نقص الأدوية.. مشهد جديد في أزمات الشارع الليبي
نقص حاد في الأطقم الطبية والأدوية، إغلاق 80% من المستشفيات، تلك ملامح أزمة أخرى تضاف إلى رصيد الأزمات التي يئن منها الشعب الليبي.
نقص حاد في الأطقم الطبية والأدوية، إغلاق 80% من المستشفيات أبوابها أمام المرضى بعد نفاد الأدوية.. تلك ملامح أزمة أخرى تضاف إلى رصيد الأزمات التي يئن منها الشعب الليبي.
فقطاع الصحة في ليبيا يعيش أزمة تهدد بانهياره، بحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، أكد أن الليبيين يواجهون صعوبة في الحصول على الخدمات من المستشفيات التي توقفت نحو 60% منها عن العمل بسبب الصراعات.
ملامح الأزمة:
تسببت الصراعات المسلحة في ليبيا وبروز الانقسام السياسي منذ 2014، وما تبعه من أزمات أمنية واقتصادية، في نقص حاد في الأطقم الطبية والأدوية.
لم يقتصر الأمر على الأدوية التخصصية كأدوية التخدير، والأورام، وأمراض الكلى، ومشغلات الغسيل الكلوي، بل امتدت لتشمل معظم الأدوية التي يحتاجها الليبيون بشكل يومي، ما أوصل الأوضاع الصحية في ليبيا إلى طريق شبه مسدود، تجلى في أن «من بين حوالي 95 مستشفى، تعمل أربعة فقط منها بقدرة تتراوح بين 75% و 85%. كما أن 45% من هذه المستشفيات تم إغلاقها، بحسب إحصائية للأمم المتحدة.
ووفقاً للإحصائيات فإن 40% من المستشفيات تعمل بنصف طاقتها، بعد نفاد الأدوية والمستلزمات الطبية وعجز قطاع الصحة على شرائها، بسبب عدم توفر السيولة المالية، بحسب بيان مشترك بين وزارتي الصحة بالحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ الوطني، في يوليو الماضي.
وقال الناطق باسم وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة أحمد العليقي، إن الوزارة تسعى لحل أزمة نقص الأدوية في ليبيا و«التي تتفاقم بشكل يومي».
وذكرت منظمة الصحة العالمية أن الوضع الصحي في ليبيا، التي تعاني من نزاعات مسلحة، أصبح حرجاً للغاية، نتيجة نقص الإمدادات الطبية والتمويل المالي على مستوى جميع الجهات المسؤولة في البلاد.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر عبر حسابه على موقع «تويتر»: «في زيارة لمستشفى الجلاء في طرابلس. الوضع في غاية السوء: نقص في التمويل والأدوية والجسم الطبي. المرضى يجلبون الأكسجين».
أسباب الأزمة:
قال رئيس جهاز الإمداد الطبي خالد أشتيوي، إن: «النقص الشديد في الأدوية والمستلزمات الطبية سببه عدم اعتماد مخصصات جهاز الإمداد لميزانية سنة 2014، الأمر الذي أخر بحث الاعتمادات المالية خاصة في بعض الأدوية التخصصية كأدوية التخدير، وأدوية الأورام، وأدوية أمراض الكلى، ومشغلات الغسيل الكلوي».
وأشار إلى أن «المبالغ المنفقة على دعم الأدوية لا تقابلها خدمات تعادل هذا الإنفاق، بفعل ضعف كفاءة وإدارة السياسة الدوائية، مما ساهم في وجود عمليات فساد في الإنفاق»، مؤكداً أن وزارة الصحة عجزت منذ 2012، عن إعداد عطاء عام لتوريد الأدوية والمعدات الطبية، يشمل كل احتياجات الدولة، بسبب تنازع السلطات والاختصاصات بين أطراف داخل وزارة الصحة.
ولم تسلم المستشفيات من الاعتداءات، سواء على مبانيها أو العاملين بها، كان آخرها تعرض طبيب بمستشفى الحوادث بمنطقة أبوسليم في طرابلس، لاعتداء مسلح توقف على إثره المستشفى عن العمل.
وتوقفت أقسام عدة مستشفيات عن العمل في هذا العام، منها: مستشفى مصراتة والزاوية وسبها ومركز بنغازي الطبي بسبب الاعتداءات، وقد أُعيد فتحها بعد تشكيل قوة أمنية لحماية الأطقم الطبية.
لم يقتصر الأمر على أزمة الأدوية فقط، بل تبعتها أزمة أخرى أشد، تمثلت في مغادرة الكوادر الطبية الأجنبية للمستشفيات مع بروز الانقسام السياسي في ليبيا منذ عام 2014، وما تبعه من أزمات أمنية واقتصادية، حيث لم تعد هذه الكوادر قادرة على الحصول على مرتباتها أو تحويلها إلى الخارج بعد توقف الحوالات المصرفية، نتيجة امتناع مصرف ليبيا المركزي عن إجراء عمليات التحويلات للعناصر الطبية الأجنبية، ما اضطرها إلى المغادرة.
وانخفض عدد العناصر الطبية الأجنبية المتخصصة التي تعمل في مركز بنغازي الطبي من 780 متخصصاً إلى 30 فقط.
التغلب على الأزمة:
داخلياً:
النقص الشديد في الأدوية بالمستشفيات الليبية دفع عدداً من الليبيين إلى إطلاق أكثر من حملة مثل: «ابدأ بنفسك»، والتي يدعون فيها للتبرع بالمجهودات الذاتية وبالتعاون مع بعض الجهات الخيرية، لتزويد الأطفال بالدواء، وشراء جميع المستلزمات الطبية الناقصة.
كما بادرت بعض المستشفيات بجمع التبرعات لتوفير المال وشراء الدواء للمرضى، كمركز طرابلس الطبي الذي أطلق حملة «أهل الخير» لإغاثة مرضاه.
ولجأت مستشفيات كمستشفى مصراتة ومستشفى غريان، لافتتاح معاهد تمريض متوسطة لتدريب كوادر وطنية تخفف بها أزمة مغادرة الكثير من الكوادر الأجنبية.
وقال الناطق باسم وزارة الصحة بالحكومة الموقتة أحمد العليقي، إن الوزارة تسعى لحل أزمة نقص الأدوية في ليبيا بعدة طرق، منها تخصيص الميزانية التيسيرية للوزارة لشراء الأدوية والاكتفاء بجزء منها لصرف رواتب الموظفين بالديوان.
وتابع في تصريح صحفي سابق، أن الوزارة أصدرت قراراً بتخصيص مبلغ مالي لبعض المرافق الصحية، حيث تسلم كل من مركز بنغازي الطبي ومستشفى الجلاء ومركز التوحد مليون دينار ليبي.
وقال مدير جهاز الإمداد الطبي خالد أشتيوي، الأحد الماضي، إن هناك دراسة آلية جديدة من خلال منظومة متبعة لإنهاء أزمة نقص أدوية خاصة لمرضى السكري وأدوية الأورام.
وأضاف أشتيوي، في تصريحات نقلتها «إدارة التواصل والإعلام برئاسة مجلس الوزراء» عبر «فيسبوك» أن الجهاز سيعقد ورشة عمل بخصوص آلية العمل الجديدة، لافتاً إلى أن التأخر في توفير الأدوية في السابق يرجع إلى تأخر صرف الميزانية.
ولفت إلى توفير دواء السكري خلال الفترة الأخيرة لجميع المستشفيات وكذلك بعض الأدوية مثل أدوية الأورام، والتطعيمات التي تم الاتفاق عليها بمحاضر اجتماعات لجنة التكليف المباشر المختصة بشراء الأدوية.
وعقد مدير جهاز الإمداد الطبي اجتماعاً بوزارة الصحة مع مستشار شؤون الخدمات برئاسة الوزراء، هند شوبار، ومدير إدارة الصيدلة والمعدات الطبية عضو بمجموعة «من أجلك ليبيا» ناهد المكي؛ لمناقشة أزمة النقص الشديد في دواء السكر وأدوية الأورام وبعض الأدوية الأخرى.
وسلّمت شركة «ليبيانا» للهاتف المحمول أدوية ومستلزمات الطبية إلى مستشفى طب وجراحة الأطفال في بنغازي، الإثنين، موردة من قبل شركة «الميثاق الطبي» بحسب مدير المكتب الإعلامي للمستشفى هدى كويري.
خارجياً:
رفعت وزارة الصحة بحكومة الوفاق الوطني، في أغسطس الماضي، علاوة على الأطباء الأجانب إلى 75% والممرضين إلى 40%، لاستقطاب العناصر الطبية من الخارج، وتحفيز العناصر الموجودة في ليبيا على البقاء.
وقال المتحدث باسم مكتب منظمة الصحة العالمية في ليبيا الدكتور أحمد سالم في حوار له مع «الأمم المتحدة»، إن «منظمة الصحة العالمية لا تقف مكتوفة الأيدي حيال هذه الأزمة، بل تبذل قصارى جهدها لتوفير الموارد الأساسية من خلال العمل مع منظومة الصحة الليبية».
وأشار سالم إلى توفير المنظمة لمجموعات الأدوية للمصابين بالصدمات والإصابات الجسدية وغير ذلك من العقاقير الأساسية الأخرى، بما فيها المجموعات المتعلقة بالأمومة والطفولة، محذراً من خطورة شُحّ الموارد على المنظومة الصحية الليبية.
وناقش مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر، الأربعاء، مع المفوض بوزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني عمر الطاهر، التحديات التي تواجه قطاع الصحة وتوفير الأدوية في ليبيا.
وشدد كوبلر في تغريدة له عبر «تويتر»، خلال اجتماعه مع الطاهر والمسؤولين في وزارة الصحة، الذي عقد بالعاصمة طرابلس، على أهمية توفير الدواء والعلاج لليبيين، مؤكداً أن ذلك «أمر أساسي».