كورسك الروسية.. هنا دارت أكبر معركة دبابات بالتاريخ وانهزم هتلر
لم تكتسب كورسك الروسية أهميتها في العصر الحديث فقط، بل تحكي سيرتها قصة أكبر معركة دبابات في التاريخ.
وفي السادس من أغسطس/آب الجاري، خطفت مقاطعة كورسك أنظار العالم، وهي تتعرض لتوغل أوكراني، وصفه مؤرخون بأنه أكبر هجوم لجيش أجنبي للأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن ما يجري في كورسك الآن حيث احتدام القتال بين القوات الأوكرانية والروسية، للأسبوع الثاني على التوالي، ليس بجديد على هذه المقاطعة الحدودية.
فكتب التاريخ تُخبر بمعركة أكبر دارت في كورسك. وهو ما طالعته "العين الإخبارية" في مواقع مختصة بالتوثيق، بينها موقع "ذا هيستوري" الأمريكي.
ويقال إن كورسك شهدت أكبر معركة دبابات في التاريخ خلال الحرب العالمية الثانية، عندما أطلقت ألمانيا عملية "القلعة" ردا من أدولف هتلر على هزيمته المدمرة على يد الجيش الأحمر السوفياتي في ستالينجراد.
كانت المعركة التي دارت بين 5 يوليو/تموز و23 أغسطس/آب 1943، على سهول منطقة كورسك، آخر فرصة لألمانيا لاستعادة هيمنتها على الجبهة الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية وستكون هجومها الخاطف الأخير.
وعلى الرغم من الهجوم الكبير المخطط له على القوات السوفياتية باستخدام الدبابات الثقيلة والمدفعية والقوة الجوية، فإن تأجيلات هتلر أعطت السوفيات متسعا من الوقت للاستعداد للهجوم، لتفشل في النهاية خطة ألمانيا للقضاء على الجيش الأحمر مرة واحدة وإلى الأبد، ولكن ليس قبل أن يتكبد الجانبان خسائر فادحة.
تحشيدات ما قبل "القلعة"
حشدت ألمانيا أكثر من 500000 رجل، و10000 مدفع وقذيفة هاون، و2700 دبابة ومدفع هجومي، و2500 طائرة لشن هجوم على ثغرة كورسك والاستيلاء عليها.
لكن السوفيات كانوا يعرفون أن شيئا كبيرا كان يجري العمل عليه، فبدأت آليتهم الحربية في العمل بأقصى سرعة لإنتاج أفضل الدبابات والمدفعية والطائرات.
تخندق الجيش الأحمر وحشد ترسانة هائلة تضمنت ما يقرب من 1300000 رجل، وأكثر من 20000 مدفع وقذيفة هاون، و3600 دبابة، و2650 طائرة، وخمسة جيوش ميدانية احتياطية تضم نصف مليون رجل آخر، و1500 دبابة إضافية.
في شمال ثغرة كورسك كان الجيش التاسع الألماني، المكون من 3 فرق، بأكثر من 300000 رجل، وفي الجنوب تمركز جيش الدبابات الرابع، والذي كان يضم أيضا أكثر من 300000 رجل، وإلى الغرب كان الجيش الثاني لألمانيا والذي كان يضم حوالي 110000 عنصر.
بحلول الوقت الذي بدأت فيه عملية القلعة، كان كلا الجانبين مسلحين بكثافة، وذوي أعداد جيدة ومستعدين لإبادة الآخر على أمل تغيير مسار الحرب.
إرجاء معركة كورسك
كانت ألمانيا معروفة بتكتيكات الحرب الخاطفة، حيث خططت لهجمات خاطفة شمال وجنوب نتوء كورسك ثم قصدت الالتقاء في كورسك في منتصف النتوء.
على الرغم من تحذيرات بعض جنرالاته بالتخلي عن عملية القلعة بسبب التحصينات الكبيرة للجيش الأحمر، كان هتلر مصمما على المضي قدما، ولكن ليس على الفور.
كان تاريخ البدء الأصلي هو الثالث من مايو/أيار، لكن هتلر اختار الانتظار حتى يتحسن الطقس وتسليم دباباته الجديدة المتطورة من طراز بانثر وتايجر، على الرغم من أنها لم يتم اختبارها ميدانيا قط.
استغلت روسيا التأخير بشكل كامل من خلال تعزيز مناطقها الدفاعية حول كورسك والتي تضمنت مصائد الدبابات والأسلاك الشائكة ونحو مليون لغم مضاد للأفراد ومضاد للدبابات.
وبمساعدة المدنيين في كورسك، حفروا أيضا شبكة واسعة من الخنادق تمتد على الأقل 2500 ميل.
بدء عملية القلعة
في الساعات الأولى من صباح يوم 5 يوليو 1943، بين حقول القمح الصفراء التي كانت تحيط ببروز كورسك، كانت عملية القلعة جاهزة للانطلاق.
ولكن قبل أن تتمكن ألمانيا من الضرب، أطلق السوفيات قصفا على أمل استباق الهجوم الألماني. وقد أدى ذلك إلى تأخير الألمان لمدة ساعة ونصف تقريبا ولكنه لم يكن له تأثير كبير.
شن الألمان هجوما مدفعيا على الأجزاء الشمالية والجنوبية من البروز، تلا ذلك ضربات مشاة على الأرض بدعم من سلاح الجو الألماني. وفي وقت لاحق من ذلك الصباح، هاجم سلاح الجو السوفياتي المطارات الألمانية لكنه لم ينجح.
ومع ذلك، منعت الدفاعات الأرضية للجيش الأحمر الدبابات الألمانية من إحراز تقدم كبير في الشمال واختراق البروز المدرع بشدة. وبحلول 10 يوليو، أوقف السوفيات تقدم الجيش التاسع شمالاً.
معركة بروخوروفكا
في الجنوب، حقق الألمان نجاحا أكبر وشقوا طريقهم بإصرار إلى مستوطنة بروخوروفكا الصغيرة، على بعد حوالي 50 ميلا جنوب شرق كورسك.
وفي 12 يوليو، اشتبكت الدبابات والمدافع ذاتية الحركة التابعة لجيش الدبابات الخامس التابع للحرس الروسي مع الدبابات والمدافع المدفعية التابعة لفيلق الدبابات الثاني التابع لقوات الأمن الخاصة الألمانية.
تكبد الجيش الأحمر خسائر فادحة لكنه تمكن مع ذلك من منع الألمان من الاستيلاء على بروخوروفكا واختراق حزامهم الدفاعي الثالث، مما أنهى الهجوم الألماني فعليًا.
وغالبا ما يُشار إلى معركة بروخوروفكا بأنها أكبر معركة دبابات في التاريخ. ومع ذلك، يقول المؤرخون العسكريون الروس الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الأرشيفات السوفياتية التي تم فتحها مؤخرا إن العنوان ينتمي إلى معركة برودي غير المعروفة في الحرب العالمية الثانية، والتي وقعت في عام 1941.
انتهاء الهجوم الألماني
حاول الألمان شن هجوم صغير في الجنوب يُعرف باسم عملية "رولاند"، لكنهم لم يتمكنوا من اختراق قوة الجيش الأحمر وانسحبوا بعد بضعة أيام.
انتصر السوفيات بمعركة كورسك وأنهوا حلم هتلر بغزو روسيا.
لكن رغم انتصارهم في المعركة وتفوقهم على الألمان في العدد والتسليح، فقد تكبد السوفيات خسائر في الأرواح والعتاد.
وتقدر تقارير أن عدد الضحايا السوفيات بلغ 800 ألف مقارنة بنحو 200 ألف ضحية ألمانية، ويعتقد بعض المؤرخين أن هذه الأرقام أقل بكثير من الخسائر البشرية الفعلية.