ملحمة التأسيس ومن ثم التوحيد، تبقى في حد ذاتها أعظم إنجاز تحقق للعرب والمسلمين، بل للعالم أجمع في العصر الحديث.
ليس ثمة شك أن لكل أمة من الأمم أياما خاصة، تحن إليها، وتخصها بكثير من التقدير والعناية والاهتمام، ومظاهر البهجة والفرح والسرور، وتحرص على الاحتفاظ بذكراها العطرة في ركن قصي من ذاكرتها الدائمة، حتى لا تصل إليها يد النسيان أبد الأزمان.
وليس ثمة شك أيضا أن أخلد تلك الأيام في ذاكرة الأمم والشعوب، هي تلك التي تكون أعمقها أثرا وأعظمها نفعا، مثلما أن أنفع الأعمال للإنسان هي تلك التي تكون أكثرها أثرا في ترسيخ الشعور بما ينبغي على هذه الأمة أو تلك انتهاجه عبر مسيرتها القاصدة، لتنمي آثاره الخالدة التي يكون بقاؤها رهينا ببقاء الأمة وحياة شعبها، لكي تبقى حية سعيدة، وتظل جذوة نهضتها متقدة إلى الأبد.
واليوم، إذ يحتفل السعوديون كلهم، نساء، رجالا، شبابا وأطفالا في سائر ربوع هذا الوطن الحبيب، بالذكرى التسعين ليومهم الوطني المجيد الخالد في وجدانهم، يستذكرون بمزيد من الشكر والتقدير والعرفان والامتنان، مؤسس دولتهم الشامخة الفتية، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، طيب الله ثراه، وجزاه عنا خير الجزاء؛ تقديرا لما بذله من جهد وتضحيات، و عرف به من صدق وإخلاص ونكران ذات، في سبيل تأسيس هذا الكيان العظيم، الذي ليس مثله اليوم في الدنيا وطن، ومن ثم توحيده ليمتد من الخليج العربي شرقا حتى الحجاز غربا، ومن حدود اليمن جنوبا حتى حدود الشام شمالا؛ ولم شتاته في كيان واحد متحد على قلب رجل واحد، واضعا بذلك حدا لما عاشته جزيرة العرب في السابق من فوضى وفقر وجهل، وخصام وتناحر واقتتال.
فكل من طالع تاريخنا المجيد، يدرك جيدا أن جزيرة العرب كانت قبل ظهور صقر الجزيرة وتأسيس هذه البلاد الطيبة المباركة وتوحيدها، أشبه ما تكون بحالة الجاهلية الأولى، من حيث انتشار الجهل، واستحكام العداوة والحقد الدفين، وانعدام الأمن، مما جعل رحلة الحج مخاطرة بالحياة، لدرجة أن كل وافد إلى بيت الله من داخل الجزيرة أو خارجها، كان يكتب وصيته، ويودع أهله وداع مفارق .. حتى إذا قيض الله للأمة البطل الفذ الملك عبد العزيز آل سعود، سيد أترابه، وحيد زمانه، تقدم رجاله، وحمل الجميع روحه في كفه لتأسيس بلادنا وتوحيدها، ومن ثم أعلن أن كتاب الله العزيز الحميد، و سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم دستورا لها، وأعد أبناءه الكرام وهيأ شعبه الوفي المخلص لتبقى مسيرة الخير القاصدة سائرة إلى الأبد، لأنها دولة رسالة سامية عظيمة.
وهكذا أصبحت بلادنا اليوم بفضل الله سبحانه وتعالى وتوفيقه، ثم بجهد المؤسس ورجاله الأوفياء، وأبنائه البررة الذين تعاقبوا على حمل الراية من بعده مع شعبهم الوفي، وساروا جميعا على قلب رجل واحد على خطى عبد العزيز في الجد والعمل والإنجاز والإبداع.. أقول: حتى أصبحت بلادنا اليوم شامة بين الأمم، تشد إليها الرحال من أصقاع الدنيا كلها لمعالجة أزمات العالم الاقتصادية ومعضلاته السياسية، مثلما يفد إليها الحجاج والمعتمرون والزوار من كل فج عميق، بعد أن بسط فيها عبد العزيز الأمن الوارف الظلال، فأصبح الراكب من اليمن إلى الشام، لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه.
وصحيح: ما تحقق اليوم لهذه البلاد من إنجازات مدهشة، شيء يفوق الخيال ويجل عن الوصف، إلا أن ملحمة التأسيس ومن ثم التوحيد، تبقى في حد ذاتها أعظم إنجاز تحقق للعرب والمسلمين، بل للعالم أجمع في العصر الحديث.
وقطعا، سوف تظل بلادنا التي يحمل رايتها اليوم خادم الحرمين الشريفين، سيدي الوالد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، يشد عضده ويؤازره أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي عهدنا الأمين القوي برب العالمين، واحة أمن، ورسول سلام، ويد خير طولى ممتدة للعالم أجمع إلى الأبد.
ولأن المجال لا يتسع لمزيد من الاسترسال، أختم مقالي المقتضب هذا بثلاثة أبيات من قصيدة بائية طويلة بعنوان (هو العيد إن أضحى على الناس موسم)، للشاعر الفحل أحمد إبراهيم الغزاوي، الذي عر ف بـ (شاعر الملك عبد العزيز)، مخاطبا المؤسس، مشيدا بإنجازاته العظيمة الفريدة النادرة:
بك ابتهج الإسلام واختالت العرب
وصافحك الإخلاص والنصح والحب
وأنت الذي شيدت للعرب دولة
هي الحلم المنشود والمطمح الوثب
وزانت بك الدنيا وصح اعتلالها
و عز بك التوحيد والتأم الشعب
فكل عام وقيادتنا الرشيدة بخير، وبلادنا الغالية العزيزة بخير، وشعبها الوفي المخلص بخير وأمن وأمان واطمئنان ورخاء وسلام.. وسارعي إلى المجد والعلياء دوما يا بلادي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة