2019 في أمريكا اللاتينية.. الاحتجاجات تعيد صياغة المشهد السياسي

الفساد وتزوير الانتخابات وارتفاع الأسعار والقرارات الاقتصادية كانت كفيلة بإشعال فتيل الاحتجاجات بشوارع بلدان أمريكا اللاتينية
احتجاجات لم يسبق لها مثيل شهدتها أمريكا اللاتينية ضد الفساد والأوضاع الاقتصادية والحرائق في 2019، فقد خرج مواطنو فنزويلا وهاييتي وتشيلي وبوليفيا وبيرو والإكوادور مرورا بهندوراس والأرجنتين والبرازيل إلى الشوارع، في مظاهرات أسفرت عن قتلى وجرحى، ورحيل رئيس وتطورات وأحداث أسهمت في إعادة صياغة المشهد السياسي بالمنطقة.
الفساد وادعاءات تزوير الانتخابات وارتفاع الأسعار والقرارات الاقتصادية المرفوضة شعبيا وعدم المساواة في توزيع الدخل وانهيار الخدمات العامة، كلها أسباب كانت كفيلة بإشعال فتيل الاحتجاجات في شوارع هذه البلدان.
أزمة فنزويلا
خرجت قطاعات المعارضة إلى شوارع فنزويلا مرارا، للمطالبة برحيل الرئيس نيكولاس مادورو، حيث يعاني هذا البلد من نقص في المواد الغذائية الرئيسية والأدوية ومياه الشرب وانقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر.
ومع بداية عام 2019 بلغت المظاهرات ذروتها، وأسفرت عن حدث غير مسبوق وهو إعلان رئيس الجمعية الوطنية خوان جوايدو نفسه رئيسا مؤقتا، وسط مظاهرات حاشدة، هدفها إنهاء سلطة مادورو، ليتم الاعتراف بجوايدو من قبل 50 دولة، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
ولا تزال فنزويلا تعاني حتى الآن من عدم الاستقرار، نتيجة تمسك مادورو بالسلطة، ودعم الجيش الفنزويلي له وكذلك الصين وروسيا، في ظل سعي جوايدو للإطاحة به بمساندة واشنطن.
3 موجات احتجاجية بهايتي
هذه الدولة التي تعد الأكثر فقرا في أمريكا اللاتينية، شهدت 3 موجات من الاحتجاجات أسفرت عن قتلى وجرحى، لأسباب عدة تتعلق بصعوبة الحصول على الغذاء والماء النظيف، والوقود، والانكماش الاقتصادي، ناهيك عن اتهام الرئيس جوفونيل مويس بالضلوع في قضية فساد بـ4 مليارات دولار.
اندلعت موجة الاحتجاجات الأولى في فبراير/شباط الماضي، بسبب الارتفاع المبالغ به في الأسعار والتضخم وفشل الحكومة في مكافحة الفساد والاختلاس من برنامج فنزويلي بمليارات الدولارات، حيث تم إرسال شحنات نفط بأسعار مخفضة إلى هايتي، ورشق محتجون منزل الرئيس بالحجارة، واشتبكوا مع قوات الأمن.
أما الموجة الثانية فاندلعت في 9 يوليو/تموز الماضي، حيث قُتل الصحفي روسبيد بيتيون أثناء عودته إلى منزله بعد لقاء له في إذاعة سان فين ببورت أو برنس.
فيما اندلعت الموجة الأخيرة في 16 سبتمبر/أيلول الماضي، بمشاركة كبيرة من الفقراء، مجددين مطالباتهم باستقالة رئيس البلاد الحالي جوفنيل مويس، الذي يتهمونه بالفشل في مقاومة الفساد وعدم القدرة على النهوض بالاقتصاد الذي يعاني من التضخم.
تذاكر مترو تشيلي
في تشيلي كان قرار السلطات برفع أسعار تذاكر المترو بالعاصمة سنتياجو السبب الرئيس لاندلاع الاحتجاجات في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
في البداية حاولت الحكومة تبرير قرارها بزيادة تكاليف الوقود وضعف قيمة العملة المحلية، غير أن تبريراتها لم تنجح في تهدئة المحتجين الذين استنكروا إجراء قالوا إنه يهدف للضغط على الفقراء.
وبعد أن أسفرت الاحتجاجات عن مقتل 19 شخصا وإصابة 92 آخرين واعتقال 3192 غيرهم، طلب الرئيس سيباستيان بينيرا، يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول من الحكومة تقديم استقالتها بعد احتشاد مليون و200 ألف شخص في ميدان إيطالية بالعاصمة.
ورغم تراجع الرئيس عن زيادة أسعار تذاكر مترو سانتياجو بعد أيام وتقديمه اعتذارات للشعب، توسعت الاحتجاجات منذ ذلك الحين، وكشفت عن استياء اجتماعي بين التشيليين، الذين لم يتوقفوا عن التظاهر.
ومع الوقت ارتفع سقف مطالبهم، وقالوا إنهم لا يحتجون على رفع رسوم تذاكر المترو فحسب، وإنما بسبب غلاء المعيشة، وعدم المساواة في توزيع الدخول، إلى جانب عدم إيفاء الحكومات المتعاقبة بالتزاماتها تجاه الشعب.
وخلفت الاحتجاجات 23 قتيلاً وإصابة أكثر من 2000 شخص، فضلا عن 200 شخص يعانون من إصابات خطيرة في العين، نتيجة الطلقات النارية التي ارتكبتها الشرطة لقمع المتظاهرين، وسط تضاعف أعمال الشغب والأعمال الإجرامية وأعمال النهب في سانتياجو.
ومع أن تشيلي تعد إحدى دول أمريكا اللاتينية الغنية فإن استفحال ظاهرة عدم المساواة فيها بين مواطنيها يفاقم من حالة الغليان الشعبي ويفسر اندلاع الاحتجاجات الأخيرة.
وتصنف تشيلي بأنها البلد الأسوأ على مستوى عدم المساواة في الدخل من بين 36 بلدا عضوا في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.
برلمان بيرو ووقود الإكوادور
في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن رئيس بيرو مارتن فيزكارا حل البرلمان الذي تهيمن عليه المعارضة؛ بهدف عقد انتخابات برلمانية جديدة، لكن الاحتجاجات بدأت قبل هذا القرار، للضغط على السلطة التنفيذية، إذ خرجت مسيرات مكافحة الفساد في شوارع مدن مختلفة.
المظاهرات التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد، وقام المواطنون خلالها بمنع الوصول إلى منجم للنحاس وتوقف الإنتاج، تبعتها موافقة أعضاء البرلمان بالكامل على اقتراح بوقف صلاحيات الرئيس.
لكن في بيرو، البلد الذي يتميز بأنه أطلق ملاحقات قضائية بتهم فساد بحق أربعة رؤساء سابقين، لم ينجح إجراء تعليق ممارسة الرئيس لصلاحياته في النهاية، وما زال مارتين فيزكارا رئيسا للبلاد.
كذلك كان إلغاء دعم الوقود من بين قرارات اقتصادية اتخذها الرئيس لينين مورينو وراء الاحتجاجات التي بدأت في الإكوادور يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
إعلان الحكومة إلغاء دعم الوقود المستمر على مدى عقود جاء في إطار سياسة تقشفية تهدف إلى تخفيض النفقات، بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، غير أن إلغاء الدعم أسهم في ارتفاع حاد لأسعار الوقود، ما جعل قسما واسعا من سكان البلاد عاجزين عن شرائه.
وفي ظل الاحتقان السائد تفاقمت المخاوف بالبلاد من أن يقود الإجراء الحكومي إلى زيادة أسعار المواصلات العامة والأغذية وغيرها من السلع أو الأنشطة المتعلقة بالمحروقات، خاصة أن معظم المتضررين منه هم سكان المناطق الريفية أو ما يعرف بالسكان الأصليين "الهنود الحمر".
ورغم اتخاذ السلطات العديد من التدابير التي باءت بالفشل لإيقاف هذه الموجة الاحتجاجية، سرعان ما تحولت إلى عصيان مدني، مع تصاعد العنف الذي تحول لمواجهات بين جماعات السكان الأصليين والمشاركين في الاحتجاجات مع الشرطة.
وبعد العديد من الحوارات بين الحكومة والسكان الأصليين، قال الرئيس مورينو إن المرسوم المثير للجدل رقم 883 سيتم استبداله بآخر جديد دون أن يمس الشعب.
استقالة موراليس
اندلعت احتجاجات بوليفيا يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول على خلفية وجود مزاعم بتزوير الانتخابات التي أسفرت عن فوز إيفو موراليس.
واستمرت المظاهرات الحاشدة وسط أعمال شغب واشتباكات بين متظاهرين في مدينة سانتا كروز شرقي البلاد التي تعد معقل المعارضة وأيضا في العاصمة لاباز.
وأسفرت الصدامات بين أنصار موراليس ومعارضيه، ومع استمرار الاحتجاجات ووقوع قتلى وجرحى وتشبث الرئيس بموقفه، انضم الجيش إلى الأصوات الداعية لاستقالة موراليس.
وعقب استقالته دعت المكسيك موراليس لطلب اللجوء، وعبر الرئيس البوليفي عن ألمه لمغادرة البلاد، ولكنه قال إنه سيعود قريبا مع المزيد من القوة والطاقة.
وتولّت النائبة الثانية لرئيس مجلس الشيوخ البوليفي جانين آنيز، البالغة 52 عاما، الرئاسة بعدما استقال كل من موراليس ونائبه ورئيسي مجلسي الشيوخ والنواب.
وأعطى الكونجرس الضوء الأخضر لإجراء انتخابات رئاسية جديدة لا يشارك فيها موراليس، أول رئيس لبوليفيا من السكان الأصليين، الذي كان يسعى للفوز بولاية رابعة بعد 14 عاماً في سدة الرئاسة في هذا البلد الفقير الغني بالموارد.
مظاهرات الأرجنتين
الأرجنتين لم تكن أيضا في منأى عن الاحتجاجات حيث تظاهر الآلاف في العاصمة بوينس آيرس ضد تردي الأوضاع المعيشية في البلاد، وطالبوا الحكومة بضرورة سن قانون للطوارئ الاجتماعية لمحاربة الفقر والجوع والبطالة في البلاد.
كما أنه في سبتمبر/أيلول أضرم متظاهرون غاضبون النار في مبنى حكومي محلي في مدينة روسون عاصمة إقليم تشوبوت جنوب الأرجنتين، في أعقاب مقتل اثنين من المعلمين الذين شاركوا في احتجاجات لزيادة الرواتب.
ووصف المتظاهرون السلطات المحلية بـ"القتلة"، وتأجج الغضب الشعبي جنوب الأرجنتين بعد تردّد معلومات تفيد بأن حاكم إقليم تشوبوت ماريانو أرسيني يخطط لزيادة راتبه ورواتب موظفي دائرة حكومته الداخلية.
وتشهد الأرجنتين انكماشا منذ أكثر من عام وتضخما كبيرا بلغ 37.7% في سبتمبر ودينا هائلا ومعدل فقر متزايدا.
فساد هندوراس
وفي هندوراس نزل المتظاهرون إلى الشوارع في أغسطس/آب للمطالبة باستقالة الرئيس خوان أورلاندو هيرنانديز الذي يشتبه القضاء الأمريكي بتلقي رشى بملايين الدولارات من مهربي مخدرات بينهم زعيم الكارتل المكسيكي "إل تشابو".
وتطالب المعارضة التي تتألف من قطاعات من المجتمع المدني وزعيم اليسار مانويل زيلايا الرئيس السابق الذي أقيل في عام 2009 باستقالة هيرنانديز الذي رفض تلك المزاعم.
وقال هيرنانديز إنه ضحية حملة تشويه من جانب عصابات المخدرات التي استهدفها، كما اتهم خصوما سياسيين بالتآمر مع رجال العصابات لتشويه صورته.
البرازيل
خلال 2019 خرج آلاف البرازيليين إلى الشوارع؛ للاحتجاج على أمور عدة من بينها سياسة الرئيس جايير بولسونارو وتذكر ضحايا الديكتاتورية العسكرية، وأيضا الحرائق التي طالت غابات الأمازون.
ففي مايو/أيار شهدت مختلف المدن البرازيلية احتجاجات على السياسات التي تتبناها الحكومة، من أهمها خفض ميزانية التعليم 30%، أعقبتها مظاهرات في أغسطس/آب، حيث امتلأت شوارع العاصمة بالمحتجين على سياسة الرئيس جايير بولسونارو ولتذكر ضحايا الديكتاتورية العسكرية.
كما خرج آلاف في الشهر نفسه إلى شوارع أكبر مدن البلاد؛ تعبيرا عن استيائهم تجاه الرئيس اليساري وحكومته، على خلفية الحرائق واسعة النطاق التي التهمت غابات الأمازون.
واتهم المحتجون رئيسهم بـ"الكذب" وشدد كثيرون منهم على أن الحرائق الكارثية نتيجة مباشرة لمشاريع بولسونارو الصناعية في منطقة الغابات، ورفعه الحظر عن عمل المناجم والزراعة التجارية في محميات طبيعية.
وأحصت السلطات البرازيلية نحو 77 ألف حريق غابات عبر أنحاء البلاد، أي بزيادة نسبتها 85% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية.
وفي ضوء ما سبق يمكن القول إن الأوضاع في أمريكا اللاتينية مرشحة للتصعيد 2020، ويمكن أن تمتد المظاهرات إلى دول أخرى في المنطقة.
وهو ما سيؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي وعدم الاستقرار، الأمر الذي من شأنه إعادة صياغة المشهد السياسي في المنطقة، ومرجح أن تكون لها تداعيات كبيرة على خريطة العلاقات الدولية لبلدان القارة.
aXA6IDUyLjE0LjM1LjE1NSA= جزيرة ام اند امز