محللون لـ"بوابة العين": تهديدات التدخل ضد كردستان غير واقعية
الحكومة العراقية وإيران وتركيا صعدت تهديداتها بشن عمل عسكري ضد إقليم كردستان، ولكن الأخير يستغل التناقضات الدولية لصالحه
عقب إجراء إقليم كردستان استفتاء الانفصال عن العراق تصاعدت التوقعات بتدخل عسكري عراقي وإقليمي لردعه، غير أن العلاقات المتشابكة والمصالح المتناقضة بين أطراف الأزمة قد تحول دون تنفيذها.
- استفتاء كردستان.. شريان جديد لتدخل إيران في جسد العراق
- تركيا وكردستان العراق.. استفتاء أعاد تاريخ العداء
ففي أحاديث مع "بوابة العين" الإخبارية اعتبر خبراء ومحللون سياسيون أن تلويح كل من حكومة العراق وتركيا وإيران بعمل عسكري ضد كردستان سيظل مجرد تهديد يفتقد للحسم والتنفيذ، على الأقل في الوقت الراهن.
وأرجعوا ذلك إلى المصاعب والتحديات الداخلية والإقليمية التي يواجهها جميع الأطراف، غير أن الأمر قد لا يخلو من صدامات مسلحة في مناطق متنازع عليها بين كردستان والجيش العراقي ومليشيات موالية لإيران في العراق.
الصدام العسكري مستبعد
يقول الباحث محمد عبد القادر، مدير برنامج تركيا والمشرق العربي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، إن التلويح باستخدام القوة يأتي في إطار التهديد المستمر، والذي يأخذ أشكالا متنوعة مثل المناورات العسكرية المشتركة، أو تحركات حدودية على استحياء، لكن الصدام العسكري يظل مستبعدا في الوقت الراهن، خاصة أن أجندة الأطراف الثلاثة مختلفة والمصالح غير متوافقة.
وكانت المدفعية التركية قد تمركزت بالقرب من إقليم كردستان لإجراء مناورات عسكرية في رسالة ضمنية قُصد منها الإيحاء بأن تركيا قد تتدخل عسكريا.
وأوضح عبد القادر أن تركيا لها مصالح حيوية وقوية مع هذا الإقليم من الصعب التخلي عنها، تتمثل في علاقات اقتصادية واسعة".
ولفت عبد القادر إلى نقطة تائهة وسط زحمة الأحداث، وهي أنه يمكن القول إن أنقرة هي من صنعت هذه الأزمة؛ فهي من دعمت الاستقلال الفعلي لإقليم كردستان وليس الرسمي.
ويدلل على ذلك بحجم التبادل التجاري الثنائي الذي يبلغ مليارات الدولارات سنويا، ومرور النفط من الإقليم إلى تركيا، والبنوك التركية العاملة بكردستان.
تهديدات حكومة العبادي
أما فيما يخص تهديد الحكومة العراقية للإقليم بالتدخل العسكري فإن الباحث المصري لفت إلى أن بغداد تعتمد على قوات الحشد الشعبي (المليشيا الموالية لإيران)، فيما الجيش العراقي منهك بسبب معاركه ضد الإرهاب.
تهديد العبادي بالتدخل العسكري، تعارض أيضا مع تصريحات وزير خارجيته إبراهيم الجعفري، والتي استبعد فيها إمكانية حدوث صدام مسلح، واعتبر أي اقتتال بين العراقيين خطا أحمر، لكنه في الوقت نفسه لم يتحدث عن البدائل المتاحة.
وكان البرلمان العراقي قد طالب، أمس الأربعاء، رئيس الوزراء حيدر العبادي بإرسال قوات إلى منطقة كركوك النفطية والسيطرة على حقول النفط هناك، حيث يهيمن الأكراد على كركوك منذ عام 2014.
كما أن موقف مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان، يعكس قوة رغم استعداده للتفاوض، فهو يعتمد على تناقض مصالح قوى الجوار، ويسيطر بالفعل على مناطق واسعة من الحدود، ويتلقى دعما دوليا واسعا، رغم المعارضة الشكلية.
واعتبر عبد القادر أن انفصال الأكراد في النهاية مشروع أمريكي منذ عام 2003، وكل التصريحات الأمريكية الصادرة في هذا الشأن تتحدث عن أن الوقت غير مناسب فقط.
من جانبه، يرى اللواء جمال مظلوم، الخبير العسكري، أن استخدام بغداد للقوة العسكرية ضد كردستان مرهون بدعم الدول المجاورة لها في هذا الاتجاه.
وفي ذلك أشار إلى أن الجيش العراقي خرج للتو من معركة تحرير الموصل ويواجه معارك قائمة لتطهير المناطق التي ما زال تنظيم داعش يسيطر عليها، وهو ما يجعل إقدامه على فتح جبهة جديدة مع قوات البشمركة الكردية أمرا يخضع لحسابات كثيرة.
لعبة التناقضات والمصالح
الدكتور سمير صالحة، الأكاديمي والكاتب التركي، يرى قرار رئيس إقليم كردستان العراق بالتوجه إلى الاستفتاء رغم كل المخاطر والتهديدات كشف النقاب عن تناقضات كثيرة في سياسات العديد من الدول وفي مقدمتها السياستان التركية والإيرانية.
ويوضح: "أنقرة راهنت في السنوات الأخيرة على الإمساك بورقة أربيل عبر التنسيق والتعاون وفتح الأبواب الاقتصادية والسياسية أمامها، وأربيل أيضا لم تتردد في تقديم خدمات مشابهة في إطار صفقات اقتصادية وسياسية وأمنية".
ونوه صالحة بأن "بارزاني قدم خدمة لأنقرة عبر قرار الاستفتاء وهو مصالحتها مع بغداد وتقاربها أكثر مع إيران، لكن هذا الحلف الثلاثي أيضا هو مؤقت وظرفي؛ لأن مصالح كل طرف تتعارض مع مصالح الطرفين الآخرين في أكثر من نقطة".
وهذا سبب آخر يجعل التدخل العسكري الواسع في الإقليم أمرا مستبعدا، على الأقل في الوقت الحالي.