يوم الأرض بفلسطين.. عائلات مقدسية تتشبث بمنازلها ضد التهويد
عشرات العائلات الفلسطينية في القدس تواجه خطر الطرد من منازلها وترفض مغريات إسرائيلية كبيرة
يستقبل الفلسطيني محمد الصباغ يوم الأرض الذي يوافق، اليوم السبت، وهو يقلب صورا لعائلته بمنزلها الذي طردت منه إبان نكبة عام 1948 بيافا، وما إن يشيح بوجهه قليلا من صور الماضي حتى يعود للتحديق بأسى في واقعه الذي يواجه فيه مجددا إنذارا ثانيا بالطرد من دار أخرى في حي الشيح جراح بالقدس الشرقية المحتلة تقيم فيه العائلة منذ مصادرة بيتها الأول عام 1956.
وعائلة الصباغ هي واحدة من عشرات العائلات الفلسطينية في البلدة القديمة من مدينة القدس وحي الشيخ جراح وبلدة سلوان التي تواجه خطر الطرد من منازل أقامت فيها منذ عقود طويلة.
ولم تقف عائلة الصباغ وغيرها من الأسر الفلسطينية التي صودرت منازلها مكتوفة الأيدي أمام تغول الاحتلال على منازلها، حيث تتكوم مئات القضايا أمام المحاكم الإسرائيلية، عقب استغلال المستوطنين لقانون سنته ذات السلطات يتيح لها تقديم دعاوى بملكيتها لعقارات فلسطينية قبل عام 1948.
وفي حين يمنع القانون الإسرائيلي الصباغ من التقدم بدعوى استرداد المنزل الذي طردت منه عائلته إبان نكبة عام 1948، فإنه يسمح لمستوطنين بالمطالبة بوضع اليد على عقارات يدعون امتلاكها قبل العام نفسه.
ويمثل الحفاظ على عقارات في القدس كابوسا لعشرات العائلات الفلسطينية التي تخشى أن ترى يوما منزلها الذي ترعرعت فيه.
وقال مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" في تقرير "لأجل الاعتراض على دعاوى إخلائهم من منازلهم يلجأ السكّان الفلسطينيّون إلى إجراءات قضائيّة طويلة ومكلفة في مواجهة الدولة وجمعيّات المستوطنين بما تملكه من موارد وقوّة".
وزاد "في سلوان هناك أكثر من 80 أسرة تواجه دعاوى إخلاء وفي الشيخ جرّاح 62 أسرة إضافة إلى عشرات الأسَر في البلدة القديمة".
وآخر الضحايا كان حاتم أبو عصب الذي أخلته الشرطة الإسرائيلية، في شباط/فبراير 2019، مع عائلته المكونة من 9 أشخاص من منزل في البلدة القديمة بمدينة القدس الشرقية كانت أقامت فيه منذ عام 1952.
تم طرد أبو عصب وعائلته المكونة من نساء وأطفال بالقوة من المنزل الذي زعمت جماعة استيطانية إسرائيلية أنها امتلكته قبل عام 1948 فبات بلا مأوى.
ويشعر الصباغ بالتضامن مع أبو عصب والغضب على ما آلت إليه عائلته ولكنه يخشى مصيرا مشابها.
وقال الصباغ لـ"العين الإخبارية" الذي يعيش في الشيخ جراح: "سكنا في هذا المنزل عام 1956 بموجب عقد إيجار مع وكالة (الأونروا) وقيل لنا إنه مطلوب دفع إيجار رمزي لمدة 3 سنوات ثم يتم تسجيله باسم العائلة".
استمر الوضع على حاله حتى الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967، وبحلول عام 1972 فوجئت العائلة بمطالبة مستوطنين بإخراجهم من المنزل بداعي امتلاك يهود لقطعة أرض أقيم عليها المنزل قبل عام 1948.
فلسطين في أسبوع.. مسيرات العودة تتصدر وسط تراجع مؤشرات الحرب بغزة
لم تكن عائلة الصباغ هي الوحيدة التي تواجه هذا الخبر الصادم وإنما عشرات العائلات الفلسطينية في المنطقة نفسها وبالحجة ذاتها.
ومنذ ذلك الحين لجأت العائلات الفلسطينية إلى القضاء وقدمت أوراقها الثبوتية القديمة التي تدحض مزاعم الجماعات الاستيطانية الإسرائيلية؛ ولكن المحاكم أخذت بمواقف الجماعات الاستيطانية.
وفي السنوات الأخيرة تم طرد 4 عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح وباتت بملكية مستوطنين وتخشى 62 أسرة المصير ذاته.
فقد أوعزت السلطات الإسرائيلية نهاية العام الماضي للصباغ بمغادرة المنزل الذي تقيم فيه عائلته المكونة من 5 أسر عدد أفرادها 45 شخصاً.
ونجح الصباغ فقد تأجيل قرار الطرد لكنه قد يتم في أي لحظة وبذات القوة التي تعاملت بها الشرطة الإسرائيلية مع عائلة أبوعصب.
وقال الصباغ: "نحن سنحافظ على بيتنا ولن نغادره وإذا ما أرادوا إخراجنا فليخرجونا بالقوة.. نحن لن نخلي لوحدنا".
وفي محيط منزل الصباغ يوجد نحو 30 منزلا تقيم فيها عشرات العائلات الفلسطينية وتخشى جميعا من أن يكون مصيرها مماثلاً لحال "الصباغ".
وقال عبدالفتاح إسكافي، مالك أحد هذه المنازل لـ"العين الإخبارية" وهو يشير إلى قائمة طويلة من الأسماء: "هناك 30 منزلا يسكنها أكثر من 400 شخص مهددة بالإخلاء في المنطقة لصالح المستوطنين الإسرائيليين".
وأضاف: "خلال المداولات في المحاكم قدمنا وثائق تثبت ملكيتنا للمنازل ولكن على الرغم من أن المحاكم قالت إن ما قدمه المستوطنون لا يثبت ملكية لهم إلا أنها قضت لصالحهم".
وتابع إسكافي: "ننتظر قرارا من المحكمة بشأن دحضنا لقرارات سابقة ولكننا لا نعول عليه كثيرا فالمحاكم الإسرائيلية تحكم لصالحهم، نحن نتوجه إليها من أجل كسب الوقت ولأن لا خيار آخر أمامنا".
ويؤكد مركز "بتسيلم" أن إسرائيل لا تتعامل مع سكّان القدس الشرقية على قدم المساواة في الحقوق بل هي تسعى إلى طردهم من منازلهم لأنّها تعدهم عقبة في طريق تحقيق مطامحها الرّامية إلى تهويد المدينة.
ولأجل القيام بذلك تستخدم إسرائيل وسائل عديدة - جميعها مخالفة للقانون وتتعمّد منع الفلسطينيّين من البناء في المدينة - سواء لأغراض السّكن أو لأغراض أخرى وتصدر أوامر الهدم لمنازلهم التي أقامها أصحابها مجبرين دون ترخيص، لأنّه لا خيار آخر أمامهم وتنفّذ الهدم بحقّ العشرات منها كلّ سنة.
وأضاف المركز: "تطبيق هذه السّياسة الرّامية إلى تطهير بعض أنحاء المدينة من الفلسطينيّين لم يبدأ مؤخّرًا بل متبعة من إسرائيل منذ سنين طويلة حين احتلّت الضفة الغربيّة وضمّت إلى حدودها القدس الشرقية والقرى المحيطة".
وتابع المركز الحقوقي الإسرائيلي: "طرأت في الأسابيع الأخيرة تطوّرات إضافيّة في عمليّة التطهير المذكورة التي تطال دائمًا حياة المزيد والمزيد من الأسَر في المدينة".
وقال سكان في المنطقة لـ"العين الإخبارية" إنه خلال مداولات المحاكم عرض مستوطنون على السكان الفلسطينيين في المنطقة مبالغ كبيرة مقابل الإخلاء دون انتظار قرارات المحاكم؛ ولكن العائلات الفلسطينية رفضت العروض.
وعلى مدى سنوات تمكنت جماعات المستوطنين الإسرائيليين من وضع اليد على عشرات المنازل في البلدة القديمة من مدينة القدس وأحياء الشيخ جراح والطور والصوانة وبلدة سلوان بمساندة السلطات الإسرائيلية، وحتى بعد طردهم من منازلهم، فإنهم يصرون على البقاء مدينة القدس ولو حتى في منازل بالإيجار.
aXA6IDE4LjIxOC4yLjE5MSA= جزيرة ام اند امز