الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد..
من فضل الله علينا أن يسر وتابع لنا مواسم تكثر فيها الحسنات، وتضاعف فيها الأجور، فكنا في موسم شهر رمضان المبارك، شهر العبادات والطاعات، وما إن انقضى حتى دخل علينا موسم شهر شوال، فنود في هذه الأسطر القليلة أن نبين للقارئ شيئاً مما يتعلق بهذا الموسم من لطائف وأحكام، لينتهز الفرصة فيغتم الموسم، ويفوز برضا الله سبحانه وتعالى.
وأما عن سبب تسميت شهر شوال بهذا الاسم فقد قال صاحب لسان لعرب : وشَوَّالٌ من أَسماء الشهور معروف، اسم الشهر الذي يلي شهر رمضان، وهو أَول أَشهر الحج، قيل سُمِّي بتشويل لبن الإِبل، وهو تَوَلِّيه وإِدْبارُه، وكذلك حال الإِبل في اشتداد الحر وانقطاع الرُّطْب، وقال الفراء: سُمِّي بذلك لِشَوَلانِ الناقة فيه بذَنَبها .أهـ فهو موسم التزاوج عند الإبل، ويُعرف برفع الإبل لذنبها، فيقال :شالت الناقة بذنبها: إذا رفعته .
وقد خص هذا الشهر بجملة من العبادات منها :
أ ) زكاة الفطر .
عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ " متفق عليه .
ذكر أهل العلم أنّ أفضل وقت لإخراج زكاة الفطر وتوزيعها على المساكين قبل صلاة العيد، فإن انقضت صلاة العيد فقد خرج وقت إخراج الزكاة، روى أبوداود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِىَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِي صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَات .
ب – صلاة عيد الفطر .
فمن العبادات المشروعة في شهر شوال صلاة عيد الفطر ، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ- رضي الله عنه - قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى ، فَأَوَّلُ شَيءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ.
ج – التكبير ليلة العيد إلى بداية صلاة العيد .
في ختام شهر رمضان شرع الله لعباده أن يكبروه ، فقال تعالى : ( وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [البقرة: 185] ، وهذا التكبير سنة عند جمهور أهل العلم ، في المساجد والبيوت والأسواق، وابتداؤه من غروب الشمس ليلة العيد إذا علم دخول الشهر قبل الغروب كما لو أكمل الناس الشهر ثلاثين يوماً ، أو من ثبوت رؤية هلال شوال ، وينتهي بالصلاة يعني إذا شرع الناس في صلاة العيد انتهى وقت التكبير .
وروى الدارقطني في سننه عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ لِلْعِيدَيْنِ مِنَ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِي الْمُصَلَّى وَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِي الإِمَامُ.
د – تحريم صوم يوم عيد الفطر .
بوب البخاري في صحيحه فقال : باب صوم يوم الفطر، ثم روى حديث أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ ، وَالنَّحْرِ .
وعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَهَى عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى، أَمَّا يَوْمُ الْفِطْرِ، فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَيَوْمُ الْأَضْحَى تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ لَحْمِ نُسُكِكُمْ) أخرجه أبو داود، وأحمد.
ه – مشروعية صيام ستة أيام من شوال، وبيان فضلها .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) رواه ابن ماجه، وبينه صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى جاء فيها : " (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ) رواه أحمد.
ومن الحكم التي استنبطها بعض أهل العلم في صيام الست من شوال ما ذكره ابن رجب في لطائف المعارف ( ص 220 ط ابن حزم ) فقال :
وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة:
منها: أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله ..
ومنها: أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال..
ومنها: أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده..
ومنها: أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب ... فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب ..
ومنها أن الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيا.
و ) استحباب المبادرة إلى قضاء ما فات من رمضان .
قال تعالى : " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" [البقرة:185] ، فمن أفطر أياما من رمضان استحب له أن يبادر إلى قضاء رمضان ، لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له من أمور تحول بينه وبين القضاء، وقد قال تعالى :" وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" [آل عمران:133] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيءٍ إِلاَّ فِي عَمَلِ الآخِرَةِ ». رواه أبوداود
ز ) من العبادات التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شوال العمرة، فروى أبوداود عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ عُمْرَةً فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَعُمْرَةً فِي شَوَّالٍ "
قال ابن عبر البر – رحمه الله – في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (22/ 291) : " وفي اعتمار رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وذي القعدة أوضح الدلائل على رد قول من كره العمرة في أشهر الحج."
وقال بعض أهل العلم إنما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ذي القعدة، حيث روى مسلم عن أنس رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلاَّ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنْ جِعْرَانَةَ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ." وما ذكرته عائشة رضي الله عنها من عمرته صلى الله عليه وسلم في شوال فيحمل على أنه خرج إلى العمرة في آخر شوال وأحرم بها في أول ذي القعدة، قال القرطبي المفهم (3/367): هذِه العمرة المنسوبة إلى شوال فهي والله أعلم عمرة الجعرانة، أحرم بها في أخريات شوال، وكملها في ذي القعدة فصدق عليها نسبة شوال وذي القعدة "
كما توجد بعض الأمور التي لا تصح في شهر شوال منها :
أ ) عدم جواز عقد الزواج في شهر شوال، وهذا يخالف ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ فَأَيّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي. قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ.
ب ) كذلك من العبادات التي يفعلها البعض قيام ليلة عيد الفطر، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خص هذه الليلة بشيء من العبادات، وما ثبت من حديث " من أحيا ليلة الفطر و ليلة الأضحى لم يمن قلبه يوم تموت القلوب " فإنه لا يصح.
هذه بعض الأحكام واللطائف حول هذا الشهر الفضيل الذي هو موسم من مواسم الخير .
ودمتم جميعا بخير، وتقبل الله طاعتكم، وكل عام وأنتم بخير، والحمد لله رب العالمين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة