعاً من الجنس والموت، وفي النهاية يتضح أن أكثر إنتاجها الأدبي كان يعبر عن معاناة الفتكك النفسي.
وجه "بلاث" كما نراه يظهر مظللاً، حيث يعكس هذا الانقسام الجمال والغموض، وهما كذلك السماتان الغالبتان على أعمالها.
من ناحية أخرى، قال داستن: "إن صور الكتاب قد لا تتناسب أو تختلف تماماً عما يكتبونه، أو ما نسمعه عنهم أو ما نقرأه لهم، ويضرب مثالاً على ذلك، صورة الكاتب ويليام بوروز.
وأفاد: "عندما قرأت له رواية (الغذاء العاري) و(جانكي) في سنوات المراهقة، لا أعرف ماذا كنت أتوقع، ربما شاباً أنيقاً ورومانسياً على غرار شخصيات بوسوفكي، ولكن عندما رأيت صورته وجدت رجلاً طويلاً نحيلاً يرتدي ملابس رديئة مهملة، وجسده هزيلاً.. اعتقدتُ أن هناك خطأ ما".
أما الكاتب الأسطوري جان بول سارتر، فيعتقد المدوّن الأدبي داستن إلينجورث أن وجهه "كان قبيحاً لكنه يخطف الأنفاس بأعماله، وقصة شعره، فضلاً عن عينه اليمنى التي لا تدور بقدر ما تهرب من وجهه.. هذا الجسد يتناقض تماماً مع الجمال المطروح في أعماله الأدبية".
وبسبب القبح، عندما وجده الكاتب الشهير البير كامي يجلس في أحد المطاعم الباريسية بصحبة فتاة، مرتديا ًنظارة سميكة، سأله لماذا هو على هذا الحال؟ فرد سارتر: "هل لاحظت قبل ذلك ما هو مدوّن على هذا الكوب".
وعلى النقيض من سارتر، ذكر داستن: "كانت صور ألبير كامي آية من الجمال، جاذبة وساحرة، فكان مثالاً للأناقة الأدبية، صورته التي يرتدى فيها معطفاً ويضع سيجارته الفرنسية، جعلته بحق جميس دين الوجودية، ومع هذا فإن الأناقة لم تكن في صالحه طوال الوقت".
وأوضح الناقد الأدبي الأسترالي، كلايف جميس أن "الرأي الشائع بكون عقل كامو لم يكن معقداً للغاية سببه اهتمامه بمظهره، وعلاقاته النسائية المتعددة وجائزة "نوبل"، والشهرة الكبيرة التي حققها في حياته".
نُفِيَ كامو من موطنه الجزائر، وعاش العزلة التي تظهر جلياً في صورته ونظرة عينه الحزينة، ما جعله أكثر وسامة، إذ قالت عنه سوزان سونتاج: "لا يوجد كاتب حديث أتذكره يثير لدي رغبة الحب مثل كامو".
وفي التقرير الذي نشره الموقع "LITERARY HUB" تمثل إيميلي ديكنسون حالة مثيرة للاهتمام، ضمن قائمة الكتاب الذين يمكن أن تعيد العلاقة مع قراءاتهم بعد رؤية صورهم.
كان يُعتَقد أن الصورة الوحيدة لها التُقِطت عام 1847، وهي في سنّ المراهقة، تظهِر وجهها ذي اللون الأبيض العظمي الذي يشبه مصباحا أُنِير على خلفية رمادية.
واعتُبِرت هذه الصورة الدليل المرئي على وجودها لسنوات، قبل أن تظهر صورة أخرى لها سنة 2013.. تبدو فيها ديكنسون امرأة بالغة في العشرينيات.
الفارق بين الصورتين لافت للنظر، ففي الجديدة تظهر قوة وصفاء ليس لهما مثيل، إذ أوضح داستن: "قاومتُ الصورة الجديدة عندما رأيتها أول مرة، لسبب لم يكن مفهوماً لي في ذاك الوقت.. وبالرجوع إلى الوراء، أظن أنني كنت مرتبطاً بصورة معينة وتمثيل معين نتيجة كتاباتها".
وأضاف: "تحققتُ بعد ذلك كيف كان ذلك الإحساس طفولياً وغير عادل، ويبدو أنني لم أكن أستطع مساعدة نفسي".
وتابع داستن قائلاً: "حُكمُنا على صور الأدباء قد يبدو صارماً نسبياً، وغير قابل للتغيير.. أدركت لاحقاً ألا وجود لشيء سلبي حول الصورة الفوتوغراقية لكتاّبنا المفضلين".
وفي ختام التقرير يطرح داستن سؤالاً حول كيفية الاستمرار في مقاومة صور مبدعينا المفضلين، وارتباطها بالنصوص الأدبية؟ مثلما قال الخطيب الروماني شيشرون: "إن الوجه هو صورة العقل".
ولكن عند صياغة علاقتنا الخاصة بأعمالهم تارة وبصورهم مرة أخرى، تغرينا هذه الصور في إعادة تشكيل روابطنا بهم، وربما هو ما يعتبر تعريفاً جيداً للقراءة أو ما يُسمّى "التلاعب المتبادل".