قنصلية العُيون.. "قفزة" لتعزيز العلاقات الإماراتية المغربية
احتفت الإمارات والمغرب بافتتاح قُنصلية بمدينة العيون، في خطوة أكد البلدان أنها تعزز العلاقات الثنائية العميقة وامتدادها التاريخي.
جاء ذلك خلال مُؤتمر صحفي عقد بمدينة العُيون في الأقاليم الجنوبية للمملكة، حضره وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، وشارك فيه الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، عبر مُداخلة مُسجلة.
وحضر المؤتمر أيضا سفير دولة الإمارات لدى الرباط العصري أحمد سعيد الظاهري، والقنصل الإماراتي بالعيون عيسى البلوشي.
وصبيحة اليوم، ترأس كُل من بوريطة، والسفير العصري أحمد سعيد الظاهري، والقنصل عيسى البلوشي، مرفوقين بمسؤولين مغاربة وإماراتيين، مراسم افتتاح قُنصلية أبوظبي في مدينة العيون، أعقبتها محادثات ثنائية بين الجانبين.
علاقات راسخة وشراكة استراتيجية
وفي كلمة مُسجلة بُثت بالمؤتمر الصحفي المُنعقد على هامش افتتاح القنصلية، وصف وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، الحدث بكونه "ترجمة لعلاقات راسخة وشراكة استراتيجية، واستكمال لمسيرة متألقة من وحدة المصير".
وقال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: "يسرني أن أعلن عن افتتاح قنصلية عامة لدولة الإمارات العربية المتحدة في العيون المغربية، في خطوة تعد ترجمة لعلاقات تاريخية راسخة وشراكة استراتيجية تقوم على أعلى المستويات".
واعتبر أن الخُطوة تستكمل مسيرة متألقة من وحدة المصير والتعاون المستمر حرصت على دعمها وتطويرها قيادتا البلدين، موضحاً أنها "ستكون دفعة كبيرة على مستوى العلاقة بين الإمارات والمغرب، في سبيل الارتقاء بها إلى آفاق أرحب".
وأكد بالمناسبة أن موقف الإمارات "ثابت في الوقوف مع المغرب الشقيق في قضاياه العادلة بالمحافل الدولية والإقليمية".
وثمن "الدور الرائد للعاهل الملك محمد السادس في مواصلة التنسيق والتشاور مع القيادة الإماراتية في كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ودعم الجهود الدولية لحل النزاعات والأزمات على المستويين الإقليمي والعالمي".
ظرفية رمزية
من جهته، اعتبر ناصر بوريطة أن الحدث يأتي في ظرفية تتسم بالكثير من الرمزية.
وأوضح، بالمؤتمر نفسه، أن ذلك يتمثل في "احتفال الشعب المغربي بالذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة لاسترجاع أقاليمنا الجنوبية".
فيما الحدث الثاني، يُضيف الوزير، هو "يوم العلم الذي تحتفل به الإمارات في الثالث من نوفمبر والذي يرمز للوحدة الوطنية والشعور بالانتماء للوطن وترسبخ للتلاحم بين أبنائه".
وفي هذه الظرفية المليئة بالرمزية، يتابع، يأتي هذا القرار السيادي للإمارات العربية المتحدة، ليؤكد بالملموس دعمها الموصول والثابث لمغربية الصحراء، ولوحدة المغرب الوطنية والترابية.
وأشار الوزير إلى أن هذه الخطوة الإماراتية لم تأت من فراغ أو بمحض الصدفة، وإنما هي "امتداد لعلاقات تاريخية وطيدة، اشترك في وضع أسسها الأولى، المغفور لهما جلالة الملك الحسن الثاني - طيب الله ثراه، والمشمول بعفو الله صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وذلك على امتداد أكثر من ثلاثة عقود".
وأضاف: "وبنفس الوفاء، يسهر وارثا سرهما صاحب الجلالة الملك محمد السادس وأخوه سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه الله على رعاية هذه العلاقات التاريخية، مستنيرين بما يربطهما شخصيا من وشائج المودة الراسخة والتفاهم المتين، والتضامن الموصول، وما يشد الأسرتين من أواصر الأخوة الصادقة والتلاحم الوثيق في السراء والضراء".
أهم الشركاء
ولفت الوزير المغربي إلى أن دولة الإمارات أضحت اليوم من أهم الشركاء الاقتصاديين للمملكة على المستوى العربي.
واعتبر أن ذلك يدل على الثقة المتبادلة بين البلدين الشقيقين، واهتمام الفاعلين الاقتصاديين بما يتيحه المغرب من فرص جذابة للاستثمار والأعمال، بفضل الرؤية الملكية الاستشرافية التي يجسدها النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية.
دلالات ودعم متبادل
وبحسب بوريطة، فإن هذه الخطوة التاريخية تحمل دلالات مُتعددة، إذ أنها تُعبر من الناحية السياسية عن موقف سيادي ثابث وموصول لدولة الإمارات في دعمها للوحدة الوطنية والترابية للمملكة.
في حين تُترجم، على المستوى القانوني، تراضي الدولتين لإرساء قناة للتواصل على التراب المغربي، لرعاية مصالح مواطنيها سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أم معنويين وتقديم المساعدة لهم عند الحاجة.
أما على المستوى الدبلوماسي، فتشكل القنصلية ـ وفق بوريطة ـ آلية لتعزيز علاقات التعاون الثنائية، وتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية"، ناهيك عن "إعطائها دفعة قوية للمستثمرين الإماراتيين، وهم كثر، والذين ما فتئوا يسألون عن فرص الاستثمار في الأقاليم الصحراوية المغربية سواء في مجال الطاقة المتجددة أو الزراعة أو الثروة السمية أو السياحية وغيرها.
بوريطة اعتبر أنه ليس غريبا أن تكون العلاقات المغربية الإماراتية اليوم في مستوى هذه الآصرة القوية من التضامن والتآزر التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوحد إرادتهما في صيانة سيادتهما واستقرارهما.
وشدد على أن هذه القوة يُترجمها الموقف المبدئي والموصول للإمارات في دعم الوحدة الوطنية والترابية للمملكة وسيادتها على صحرائها.
وتابع: "بنفس روح الأخوة والتضامن، كان المغرب وما زال بكل إصرار وحزم تحت قيادة الملك محمد السادس، ثابتاً في وقوفه إلى جانب دولة الإمارات ودعم حقها السيادي على جزرها الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وعلى مياهها الإقليمية ومجالها الجوي والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر الثلاث ».
وساق الوزير في هذا الصدد كلمة للعاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة القمة المغربية - الخليجية الأولى، المنعقدة بالعاصمة السعودية الرياض، في 16 أبريل نيسان 2016: "الدفاع عن أمننا ليس فقط واجبا مشتركاً، بل هو واحد لا يتجزأ، فالمغرب يعتبر دائما أمن واستقرار دول الخليج من أمن المغرب، ما يضركم يضرنا وما يمسنا يمسكم، وهو ما نحرص على تجسيده في كل الظروف والأحوال للتصدي لكل التهديدات التي تتعرض لها المنطقة".
وأكد الوزير أن "هذا الموقف المبدئي والتضامني نابع من الإيمان الصادق بأهمية المحافظة على الوحدة الترابية، والقناعة التامة بأن لا سبيل لنا لمواجهة التحديات إلا تقوية الصف، وتحقيق وحدة الكلمة والتغلب على دعاة وأسباب التفرقة والانفصال".
الإمارات والمسيرة الخضراء
وأردف: "لن ننسى نحن المغاربة تلك الصورة الصادقة والمعبرة عن هذا التضامن الفعلي والأخوة الحقة والشهامة العربية الأصيلة ،التي جعلت الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله ينتدب فلذة كبده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، وهو آنذاك ابن الأربعة عشر سنة للمشاركة في المسيرة الخضراء المظفرة ومقاسمة المغاربة فرحة معانقة رمال صحرائهم وصلة الرحم مع أهلهم واسترجاع أقاليمهم الصحراوية العزيزة".
وبقمة الرياض، أعاد الملك محمد السادس إلى ذهن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ذكريات مُشاركته في المسيرة الخضراء، وهي المسيرة السلمية التي دعا إليها الراحل الحسن الثاني حينما كان ملكاً للمغرب آنذاك، بغرض تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني.
هذا الشاب الذي شارك وهو طفل في واحدة من أهم المحطات التاريخية في للمملكة المغربية، زفّ للعاهل المغربي، في اتصال هاتفي، الشهر المُنصرم، خبر عزم الإمارات فتح قُنصلية لها بمدينة العيون، وهي الخطوة التي وصفتها المملكة بـ"التاريخية".
وفي كلمته بالقمة المغربية الخليجية بالرباط، قال الملك محمد السادس "في سنة 1975، شاركت في المسيرة الخضراء لاسترجاع أقاليمنا الجنوبية، وفود من السعودية والكويت وقطر وسلطنة عمان والإمارات، التي تميزت بحضور أخينا سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي كان عمره آنذاك 14 سنة".
وقتها كان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يُقيم بالمملكة، بغرض استكمال دراسته في المدرسة المولوية التابعة للقصر الملكي المغربي.
هذا المسار المُمتد لأكثر من أربعة عُقود، يُكلل اليوم بافتتاح سفارة لدولة الإمارات العربية المُتحدة بمدينة العُيون المغربية، وهي خُطوة لقيت احتفاء كبيراً من لدن المغاربة، وعلى رأسهم الملك محمد السادس الذي عبر عن "شكره الجزيل وتقديره الكبير لولي عهد أبوظبي، على هذا القرار التاريخي الهام الداعم للوحدة الترابية لبلاده.
انطلاق فوري
من جهته، أكد سفير الإمارات لدى المغرب، العصري سعيد أحمد الظاهري، أن افتتاح قنصلية العيون سيعطي دفعة قوية للعلاقات بين البلدين.
وأوضح، في كلمة له بالمُؤتمر الصحفي، أن القنصلية ستباشر عملها انطلاقا من اليوم.
وشدد الظاهري على أن دولة الإمارات اتخذت هذا القرار بناء على قناعة منها، مؤكدا أن القنصلية ستقوم بعمل مهم، فيما أشار إلى أن القيادة الإماراتية والمغربية تتوقع أن تكون العلاقات الاقتصادية أكثر تطورا في المرحلة القادمة.
ولفت إلى أن هذه الخطوة ستعطي دفعة قوية للعلاقات المتميزة بين البلدين، مُعبراً عن تمنياته باستمرار العلاقة بين البلدين وتطورها بشكل مُستمر.
ويتزامن هذا الحدث التاريخي مع الذكرى 45 للمسيرة الخضراء التي تُصادف 6 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، وهي المسيرة السلمية التي دعا لها الملك الراحل الحسن الثاني، عام 1975 بغرض تحرير الأقاليم الجنوبية من الاستعمار الإسباني.