إن شريعة الإسلام جعلت للمسلمين أعيادًا ومواسم للأفراح، تعود عليهم في كل عام، يفرحون بها، ويهنِّئ فيها بعضهم بعضاً؛ فرحًا بنعمة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعالى- عليهم، وإظهارًا لشعائر الإسْلَام؛ فيكون فيها من التكبير، والتهليل، والحمد، والتوحيد.
ومن تلك المواسم: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وقد ارتبط هذان العيدان بشعيرتين عظيمتين، هما ركنان من أركان الإسْلَام:
- فارتبط عيد الفطر برُكن الصيام.
- وارتبط عيد الأضحى بركن الحج.
وهو ما يبين للمسلمين منزلة هذين العيدين في الدين الإسلامي؛ فعيد الفطر يحصل فيه العتق للصائمين من النَّار. وعيد الأضحى -وهو العيد الأكبر- الذي يتبع يوم عرفة، ويكون فيه أكثر العتق من النَّار.
قال ابن رجب -رَحِمه الله- في لطائف المعارف: «فمن أعتق من النار في اليومين فله يوم عيد، ومن فاته العتق في اليومين فله يوم وعيد».
ومما يُبين عظم شأن هذه الأعياد؛ أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعالى- جعل عيد الفِطر مُرتبطًا بالمغفرة، والعتق من النَّار، وبأن يشكر العبد نعمة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعالى- أن وفَّقه للصيام والقيام، وأعانه على ذلك، وحصل له بذلك -إن كان قد أحسن واحتسب-؛ المغفرة والعتق من النَّار.
وكذلك في عيد الأضحى يكون الفرح بإتمام نعمة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعالى- على المسلمين بإكمال دين الإسْلَام كما قال -سُبْحَانَهُ وَتَعالى- في كتابه الكريم: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} فحصلت هذه المِنَّة بتمام الشرع وكماله، وظهور دين الإسْلَام على سائر الأديان، وكذلك فيه الفرح إتمام ركن من أركان الإسْلَام وهو حج بيت الله الحرام، تذكرة وعِبرة لأهل الإسْلَام.
فكان الواجب على أهل الإسلام؛ أن يشكروا الله سُبْحَانَهُ وَتَعالى، وأن يذكروه سُبْحَانَهُ، وأن يفرحوا بما أتم الله سُبْحَانَهُ وَتَعالى عليهم من حصول هذه المِنَن العظام.
والله سُبْحَانَهُ وَتَعالى قد شرع في هذين العيدين من العبادات ما لم يشرعه في غيرهما، واستحب من العادات ما لا يكون في غيرهما؛ فجعل في العيدين من العبادات الواجبة والمستحبة، كما جعل فيه من العادات المُستحبة.
ومما يوضح منزلة العيدين؛ ما جاء في فضل صلاة العيد، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق عَنِ ابْنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مِحْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: «خُرُوجُ يَوْمِ الْفِطْرِ يَعْدِلُ عُمْرَةً، وَخُرُوجُ يَوْمِ الْأَضْحَى يَعْدِلُ حَجَّةً» وقد أخرجه عبد الله بن أحمد من طريق عبد الرزاق به في العلل. وهو إسناد صحيح إن كان سليمان قد سمعه من مخنف -رَضِي اللهُ عَنْهُ-.
وقد أمرت الشريعة بتعظيم أعياد الإسلام؛ فكان من ذلك الأمر بأداء صلاة العيدين وفضلها، فظهور النَّاس وخروج النَّاس في هذا المشهد المهيب العظيم، يخرج عامة الرِّجَاْل، وتخرج النِّسَاْء العواتق ذوات الخدور، والحُيَّض، الكل يخرج؛ لإظهار نعمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعالى ومنَّته.
ولما أمرت الشريعة بتعظيم أعياد الإسْلَام، فقد جعلت آدابًا هي مظاهر لإظهار الفرح والسرور فيها، ومن تلك الآداب: الأكل في العيدين والنهي عن صيامهما؛ فقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في عيد الفطر يأكل تمرات قبل أن يخرج الى الصلاة. وتأمل في هذا المعنى؛ فهو يؤكد معنى الفطر في هذين اليومين قبل خروجه الى الصلاة، وأما في الأضحى؛ فكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يؤخر حتى يكون أول ما يأكله في يوم الأضحى من الأضحية، كما ثبت من حديث بريدة رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ».
ومنها: التكبير، والاغتسال، والتجمل ولبس الجديد الحسن، والتهنئة بالعيد، والتوسعة على العيال في هذا اليوم، ومواساة المحتاجين، والإذن بأنواع الفرح والسرور الذي جاءت بها شريعة الإسْلَام، وحثت عليه في هذا اليوم.
وفي الختام هنا تذكير لعموم المسلمين: أظهروا الفرح والسرور، ولكن لا تكونوا سببًا في نشر وباء كورونا في بلادكم، فينبغي أن يكون هنالك حرص على ما يأتي من التوجيه والتنبيه الجهات المختصة، مع التأكيد على وجوب ذلك، وعدم تقديم المصالح الفردية المؤقتة التي قد يترتب عليها من الضرر ما هو أعظم. واعلم أن لك في ذلك أجرًا على رغبتك في زيارة أرحامك وقرباتك وأصدقائك، وأجرًا على التزامك وحفظك لنفسك وأهلك وللمسلمين.
نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعالى العفو والعافية، وزوال هذه الغمة عن الأُمة، وأن يبلغنا وإياكم الأعياد وأمتنا الإسلامية ترفل في نعمة، وبلادنا في عافية من هذا الوباء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة