كثيرة هي المناطق التي سيطرت عليها قوات سوريا الديقراطية حتى أنّها باتت تثالث الأرض مع القوات الحكومية وعناصر هيئة تحرير الشام
كثيرة هي المناطق التي سيطرت عليها قوات سوريا الديقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا حتى أنّها باتت تثالث الأرض مع القوات الحكومية، وعناصر هيئة تحرير الشام "النصرة سابقا" بعد انحسار رقعة الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش المتطرف إلى نحو ستة في المئة من إجمالي الأراضي السورية حسب ماذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان.
المراقب لما يحدث على الأرض السورية يدرك تماما أنّه لم تكن هناك مواجهة مباشرة ما بين القوات الحكومية وقوات سوريا الديمقراطية، لا بل ذهب الكثير من المحللين العسكريين إلى أنّه ثمة تحالف ما بين الطرفين وإنْ لم يكن بشكل علني، والسؤال هنا ماذا بعد طرد داعش وخلّو الساحة من العناصر المتطرفة باستثناء إدلب المسيطر عليها من عناصر "هيئة تحرير الشام- النصرة سابقا"؟
كيف سيبدو المشهد السوري الجديد؟ وما هو دور الأكراد فيه خصوصاً وأنّهم باتوا موجودين بفعل الدعم العسكري الأمريكي في المناطق التي تُعرف بـ سلة سورية الغذائية ومنابع النفط؟، أيُّ نقاط قوة يرتكز عليها هذا المكّون السوري لضمان استمراريته؟
مستقبل الكرد مرتهن بمصير الذراع العسكرية لهم، وهي قوات سوريا الديمقراطية التي تنتظرها ثلاثة سيناريوهات.
الأول: التوافق الدولي ما بين الولايات المتحدة وروسيا بحيث تواصل واشنطن مسيرة دعمها للأكراد ريثما يحصلون على حصتهم من التسوية السياسية المرتقبة التي لا تتعدى المشاركة بالحكومات المنوي تشكيلها، والسماح بتدريس اللغة الكردية كلغة ثانية بعد العربية، وهذا بالطبع لا يرضي الطموح الكردي، يعقب ذلك انخراط هذه القوات في مكّون عسكري جديد يشمل إلى جانب القوات الحكومية العناصر المعتدلة من فصائل الجيش الحر، يشار هنا إلى أنّ محاربة إسرائيل يجب ألا تكون من أوليات الحسم العسكري الجديد بناء على ضمانات تقدم للأخيرة من الروس والأمريكيين.
نستطيع القول إن ما لم يحصل عليه الأكراد في العراق، لن يُقدم لهم على طبق من ذهب في سوريا، وبالتالي ستبقى القضية الكردية رهن الاتفاقيات الدولية الكبرى وسلعة في البازار السياسي لهذ الدول، وهذا ما يبعّد أكثر حلم الأكراد بإدارة مناطقهم ذاتيا
السيناريو الثاني وهو الأقرب للواقعية: التضحية بهذه القوات من قبل الولايات المتحدة لصالح علاقاتها المستقبلية مع تركيا؛ بعد أن تنهي هذه القوات مهمتها بقتال تنظيم داعش المتطرف والطلب منها الانخراط بالتسوية السياسية، خصوصا وأنّه لا قواسم مشتركة بين الأكراد وواشنطن فيما يخصّ الانفصال أو ما يُطلق عليه الكرد إقليم "روج أفا"، وإلّا كانت الولايات المتحدة دعمت من هو أكثر جاهزية لهذا الأمر وهو إقليم كردستان العراق، إذ أعلنت موقفها بشكل علني أنها تعارض بشدة هذه الخطوة.
مؤلم هذا السيناريو للأكراد ولكنهم يعرفون في قرارة أنفسهم أنّ لا مستقبل مديد لعلاقتهم بالولايات المتحدة، وأنّ الطلاق حاصل عاجلاً أو أجلاً، خصوصا وأنّ الأدارة الأمريكية الجديدة ورثت ملفات معقدة عن سابقتها تجاه أنقرة بدءاً من اتهام الأخيرة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بدعم الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016، مروراً بمواصلة واشنطن احتضان الداعية التركي فتح الله غولن وعدم تسليمه للأتراك، وهذا ما يقود الولايات المتحدة للبحث عمن تضحي به لتحسين علاقاتها مع تركيا الدولة العضو في حلف النيتو.
العارف بطريقة تفكير الدولة الأكبر في العالم من حيث النفوذ العسكري والسياسي، يعلم أنّ قوات سوريا الديقراطية التي ترى فيها تركيا تهديداً مباشراً لأمنها القومي، هي من ستكون كبش الفداء لتحقيق خطوة واشنطن لإرضاء طموحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فهي الورقة الأقلّ ضرراً على واشنطن في حال فقدانها.
السيناريو الثالث: هو تخلي هذه القوات عن الدعم الأمريكي الباحث عن علاقات جيدة مع تركيا، والتنسيق المباشر مع قوات النظام وهذا ماستجد فيه دمشق فرصة للضغط أكثر على تركيا المتوغلة في الشمال السوري إدلب وجرابلس على وجه التحديد، ولكنّ السيناريو هذا لابدّ له من منّسق وراع لضمان استمراريته وتحقيقه على أرض الواقع، إيران هي من ستلعب هذا الدور بحثا عن حلفاء جدد لها على الأرض خصوصا بعد سبع سنوات من الحرب تكبّدت فيها طهران الكثير من الخسائر البشرية.
التحالف هذا إذا ما تم وأُنجِز سيكون ورقة ضغط جديدة بيد إيران لمتابعة مشاريعها المشبوة في المنطقة (إرجع إلى ماقام به قاسم سليماني في كركوك مؤخرا)، في النهاية نستطيع القول إن مالم يحصل عليه الأكراد في العراق، لن يُقدم لهم على طبق من ذهب في سوريا، وبالتالي ستبقى القضية الكردية رهن الاتفاقيات الدولية الكبرى وسلعة في البازار السياسي لهذ الدول، وهذا ما يبعّد أكثر حلم الأكراد بإدارة مناطقهم ذاتياً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة