الكويت صوب الطاقة المتجددة.. تحديات كبيرة وآفاق واعدة
لا تزال الانبعاثات ومتطلبات الطاقة لكل فرد في الكويت بين الأعلى في العالم، كما أن الكثافة الكربونية للاقتصاد لا تزال مستمرة في الارتفاع.
وتتباطأ اختيارات النقل العام القابلة للتطبيق بصورة ملحوظة عن الدول الأخرى، ويواجه نمو الطاقة المتجددة وضعا حرجا بسبب التحديات المؤسسية والتنظيمية.
وحسب معهد الكويت للأبحاث العلمية (KSIR) فإنه في الأوضاع غير المتغيرة والمستمرة، ستنخفض حصة النفط في إجمالي متطلبات الطاقة الأولية إلى 42% في عام 2035، مما سيؤدي إلى أن تقوم الحكومة بالضغط للتحول من استخدام النفط إلى استخدام الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة.
- بهذه الدول.. آسيا لاعب أساسي في سباق الطاقة المتجددة العالمي
- 13 مليون فرصة عمل.. الطاقة المتجددة سلاح في وجه البطالة
وتنمو متطلبات الغاز الطبيعي في الكويت بمعدل سريع بنسبة 2.2% سنويا في الفترة من 2015 – 2035، وسترتفع حصة الغاز من إجمالي الطلب على الطاقة إلى 55% في عام 2035.
وبالرغم من حدوث بعض التقدم في مجال دعم توليد الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية، إلا أنه في الأوضاع غير المتغيرة والمستمرة، ستبقى حصص الطاقة المتجددة في إجمالي الطلب على الطاقة منخفضة في عام 2035، بنسبة 3% فقط.
تحديات كبيرة
تلبّي من الطاقة المتجددة 1 بالمئة فقط من الطلب على الطاقة، أي أقل بكثير من 15 بالمئة التي حددها الكويتيون لعام 2030.
ارتفعت طاقة توليد الكهرباء في الكويت بمعدل 13.2 غيغاواط ، لتصل إلى 32 غيغاواط في عام 2035، أي أن هناك زيادة في طاقة الإنتاج بنسبة 70% عن عام 2018.
وسوف تعوض قدرة إنتاج الطاقة المتجددة – ومعظمها الطاقة الشمسية – بنسبة 16% من إجمالي قدرة توليد الطاقة، فيما يظل القطاع الصناعي مسؤولا عن الحصة الأكبر من الاستهلاك النهائي للطاقة في عام 2035 بنسبة 31% تقريبا.
وقد ازدادت انبعاثات غاز الدفيئة من 83 مليون طن من مكافيء ثاني أكسيد الكربون في عام 2015 إلى 103 ميغا طن من مكافيء ثاني أكسيد الكربون في عام 2035، بمعدل نمو سنوي بلغ 1.1%.
وأدى تحويل الوقود من منتجات النفط إلى الغاز الطبيعي في قطاعي توليد الطاقة وقطاع الصناعة إلى الزيادة بنسبة 35% في انبعاثات الغاز الطبيعي من 38.9 ميغا طن من مكافيء ثاني أكسيد الكربون في عام 2015 إلى 60.1 ميغا طن من مكافيء ثاني أكسيد الكربون في عام 2035.
وانخفضت انبعاثات المنتجات البترولية قليلا في الفترة من 2015-2035، وذلك بسبب الطلب المتنامي بصورة سريعة على منتجات النفط في قطاع النقل.
وكانت خطة الكويت إنشاء محطة الرياح طاقة أكثر بنسبة 20 بالمئة مما كان متوقعا في عامها الأول، لكنّ المشروع سرعان ما فقد الزخم، فاتجهت الى إنتاج الطاقة الحرارية الشمسية، وهي أغلى.
وتعزف الشركات النفطية العالمية عن الاستثمار في الطاقة النظيفة، ومن بين هذه الأسباب أن الطاقة النظيفة ليست مُربحة بنفس مستوى النفط والغاز، وبالتالي قد يكون من الصعب على الشركات النفطية تحقيق أرباح تنافسية في هذا القطاع، وكذلك قد تكون هناك تحديات تقنية معيّنة في مجال الطاقة النظيفة، مثل تخزين الطاقة وتوفيرها في الأوقات التي يكون الطلب عليها مرتفعًا.
ويقول الخبير والاستشاري النفطي، د. عبدالسميع بهبهاني إن منتجي النفط فعليا لا يغيرون خططهم بسرعة لتقليل الانبعاثات في خطة 2050 صافي انبعاثات صفرية.
ففي عام 2022، التزمت أكبر 6 شركات كبرى للطاقة في أوروبا من خلال إنتاج الوقود الأحفوري بي بي، إيني، توتال، وغيرها باستثمار بأقل من 25 بالمئة (النفقات الرأسمالية) إلى منخفض الكربون.
وأضاف أنه في الوقت ذاته لم تقم شركات الطاقة الأمريكية الكبرى (شيفرون وإكسون موبيل وكونوكو فيليبس) بأي استثمارات في مصادر الطاقة المتجددة خلال عام 2022.
ولفت الى أن الشركات الكبرى لا تزال تركز استثماراتها على الوقود الأحفوري، ولا تغيير في استراتيجيتها في التضارب مع توصيات علماء المناخ.
في السياق نفسه يؤكد الخبير النفطي كامل الحرمي على أن الجميع يعترف بضرورة التحول إلى الطاقة المتجددة الخضراء بأنواعها من الرياح والطاقة الشمسية، لافتا إلى أنه على الجميع أن يتفق ويرسم الآليات المطلوبة بدلا من تبادل الاتهامات.
لكنه يعتقد أن التحول السريع لن يكون ميسرا وسلسا، مشيرا إلى أنه قبل 5 سنوات كانت الاستثمارات متعادلة بين الأحفوري والطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، مؤكدا ضرورة الأخذ بعين الاعتبار إيجاد الحلول للمواد التي تدخل في تصنيع المركبات، والتي تأتي عن طريق النفط الأحفوري.
خطط طموحة
في مسعى لإنتاج طاقة نظيفة في الكويت تهدف إلى الحفاظ على سلامة البيئة من التلوث، تم الاستثمار وللمرة الأولى بما يفوق 1.7 تريليون دولار في الطاقة الشمسية المتجددة، مقارنة بتريليون دولار في الوقود الأحفوري، وفق تقارير وكالة الطاقة الدولية.
وتسعى في هذا الإطار إلى جعل ما لا يقل عن 15 في المئة من استهلاك شبكة الكهرباء الوطنية من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، بحسب وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة.
وتأتي جهود الكويت بشأن الطاقة المتجددة في ظل التحول المشهود على مستوى دول العالم لتطوير مصادر الطاقة النظيفة، وتكثيف العمل لتحقيق أهداف المناخ وخفض الانبعاثات الكربونية.
وبلغ إجمالي إصدارات السندات والصكوك الخضراء في الدول العربية المرتبطة بالأنشطة المستدامة بلغ 5.5 مليار دولار أمريكي في عام 2022.
وتمتلك الكويت مشروعات كبرى في مجال الكهرباء والطاقة المتجددة، تتبناها الدولة ويشارك فيها القطاع الخاص، وعلى الرغم من ذلك ما زال المتوقع أكبر بكثير، خاصة مع إعلان الدولة الخليجية النفطية تبنيها إستراتيجية لتحقيق الحياد الكربوني.
وقالت وكالة ستاندرد أند بورز إن الجهود الوطنية في الكويت تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون بنسبة %7.4 بحلول 2035، ولا هدف محدداً للطاقة المتجددة في الكويت، إلا أنها تسعى إلى زيادة حصتها من مزيج الطاقة مستقبلاً.
ولفتت الوكالة في تقرير سابق لها إلى أن الطاقة الشمسية مناسبة جداً لدول الخليج، إلا أن القدرات الحالية لتلك الطاقة لا تزال منخفضة مقارنة بمناطق اخرى من العالم، موضحة انه مع تقدم مشاريع الطاقة النظيفة في الخليج، فإن أسواق الرساميل ستستفيد لتمويلها في العقد الحالي.
وقال تقرير صادر عن شركة "انيرجي بورتال" إن الكويت، تعكف على العمل بجد لتنويع محفظتها من الطاقة والاستفادة من إمكاناتها الهائلة في قطاع الطاقة المتجددة، فيما وضعت الحكومة أهدافا طموحة لزيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج توليد الطاقة في البلاد، مما أدى إلى زيادة الاستثمارات والمشاريع الجديدة في مجال الطاقة المتجددة.
استثمرت الحكومة بكثافة في توسيع قدرتها على توليد الطاقة، مع التركيز بشكل خاص على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ففي عام 2016، أعلنت الحكومة عزمها توليد 15% من الكهرباء في البلاد من مصادر متجددة بحلول عام 2030، وقد حفز هذا الهدف الطموح موجة من النشاط في قطاع الطاقة المتجددة، مع تنفيذ العديد من المشاريع الكبيرة بالفعل.
ومن هذه المشاريع مجمع الشقايا للطاقة المتجددة، وهو منشأة لتوليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بطاقة 2000 ميغاواط قيد الإنشاء حاليا في المنطقة الشمالية الغربية من البلاد، وبمجرد الانتهاء من المشروع، من المتوقع أن يولد المجمع ما يكفي من الكهرباء لتزويد نحو 100 ألف منزل بالطاقة الكهربائية، مما يقلل بشكل كبير من اعتماد الكويت على الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة.
وهناك مشروع كبير آخر يجري العمل عليه في مضمار الطاقة المتجددة في الكويت هو مشروع مجمع العبدلية المتكامل للطاقة الشمسية والمقرر ان يعمل بنظام الدورة المشتركة، وسيصبح أول محطة للطاقة الشمسية على مستوى دورة المرافق في البلاد.
مكافحة تغير المناخ
يأتي تركيز الكويت على الطاقة المتجددة مدفوعا برغبتها في تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، بالإضافة إلى التزامها بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ومكافحة تغير المناخ.
وفي هذا السياق، أطلقت الحكومة العديد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز استخدام الألواح الشمسية على أسطح المباني وغيرها من تقنيات الطاقة المتجددة الصغيرة الحجم، في كل من المجمعات والوحدات السكنية والتجارية، وقد قوبلت هذه الجهود بحماس من الجمهور، مع حرص العديد من الكويتيين على تبني مصادر طاقة أنظف وأكثر استدامة.
وبصفتها أحد الأطراف الموقعة على اتفاقية باريس، تعهدت الكويت بخفض انبعاثاتها الكربونية بنسبة 30% بحلول عام 2030. ومن خلال الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة وتعزيز اعتماد مصادر الطاقة النظيفة، تخطو الدولة خطوات كبيرة نحو تحقيق هذا الهدف.
كما كان لنمو قطاع الطاقة المتجددة في الكويت تأثير إيجابي على اقتصاد البلاد، وساعد تطوير مشاريع جديدة على خلق العديد من فرص العمل للكويتيين، مع جذب الاستثمار والخبرة الأجنبية.
وعلاوة على ذلك، وعبر تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة، تحرر الكويت المزيد من احتياطياتها النفطية القيمة للتصدير، مما يولد إيرادات إضافية للبلاد.
وذكر تقرير "انيرجي بورتال" أن سوق الطاقة في الكويت يجتاز مرحلة تحول كبير حيث تتبنى الدولة الطاقة المتجددة وتسعى إلى تنويع مزيج توليد الطاقة لديها، ومع وجود أهداف طموحة ومجموعة من المشاريع واسعة النطاق قيد التنفيذ بالفعل، فإن الكويت في طريقها إلى أن تصبح رائدة إقليمية في مجال الطاقة المتجددة.
وفي ظل استمرار العالم في التحول نحو مصادر طاقة أنظف وأكثر استدامة، فإن جهود الكويت لتطوير قطاع الطاقة المتجددة ستكون بلا شك نموذجا للدول الأخرى في المنطقة وخارجها.