مجلة "الأزمنة الحديثة".. الإنترنت يخنق "روح سارتر" للأبد
مجلة "الأزمنة الحديثة" تؤرخ التاريخ الفرنسي، وتدون الحاضر، وتسمح لقرائها بتحمل مسؤولية المستقبل، فهي مجلة سياسية، أدبية، فلسفية.
"لوتون مودرن" أو "الأزمنة الحديثة" بالعربية هي إحدى أعرق وأشهر المجلات في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، أسسها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر والأديبة سيمون دو بوفوار عام 1945، عن دار النشر "جاليمار".
اختار سارتر ودو بوفوار "الأزمنة الحديثة" عنوانا للمجلة تعبيرا عن إرادتهما في التدخل بمجريات الأحداث، وتعد المجلة هي الأكبر التي ظهرت بعد الحرب العالمية.
أرخت المجلة التاريخ الفرنسي، ودونت الحاضر، وسمحت لقرائها بتحمل مسؤولياتهم نحو المستقبل، فهي مجلة سياسية، أدبية، فلسفية، رغم رفض الكاتب الفرنسي الشهير ألبير كامو وأندريه مالرو المشاركة في تأسيسها لأسباب مختلفة.
دار النشر "جاليمار" قررت إغلاق المجلة، وأعلنت ذلك في مقال على موقع "لوموند" الفرنسية، موضحين أنهم سيكتفون بإصدار إلكتروني يحتفظ بروح المجلة، مع إصدار 3 أعداد سنوية ورقية.
- الفيلسوف ابن خلدون.. من غياهب السجن إلى قاضي قضاة مصر
- مشروع كلمة يصدر ترجمة "بطن باريس" للفرنسي إميل زولا
وللمجلة تاريخ ثري في أكثر من حقل، فكانت على سبيل المثال بين عامي 1945-1950، على صلة بالحزب الشيوعي الفرنسي، وخلال تلك الفترة تأرجحت بين النقد المهذب ومواكبة الأحداث السياسية.
بعد وفاة سيمون دو بوفوار عام 1986، تولى كلود لانزمان إدارتها حتى وفاته عام 2018، وهو من غيَّر في روح وهيكل المجلة.
ظلت المجلة تحتفظ بصورتها الأصلية وروح الالتزام والمسؤولية التي أرساها سارتر في الأدب الملتزم، وكانت تجذب قطاعا كبيرا من القراء في الخمسينيات حتى وصل توزيعها إلى 20 ألف نسخة، وفقاً لصحيفة "لوموند" الفرنسية.
لكن هذا التوازن بين التوجه السياسي والأدب لم يدم طويلاً، ففي منتصف الستينيات ساندت المجلة "مناضلو جبهة التحرير الوطني" في الجزائر، واستنكرت أعمال التعذيب ما أدَّى إلى إخضاعها للرقابة.
في عام 1967 أصدرت المجلة عدداً خاصا عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ الأمر الذي تسبب في ضجة لاقتحام الثقافة للأزمات السياسية، وكانت المرة الأولى التي يدرك فيها المجتمع الفرنسي القضية الفلسطينية.
وتغيرت دار النشر المالكة للمجلة مرات عدة، فكانت دار جاليمار خلال الفترة من 1945 إلى ديسمبر/كانون الأول 1948، وجوليارد من يناير/كانون الثاني عام 1949 إلى سبتمبر/أيلول 1965، و"بريس أوجوردوي" في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 1965 إلى مارس/آذار 1985، ثم عادت إلى دار جاليمار منذ 1985 .
كانت هذه المجلة حجر الأساس للحياة الفكرية في القرن الـ20 وموسوعة القرن الـ21 كمساحة للنقاش وتبادل الآراء، مع الحرية الأيديولوجية التي تميزها.
وتعرضت المجلة لعديد من المشكلات، بعد تعيين لانزمان الذي تولى خلافة سيمون دو بوفوار، حيث توجهت السياسة التحريرية إلى إثارة الدهشة، والتناقضات لزعزعة الفكر.
وبعد بضعة أشهر من وفاة ليزمان قررت دار النشر بشكل مفاجئ وقف الإصدار لعجزها عن مواكبة الواقع للصحافة الثقافية الورقية.
ورغم تبرير رؤساء دار النشر "جاليمار" لخطوة إغلاق المجلة، من خلال مقال على موقع "لوموند" الفرنسية، لكن تبريرهم لم يكن مقنعا، وتساءل الجميع عن مدى استمرارية المشروع بعد قرار دار النشر بوقف الإصدار الورقي، والاكتفاء بإصدار إلكتروني يحتفظ بروح المجلة، مع إصدار 3 أعداد سنوية ورقية.