يواجه نشطاء التغيير في العراق محنة.
تتطلب منهم عزماً يتلظى بما يتلظى به أهلهم، وعقلاً بارداً يقدر على أن يحسب ويختار ويقف على قول واحد.
ليست الاغتيالات، وآخرها اغتيال قائد تنسيقية الاحتجاجات في كربلاء إيهاب الوزني، هي وحدها التهديد. وفي الواقع فإن الاغتيالات لا تخيف أحداً منهم. والنشطاء يعرفون أنها تلاحقهم، ولكنها لم تقدر على أن تكسر شوكتهم. ولقد رأوا منها أكثر مما يعرف الإعلام عنها، حتى جاز القول إنها صارت زادهم اليومي، وكان لهم في كل يوم شهيد، وظلوا يتظاهرون.
أسئلة المحنة كثيرة، أولها: هل تشارك تنسيقيات النشاط الاحتجاجي في الانتخابات المزمعة في أكتوبر المقبل؟
فإذا قيل نعم، فإن ذلك يستتبع أسئلة، وإذا قيل لا، فإن ذلك يستتبع أخرى أيضاً.
القول نعم، يعني أن تحتشد الموارد والإمكانيات، وأن يكون النشطاء ظهيراً لبعضهم، لكي يمكنهم أن يظهروا كقوة.
وسواء ترشحوا كأفراد أو في قوائم، فإن الفوز يتعين أن يكون هو الغاية التي يفترض أن تتوفر لها القراءات المناسبة، من حيث أهلية المرشحين، وحمايتهم، وكفاية الدعم الشعبي الذي يتعين أن يحصلوا عليه. وكذلك من ناحية التركيز المناسب للأصوات في الدوائر الانتخابية المستهدفة.
الانتخابات عمل تنظيمي معقد ويتطلب دراية واسعة بشؤون كل دائرة ووسائل التأثير فيها وطبيعة المنافسة التي سوف تخاض ضد هذا الطرف أو ذاك.
المليشياويون حزموا أمورهم، ورتبوا قواعد اللعبة فيما بينهم بالتنسيق مع إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس، الذي اجتمع بهم مرتين من أجل أن يضمن ألا يقع صدام مصالح بين أهل الولاء لإيران على حساب أحد الأطراف.
فهل تدبر النشطاء تنسيقاً مماثلاً؟ وهل انتهوا إلى توفير تصور مشترك لسبل المشاركة ومستلزماتها؟
لا التعقيدات ولا الصعوبات ولا التهديدات يجوز أن تكون حائلاً دون التوصل إلى قراءة عاقلة للواقع.
هناك ضغوط الفساد التي يتعين مواجهتها. وهناك تهديدات السلاح المليشياوي، وهناك آليات التزوير. وهناك الحاجة إلى موارد لكي يتمكن المرشحون من إيصال أصواتهم إلى كل الناخبين المحتملين.
لا تعني المشاركة بالانتخابات قبولاً بالنظام السياسي القائم، بل ربما محاولة لاختراقه، ولكن الأمر الحاسم في اختيار المشاركة، هو ما إذا كانت نتائج الحساب العاقل تقول إن محاولة الاختراق ستحقق غايتها أم لا.
الهدف البسيط هو تشكيل قوة ذات وزن؛ قوة إن لم يمكنها قلب الموازين، فعلى الأقل فرض شروط عليها وكسب تنازلات منها.
فإذا قيل لا للمشاركة، فإن ذلك يستوجب السؤال عن البديل الذي تختاره حركة الاحتجاجات لكي تكشف عن الطريق الذي تختاره لتحقيق التغيير. ما هي وسائل التصعيد؟ وما الذي يمكن توقعه من سلطة سوف تزعم أنها تملك شرعية انتخابية، فتمارس المزيد من أعمال البطش؟ وكيف يمكن التعايش مع نظام يكرّس ما كرّسه على امتداد العقدين الماضيين من أعمال الفساد والنهب والتخريب؟
عدم المشاركة يعني، من حيث المبدأ، أن يتم إخلاء الساحة لكل أولئك الذين ظلت الانتفاضة الشعبية تتمنى سقوطهم. وبحكم أن الانتخابات يظل لها تأثيرها الخاص من حيث الانطباعات، ومن حيث الاستسلام الواقعي لنتائجها، فإن سلطة ما بعد الانتخابات سوف تكون مطلقة اليد لتفعل ما تشاء تحت غطاء ما تزعمه لنفسها من الشرعية.
الانتخابات المقبلة هي إلى حد بعيد استجابة للضغوط التي وضعها المحتجون على النظام، وأدت إلى سقوط حكومة عادل عبد المهدي، وهذا ما قد يعني أن الحكومة المقبلة يمكن أن تكون أقل استعداداً لتقديم استجابات أخرى.
وما لم يتحول التصعيد إلى عمل ذي طبيعة جذرية، إلى الحد الذي يزعزع قدرة النظام على البقاء، من قبيل فرض العجز عليه عن توفير الموارد لإدارة البلاد، فإن الركود قد يشكل تهديداً قائماً بذاته، بكل ما قد يعنيه من إحباط ومشاعر فشل.
والركود سلاح قاتل، بل إنه أكثر أذى من الاغتيالات نفسها.
لا توجد أجوبة سهلة. ولكن وحدة الكلمة، ضرورية في الاتجاهين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة