الكل يعرف الآن أن قطر آثرت أن تمضي في مؤامرتها على نفسها قُدما فسعت إلى بناء تحالفات مضادة، أقل ما يمكن قوله فيها إنها تحالفات عدوانية.
المؤامرة التي تنكشف، لا تعود مؤامرة. ليس لأنها تُصبح مشاعا، فيتداولها ويعرف تفاصيلها كل الناس، بل لأن المستور من أهدافها لا يعود قابلا للتحقيق، بحكم عوامل المنع والصد التي تنشأ لتعترضها.
الاستمرار في مؤامرة مكشوفة يظل أمرا ممكنا على أي حال، ولكنه يتطلب عدة أشياء متلازمة: الأول، أن تكون قادرا على مضاعفة التمويل. والثاني، أن تكون مستعدا لتلقي العواقب. والثالث، أن تكون ذا "رأس ناشف". وهذا غالبا ما يقلب السحر على الساحر، فتتحول من مؤامرة على الغير إلى مؤامرة على الذات.
منذ انكشاف تسجيلات "الحمدين" مع العقيد معمر القذافي، والمؤامرة القطرية لتمزيق الدول العربية وتفتيت مجتمعاتها، عن طريق تغذية وتمويل منظمات الإسلام السياسي، الإخوانية منها والصفوية، والمؤامرة القطرية انتهت إلى مؤامرة على النفس، وذلك بمجرد أن تغلب "الرأس الناشف" على المنطق الذي كان يملي عليها التراجع.
وفي الواقع، فقد كان انسحاب الحمدين، ولو الشكلي، من السلطة، والتعهدات التي قطعها الأمير الجديد الشيخ تميم بن حمد في اتفاق الرياض "2013"واتفاق آليته التنفيذية "2014" واتفاق الرياض التكميلي "2014"، محاولة للتراجع والاعتذار عما حصل. ووجدت الدول العربية المعنية أن الصفحة يمكن أن تنطوي، قبل أن تعود لتكتشف أن "المؤامرة" – الفضيحة ظلت قائمة، وأن التراجعات وتوقيع تلك الاتفاقات كان مجرد لعبة خداع هزيلة، غير مفهومة المعاني.
السر وراء انقلاب قطر على نفسها لا يزال موضع تقديرات متفاوتة، فالمرء لا يعتذر عن جريمة ثم يعود فيرتكب أسوأ منها، من دون دافع مضاد. وفي الحال، فإنه يمكن تبني افتراضات كثيرة حول ذلك، ولكن بمقدار ما يتعلق الأمر بالنتيجة، فإنها كشفت عن ضرر لم يُصب أحدا أكثر مما أصاب قطر نفسها.
المقاطعة العربية وحدها جعلت قطر تدفع ثمنا باهظا من العزلة عن الأشقاء الخليجيين، ومن العواقب الاقتصادية المباشرة.
الكل يعرف الآن أن قطر آثرت أن تمضي في مؤامرتها على نفسها قُدما، فسعت إلى بناء تحالفات مضادة، أقل ما يمكن قوله فيها إنها تحالفات عدوانية، مع دولتين إقليميتين هما إيران وتركيا لا تخفيان مطامعهما، كما لا تخفيان جرائمهما أصلا. وهما بقيتا تستعينان بعصابات ومليشيات ومرتزقة ومنظمات إرهاب، لكي تعملا كل من اتجاه، على تدمير الدول التي وقعت تحت سيطرتهما.
والواقع، بكل ما انطوى عليه من عواقب كارثية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، يكشف حجم الجريمة التي تعرضت لها هذه البلدان، ونحن هنا إنما نتحدث عن شعوب دفعت الملايين، ثم الملايين من أبنائها ثمن تلك الجريمة. وهو أمر يغذي الآن الدعوات من أجل محاكمة قطر، على ما موّلت به تنظيمات الجريمة، وذلك بالمقدار نفسه لمحاكمة نظام الولي الفقيه في إيران، ونظام السلطان العثماني الجديد في تركيا.
الشيء الساطع في هذا كله، هو أن قطر حملت وزرا ما كان يجدر بها أن تضعه على أكتافها من الأساس، وعندما يكون الوزر هو عذابات الملايين من البشر الذين حرموا من حياتهم أو من أرزاقهم أو من منازلهم، فلا تدري أي جحيم يمكنه أن يتسع لمن يحمله في الدنيا والآخرة.
وثمة من الجرائم، ما قد لا تتسع له مغفرة أيضا. الإصرار وحده على مواصلة الجريمة، يكفي دليلا على أن العقاب لا بد أن يأتي ليذيق المجرمين بما عملوا.
ولقد أنفقت قطر ما يقرب من 100 مليار دولار حتى الآن على تمويل تنظيمات الإرهاب وتسليحها في سوريا وليبيا والعراق، وبينما حصلت إيران على عوائد تزيد على 20 مليار دولار بين نقد وتجارة، فقد حصلت تركيا على مساعدات تزيد على 30 مليار دولار، الجزء الأعظم منها نقدا.
الغالبية العظمى من المواطنين القطريين يدركون حجم الكارثة التي يصنعها المال الذي تنفقه سلطتهم للاستمرار في تنفيذ تلك المؤامرات.
إنهم يدركون أن النظام القطري لن ينجو من عواقب المساءلة عما فعل. كما أنه لن ينجو من المحاكمة، عندما تتكشف كل الحقائق، وعندما يتقدم الضحايا للكشف عما وقع لهم من أضرار وآلام ومصائب.
سوف يكتشف القطريون أن مؤامرة قطر الكبرى، التي جمعت كل المؤامرات، صغيرها وكبيرها، إنما كانت ضد قطر، أكثر مما كانت ضد أي أحد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة