بينما تواصل اللجنة المشتركة للاتفاق النووي مع إيران محادثاتها في فيينا التي بدأت في مطلع أبريل الماضي.
بهدف التوصل إلى آلية تضمن تنفيذ اتفاق نووي مرض لجميع الأطراف، تُطرح تساؤلات عديدة حول فرص نجاح هذه المحادثات في تحقيق الهدف منها، وما هو تحديداً هذا الهدف، هل هو مجرد عودة الطرفين للالتزام بالاتفاق السابق، أم تغيير جوانب القصور التي انطوى عليها هذا الاتفاق، لا سيما فيما يتعلق بالسياسات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في بعض دول المنطقة؟
المؤشرات القائمة حالياً تشير إلى أن هناك تقدماً في هذه المحادثات يبشر بنجاحها رغم بعض التحذيرات والاتهامات المتبادلة بشأن احتمال تعثرها، فالرئيس الأمريكي جو بايدن صرح بأنه يلمس جدية لدى إيران في محادثات فيينا لكن لا يعرف مداها، فيما أكد مسؤولون أمريكيون وغربيون أنه تم إحراز بعض التقدم في محادثات فيينا عبر القنوات غير المباشرة، لا سيما مع قيام طهران بإلغاء العديد من إجراءاتها الأكثر تعقيداً.
وأخذاً بعين الاعتبار أن المحاور الرئيسية لهذه المحادثات تتركز على مسألتين: رفع العقوبات الأمريكية عن إيران، وعودة هذه الأخيرة للامتثال بالتزاماتها بموجبه، فإن ما تم تحقيقه إلى الآن يعزز فرضية "نجاح" هذه المحادثات، حيث أعلن كبير المفاوضين الإيرانيين أن العقوبات المفروضة على صناعة السيارات والموانئ والنفط والبنوك الإيرانية سترفع، فيما أكد مسؤولون أمريكيون أن إدارة الرئيس جو بايدن تدرس منح إيران تخفيفاً كبيراً للعقوبات الاقتصادية، وهو ما يعني أننا بصدد إحراز تقدم في هذه المحادثات، بما يسمح بتحقيق هدف إبقاء خطة العمل الشاملة المشتركة على قيد الحياة.
بيد أن الإشكالية تكمن في تقييم كلمة "النجاح" في حد ذاتها، فإذا كان معيار التقييم هو مجرد العودة لاتفاق عام 2015 بكل سلبياته وجوانب قصوره فهذا بالطبع لن يكون نجاحاً أو اختراقاً كبيراً يمكن أن يُحسب لإدارة بايدن، ولكن إذا كان معيار التقييم هو معالجة جوانب القصور التي انطوى عليها الاتفاق السابق، وفي مقدمتها تغيير نهج السياسة الإيرانية وسلوكيات طهران المهددة لاستقرار الدول المحيطة، جنباً إلى جنب، مع ضمان سلمية برنامجها النووي، فإن المؤشرات المرشحة حتى الآن لا توحي بالتفاؤل بصورة كبيرة. ولكن يجب أخذ تطورين مهمين بعين الاعتبار، في هذا الصدد:
الأول، هو الرغبة التي أبدتها الرياض في تهدئة التوترات مع طهران بما يسمح بمعالجة الملفات المثيرة للتوتر بقدر أعلى من الإيجابية، وهو ما اتضح خلال حديث الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، التلفزيوني الأخير، الذي قال فيه: "كل ما نطمح إليه هو علاقة جيدة مع إيران. لا نريد أن يكون وضع إيران صعبا، بل نريدها أن تكون مزدهرة. لدينا مصالح مشتركة. مشكلتنا مع سلوك إيران السلبي"، وهي تصريحات ردت عليها إيران بالإيجابية أيضاً حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زاده، أن إيران والسعودية "بإمكانهما وضع خلافاتهما السابقة جانباً ودخول فصل جديد من التفاعل والتعاون". وهذه اللهجة الهادئة ستتيح بلا شك خفض التصعيد وإمكانية البحث في الملفات الخلافية.
التطور الثاني، هو زيارة روبرت مالي، المبعوث الأمريكي إلى إيران، لبعض دول الخليج قبل توجهه إلى فيينا للمشاركة في المحادثات، وهي الزيارة التي عكست حرص واشنطن على الاستماع لوجهات نظر حلفائها في المنطقة لوضعها بعين الاعتبار عند التفاوض مع إيران، وهو تطور في حد ذاته مهم، وإن لا ينفي أهمية المشاركة المباشرة من قبل دول المجلس في هذه المحادثات باعتبارها من الدول المعنية بتطورات هذا الملف، وأكثر المتأثرين به.
إن محادثات فيينا الجارية حالياً يمكن أن تمثل بداية جديدة للتعاون والسلام الإقليمي إذا أخلصت طهران النوايا وتعاملت بروح إيجابية مع الرغبة الدولية والإقليمية في فتح صفحة جديدة عنوانها التعاون من أجل الاستقرار والازدهار، ولكن إذا استمرت إيران في خطابها المراوغ فإنها قد تضيع الفرصة لتحقيق هذه البداية الجديدة المأمولة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة