الاستسهال الكوميدي يهزم فكرة مسلسل "أرض النفاق" ويحوله لإسكتشات، بينما أنقذ دوبلير هنيدي الموقف؟ تعرف على التفاصيل.
في عام 1968 قدّم المخرج المصري الكبير فطين عبدالوهاب واحداً من أهم الأفلام عن رواية ليوسف السباعي هي"أرض النفاق" ولعب بطولته الراحل الكبير فؤاد المهندس أمام سميحة أيوب وشويكار عن مسعود أبوالسعد الموظف المتزوج ولكنه غير قادر على تغير حياته التي لا تعجبه، وبالصدفة يرى محل لبيع الأخلاق لتبدأ سلسلة من المفارقات تنتهي بالعودة لأرض النفاق.
وقد تميز الفيلم بأنه يحمل رسالة في صميم الرواية نفسها وهي فضح المجتمع الذي لا يحترم الصراحة في حين يحترم كل ما هو قبيح من قوة غاشمة وخداع ونفاق، كما اعتبر النقاد أن هذا الفيلم واحداً من أهم الأفلام في تاريخ فؤاد المهندس وفطين عبدالوهاب، لأنه يناقش قضية جادة في قالب كوميدي جذاب، وللأسف لم يحقق الفيلم النجاح المتوقع لأفلام هزلية أخرى لنفس المخرج والنجم الكوميدي الكبير.
وبعد نصف قرن تقريباً جاء واحداً من تلامذة المهندس وهو النجم الكوميدي محمد هنيدي، ليعيد تقديم الشخصية مع معالجة درامية لأحمد عبدالله وإخراج سامح عبدالعزيز ومحمد جمال العدل، لنكتشف الفارق الكبير بين الفيلم والمسلسل، لا من حيث المعالجة فحسب والتي تقدم ما يشبه الإسكتشات لكل حبة من الحبوب التي يتناولها البطل ليتصف بإحدى الصفات، ولكن أيضاً من حيث استسهال تقديم الكوميديا المعتمدة على مواقف ليست جديدة على الدراما أو السينما عموماً مع ظهور طاغٍ طول الوقت للبطل الأساسي ليؤدي الإسكتشات في غياب بناء حقيقي للشخصيات الموازية.
في المسلسل يتحول"مسعود" لعامل مطحون من عمال الإنارة دخله ضئيل وحياته بائسة، ودوماً ما يواجه خلافات مع زوجته (جميلة) "هنا شيحة" وحماته "دلال عبدالعزيز"، اللتين لم تعودا قادرتين على العيش معه، ويمتلك والده "محمد محمود" محلاً لبيع الكُسكُسّي، ولذلك يطلقون عليه (مسعود كسكسي) وفي يوم تستدرجه الحياة ليتعرف على دكتور (ماضي) "سامي مغاوري"، الذي يقدم له أخلاق للبيع على هيئة حبوب، فيبدأ في تناول الحبوب تباعاً، ليكتشف معها حياة جديدة، بشخصيات جديدة، وأخلاق مستعارة للبيع.
ولأن مساحة المسلسل كبيرة وتحتاج إلى حشو حلقات فإن الفكرة الرئيسية للرواية تتوارى لنجد نوعية أخرى من حبوب السعادة وحبوب البخل والكرم وحبوب السرقة التي تدفعه حتى لسرقة غسيل الجيران والشغالة وأقرب أصدقائه، وكذلك حبوب الانتقام التي عاقب بها زوجته لأنها ترفض الإنجاب وكل من ضايقوه في الماضي بما فيهم معلمه، وحبوب الإبداع التي حولته لرسام وشاعر وغير ذلك.
وهو ما حوّل المسلسل لإسكتشات كوميدية لاتخدم الفكرة الرئيسية لقضية الأخلاق أو أرض النفاق عموماً، بينما نشاهد حكايات هامشية لوالد "مسعود" ومغامراته بهدف الزواج من فتيات صغيرات، في حين غلب الإيقاع الممل للمخرج الذي اشتهر بأعمال يغلب عليها عنصر التشويق والصراع الاجتماعي خصوصاً مع توقع الأحداث بحكم طبيعة الحبوب ونمطية شكل الشخصيات من أول جميلة وحماة مسعود وأبوه مروراً بالشخصيات الأخرى.
أما شخصية الدكتور ماضي والتي أثارت الجدل بعد تقديم إبراهيم عيسي للدور ورفض السعودية هذه النسخة وبالتالي تغيرها إلى سامي مغاوري قبل شهر رمضان بأيام قليلة، فقد دفعت المخرج لإعادة المشاهد مستخدماً زاوية واحدة للممثل وأحادية أثناء حواره مع هنيدي، ونفس الأمر في حوار هنيدي، وبالتالي كان لابد من الاستعانة بدوبلير يظهر بقفاه أو بظهره يشبه هنيدي تماماً ليبدو الأمر طبيعياً وإنقاذاً للموقف بسبب ضيق الوقت وهي حيلة فنية لا تنكشف إلا للمشاهد المدقق، كما انعكس ذلك في اختصار مشاهد عديدة من النسخة الأولى من شخصية الدكتور ماضي.
هكذا نجح دوبلير هنيدي في إنقاذ "أرض النفاق" من عدم العرض في حين هزمه الفيلم بالضربة القاضية، بسبب الفارق الشاسع في المعالجة والإخراج، وحتى التمثيل حيث كررر هنيدي نفسه ولم يسعفه السيناريو في تقديم الكوميديا التي تفجرها أعماله الجديدة في العادة.