"وعد بلفور أمريكي".. طوق نجاة كردستان من تهديدات خصومه
إقليم كردستان يستقوي في مضيه في الانفصال بالتعاون القوي بينه وبين الدول الرافضة للاستفتاء بتاريخه في الحرب على صدام حسين وداعش.
ضجيج من التصريحات والتهديدات التي تلوح بعمل عسكري ضد إقليم كردستان الذي يصر على المضي قدما في إجراءات الانفصال عن العراق يعكس اعتماده على تضارب وتناقص المصالح بين الدول الرافضة للاستفتاء.
لم يعلن الإقليم عن إجراءات واضحة تتبع الاستفتاء على الانفصال والذي جرى في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول الجاري وجاء بالموافقة على الانفصال بنسبة بلغت 92 بالمائة؛ تاركا ربما المجال مفتوحا أمام إمكانية التفاوض مع الحكومة المركزية في بغداد.
ويرجح متابعون أن تنصب المفاوضات المحتملة بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم بشكل أساسي على النفط والمناطق المتنازع عليها والمعابر الحدودية والمطارات والتعاون العسكري وغيرها.
تركيا استبقت الاستفتاء بمناورات عسكرية مع الجيش العراقي على الحدود قرب كردستان، فيما أعلنت إيران إرسال معدات صاروخية إلى الحدود.. فما هي خيارات حكومة إقليم كردستان أمام الإجراءات الإقليمة والدولية التي كان من بينها رفض مجلس الأمن الدولي لهذا الاستفتاء قبل إجرائه.
محللون توقعوا في تصريحات لـ"بوابة العين الإخبارية" استمرار إصرار كردستان على الانفصال رغم هذه التحركات، متقويا كذلك بالولايات المتحدة، ووعود ربما تكون سرية بدعم واشنطن للأكراد تعود إلى فترة التعاون بينهما خلال الحرب على العراق لإسقاط الرئيس الراحل صدام حسين.
وكذلك يتقوى الإقليم بالتعاون المشترك بينه وبين كل من الولايات المتحدة وتركيا وإيران فيما يوصف بالحرب على الإرهاب.
وفي ذلك قال طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن الحكومة العراقية قد تتعامل مع الاستفتاء في النهاية كأمر واقع، خاصة أنه من المحتمل أن تدخل أربيل في مفاوضات مع بغداد لحسم القضايا الخلافية، مثل مصير المناطق المتنازع عليها، وخاصة كركوك، وتوزيع الثروات والموانئ والمطارات.
ومتفقا معه، قال مختار غباشي، مستشار ونائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الحوار أفضل السبل لحسم النزاع بين أربيل وكردستان.
ومن أشد نقاط النزاع بين الجانبين ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها؛ حيث يرى كل منهما أنها ضمن حدوده- مثل كركوك (الغنية بالنفط) وبعض الأقضية والمناطق بمحافظات: نينوي وديالي وصلاح الدين.
كما تختلف أربيل وبغداد حول توزيع الثروات؛ خاصة الثروات النفطية.
وعد بلفور
توقع الأكاديمي والباحث السياسي طارق فهمي أن يستمر العراق وإيران وتركيا في رفض نتيجة الاستفتاء، وفرض مزيد من إجراءات المقاطعة على الإقليم، غير أنه توقع أن ذلك لن يثني كردستان عن محاولاته الانفصالية.
وبدأت بالفعل تلك الدول إجراءات اقتصادية شديدة ضد كردستان، منها وقف التعامل النفطي معه، ووقف الرحلات الجوية، ومطالبته بتسليم المعابر الحدودية؛ ما سيشكل ضربة اقتصادية شديدة له.
وعن موقف إقليم كردستان إزاء ذلك توقع فهمي أن تمضي حكومة كردستان بخطي ثابتة في تعزيز انفصال الإقليم عن بغداد، معتمدا على "وعد بلفور أمريكي" للأكراد؛ أي التعويل على القوي الكبرى وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية التي طالبت أربيل بتأجيل الاستفتاء قبل إجرائه وليس بإلغائه.
ويستقوى الأكراد في ذلك بدعمهم للولايات المتحدة فيما يسمى بالحرب على تنظيم داعش سواء في العراق أو سوريا، إضافة إلى تأييدهم للولايات المتحدة في قيامها بإسقاط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين 2003.
وبالتعويل على الموقف الأمريكي، استبعد فهمي اتجاه أنقرة وطهران إلى التدخل العسكري في أربيل، موضحا أن الجانبين قد يتعرضان لضغوط من واشنطن للحيلولة دون ذلك.
ثقة كردية
التعويل على القوي الكبرى يبدو أنه ما استند إليه رئيس حكومة إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، حين قال إنه "على يقين من أنه في حال إجراء استفتاء الاستقلال، فلن يشنَّ أي جيش هجوماً على إقليم كردستان".
وأضاف البارزاني في مقابلة صحفية قبل الاستفتاء متسائلاً: "تهديد عسكري ضد ماذا؟ هل هو ضد الاستفتاء؟ أنا لا أتوقع ذلك بأي شكل من الأشكال، حتى لو قاموا بأعمال أخرى كما يصرحون دائماً، ولكن الخيار العسكري مُحال".
وأرجع ذلك إلى أن "هناك مصالح استراتيجية لجيران كردستان في المنطقة، لذلك لن يكون الخيار العسكري مطروحاً كتعبير عن رفض الاستفتاء".
وتستند تصريحات البارزاني بخصوص المصالح الاستراتيجية على حجم التبادل التجاري الذي يبلغ مليارات الدولارات سنويا بين الإقليم وتركيا، ومرور النفط من الإقليم إلى تركيا، والبنوك التركية العاملة بكردستان.
وسبق لتركيا وإيران التعاون مع إقليم كردستان في تنفيذ عمليات عسكرية ضد خصوم مشتركين، خاصة تحت لافتة محاربة الإرهاب، وساعدت البلدان في تدريب القوات الكردية "البيشمركة".
موقف رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني بدا أنه يعكس قوة رغم إعلانه الاستعداد للتفاوض، فهو يعتمد على تناقض مصالح قوى الجوار، ويسيطر بالفعل على مناطق واسعة من الحدود، ويتلقى دعما دوليا واسعا، رغم المعارضة الشكلية.
كما يبدو أن إقليم كردستان يستقوى بهذا الأمر في إعلان رفضه طلب العراق وتركيا وإيران، الجمعة، تسليم المعابر الحدودية للحكومة المركزية في بغداد، وفق ما نشره موقع تلفزيون "رووداو" الذي يبث من كردستان.
وفي هذا الاتجاه اعتبر الباحث محمد عبد القادر، مدير برنامج تركيا والمشرق العربي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، أن انفصال الأكراد في النهاية مشروع أمريكي منذ عام 2003، وكل التصريحات الأمريكية الصادرة في هذا الشأن تتحدث عن أن الوقت غير مناسب فقط.
لكن مختار غباشي، مستشار ونائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية اختلف مع من يستبعد نشوب مواجهة عسكرية بين تركيا وإيران من جهة وكردستان من جهة أخرى.
وأوضح غباشي أن تلك المواجهة ستعتمد على كيفية تعاطي أربيل وبغداد، فإذا عجز الطرفان عن التوصل إلى حلول لحسم القضايا الخلافية العالقة بينهما، فسيعزز ذلك احتمالية السيناريو العسكري، خاصة إذا اختارت بغداد الخيار المسلح.