هل يجازف بوتين بـ«النووي»؟.. وثائق سرية تضبط «العتبة»
مع دخول الحرب الأوكرانية عامها الثالث، كشفت ملفات عسكرية روسية مسربة عن العتبة التي قد تدفع موسكو لاستخدام أسلحتها النووية التكتيكية.
وخلال عامين من القتال في أوكرانيا، كانت الحرب النووية هي الهاجس الأكبر. ومع دخول الأزمة في البلد الأوراسي عامها الثالث، كشفت ملفات عسكرية روسية مسربة عن عتبة استخدام موسكو لأسلحتها النووية التكتيكية.
وتتكون الوثائق التي اطلعت عليها صحيفة «فاينانشيال تايمز»، البريطانية من 29 ملفًا عسكريًا روسيًا سريًا جرى إعدادها بين عامي 2008 و2014.
وتتضمن سيناريوهات لألعاب حربية وأخرى للتدريب، إضافة إلى عروض تقديمية لضباط البحرية، فضلا عن معايير استخدام الأسلحة النووية التكتيكية.
ورغم أن تاريخ هذه الملفات يعود إلى 10 سنوات وأكثر، إلا أن الخبراء يزعمون أنها لا تزال تعكس العقيدة العسكرية الروسية الحالية، وتكشف أن عتبة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية أقل مما تعترف به روسيا علنًا، وفقا لما أكده الخبراء الذين راجعوا الوثائق وتحققوا منها.
والأسلحة النووية التكتيكية الروسية، هي الأسلحة التي يمكن إطلاقها عن طريق الصواريخ البرية أو البحرية أو من الطائرات، وهي مصممة للاستخدام المحدود في ساحة المعركة في أوروبا وآسيا.
ورغم أنها تختلف عن الأسلحة "الاستراتيجية" الأكبر حجما المصممة لاستهداف الولايات المتحدة، إلا أن قدراتها تظل أكبر بكثير من الأسلحة التي ألقيت على ناكازاكي وهيروشيما في عام 1945.
العتبة
تشير الوثائق المسربة إلى أن عتبة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية تحددها مجموعة من العوامل بما في ذلك هبوط العدو على الأراضي الروسية، أو هزيمة الوحدات المسؤولة عن تأمين المناطق الحدودية، أو هجوم وشيك للعدو باستخدام الأسلحة التقليدية.
وتعتمد هذه العتبة على كون الخسائر التي تكبدتها القوات الروسية "ستؤدي بشكل لا رجعة فيه إلى فشلها في وقف عدوان كبير من العدو"، وهو "وضع حرج لأمن الدولة في روسيا".
وتشمل المعايير المحتملة الأخرى تدمير 20% من غواصات الصواريخ الباليستية الاستراتيجية الروسية، أو 30% من غواصاتها الهجومية التي تعمل بالطاقة النووية، أو ثلاثة طرادات أو أكثر، أو ثلاثة مطارات، أو توجيه ضربة متزامنة لمراكز القيادة الساحلية الرئيسية والاحتياطية.
كما تتضمن -أيضا- رغبة الجيش الروسي في تحقيق مجموعة واسعة من الأهداف؛ مثل: احتواء الدول، ووقف العدوان، ومنع القوات الروسية من خسارة المعارك أو الأراضي، وجعل البحرية الروسية "أكثر فعالية".
والعام الماضي، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن العقيدة النووية الروسية تسمح بعتبتين محتملتين لاستخدام الأسلحة النووية هما "الانتقام من ضربة نووية أولى" و"تعرض وجود روسيا كدولة للتهديد حتى لو باستخدام الأسلحة التقليدية".
لكنه اعتبر أنه من غير المرجح تحقق أي من الشرطين ورفض في ذلك الوقت دعوات المتشددين لخفض هذه العتبة.
"إثارة الخوف"
في حين يتمتع بوتين بالسلطة الوحيدة لشن ضربة نووية أولى، فإن عتبة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية بحسب الوثائق يتوافق مع مبدأ يشير إليه بعض المراقبين في الغرب على أنه "التصعيد من أجل وقف التصعيد" الذي يمكن موسكو من استخدام هذه الأسلحة لمنع تورط الجيش في حرب مترامية الأطراف، خاصة تلك التي قد تتدخل فيها الولايات المتحدة.
وباستخدام ما تسميه "إثارة الخوف"، تسعى موسكو إلى إنهاء الصراع بشروطها الخاصة من خلال إحداث صدمة لدى العدو عن طريق الاستخدام المبكر لسلاح نووي صغير أو الوصول إلى تسوية عبر التهديد بالقيام بذلك.
وزعم المسؤولون الأوكرانيون أن تهديدات بوتين النووية كانت السبب وراء عدم تسليح الولايات المتحدة وحلفاء آخرين لكييف بشكل أكثر حسما في بداية الصراع، عندما كان يمكن أن تؤدي أسلحة حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى تحويل الدفة لصالح كييف.
وقال ألكسندر غابويف، مدير مركز "كارنيغي روسيا أوراسيا" في برلين إن "هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها وثائق مثل هذه منشورة في المجال العام".
وأضاف أنها "تظهر أن العتبة التشغيلية لاستخدام الأسلحة النووية منخفضة جدًا إذا لم يكن من الممكن تحقيق النتيجة المرجوة من خلال الوسائل التقليدية".
الصين
كما تكشف الوثائق عن خطط دفاعية تظهر شكوكا عميقة تجاه الصين بين النخبة الأمنية في موسكو حتى رغم التحالف مع بكين والذي تضمن في وقت مبكر من عام 2001 اتفاقية عدم الضربة النووية الأولى.
وعلى مدار السنين، عملت روسيا والصين على تعميق شراكتهما، خاصة منذ تولي شي جين بينغ السلطة عام 2012، كما عززت حرب أوكرانيا العلاقات بينهما؛ فوفرت بكين شريان حياة اقتصاديًا لمساعدة روسيا على مواجهة العقوبات الغربية.
لكن الوثائق تكشف عن تدريبات بالمنطقة العسكرية الشرقية الروسية على سيناريوهات متعددة تصور «الغزو» الصيني تشير إلى أن موسكو تعتبر ترسانتها النووية حجر الزاوية في سياستها الدفاعية، حيث تدرب قواتها لتكون قادرة على تنفيذ ضربة نووية أولى في بعض الظروف.
وفي إحدى التدريبات حول هجوم افتراضي صيني يمكن لروسيا التي أطلق عليها "الاتحاد الشمالي" أن ترد بضربة نووية تكتيكية من أجل منع "الجنوب" من التقدم بموجة ثانية من القوات الغازية.
من جانبها، نفت وزارة الخارجية الصينية وجود أي أساس للاشتباه في موسكو، فقال متحدث باسم الوزارة إن "معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون بين الصين وروسيا أرست بشكل قانوني مفهوم الصداقة الأبدية وعدم العداء بين البلدين".
وقال ويليام ألبيرك، مدير الاستراتيجية والتكنولوجيا والحد من الأسلحة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن روسيا لا تزال تتصرف وفقا لنظرية استخدام الأسلحة النووية المنصوص عليها في الوثائق.
وأضاف: "لم نر إعادة تفكير جوهرية"، مشيرا إلى أن موسكو ربما تشعر بالقلق من سعي الصين للاستفادة من تشتيت انتباه موسكو "لإخراج الروس من آسيا الوسطى".