بعد سعر صرف جديد للدولار.. هل ينجح مصرف لبنان في لجم السوداء؟
تتجه الأنظار في لبنان إلى ما قد يسفر عن"منصة صيرفة" سيطلقها "المركزي"، بعد أن حدد اليوم سعر الصرف الذي سيعتمده عبرها بـ12 ألف ليرة.
في خطوة تهدف إلى تهدئة السوق السوداء الذي يتحكم بسعر صرف الدولار في لبنان أعلن المصرف المركزي اليوم الخميس، عن تحديد سعر صرف بيع الدولار في ما يعرف بـ "منصة صيرفة" التي يتم التعاون بموجبها مع المصارف والصرافين، بـ 12 ألف ليرة لبنانية لبيع الدولار الأمريكي، من دون أن يكشف عن موعد محدد لانطلاق العمل بها حتى الساعة.
وفي بيان له اليوم، قال البنك المركزي أنه سيقوم بعمليات بيع للدولار الأمريكي للمصارف المشاركة على "منصة صيرفة" بسعر 12,000 ليرة للدولار الواحد".
- المركزي اللبناني يطلق نظاما جديدا لصرف العملات الأجنبية.. بكم يبيع الدولار؟
- سعر الدولار في لبنان اليوم الأربعاء 19 مايو 2021.. صعود مستمر
وأوضح "المركزي" أنه "استنادا إلى ما تقدم، يطلب من المشاركين الراغبين بتسجيل جميع الطلبات على المنصة اعتبارا من نهار الجمعة 21 مايو/أيار 2021 وحتى نهار الثلاثاء 25 مايو، أيار 2021، شرط تسديد المبلغ المطلوب عند تسجيل الطلب بالليرة اللبنانية نقدا.
ولفت إلى أنه سيتم تسوية هذه العمليات نهار الخميس الواقع في 27 مايو/أيار 2021 على أن تدفع الدولارات الأمريكية لدى المصارف المراسلة حصرا".
وبذلك بات في لبنان أسعار صرف متعددة، فهي إضافة إلى السعر الرسمي الذي لا يزال معمولا به في المؤسسات الرسمية والمحدد بـ1507 ليرات للدولار الواحد، هناك سعر الصرف في المصارف المعمول به منذ أشهر وهو 3990 ليرة، إضافة إلى سعر السوق السوداء الذي بات ينعكس على تفاصيل الحياة اليومية للمواطن اللبناني والذي سبق أن وصل إلى 15 ألف ليرة قبل أن يعود إلى ما بين الـ12500 و 13 ألفا.
وبعدما كان "المركزي" أعلن أن "المنصة" ستشمل المصارف والصرافين على حد سواء فإن تحديد سعر الصرف عبر بيانه اليوم الخميس، كان يقتصر على المصارف فقط، على أن تتضح آلية التعاون مع الصرافين في وفت لاحق. وهو ما لفت إليه نقيب الصيارفة السابق في لبنان محمود مراد لـ"العين الاخبارية"، قائلا: "بدأنا العمل والتدريب كصرافين، مع المصرف المركزي قبل أسابيع للتعاون على كيفية العمل على المنصة لكن حتى الآن العملية بالنسبة إلينا ليست واضحة بشكل نهائي ولم يعلن عن موعد محدد لإطلاق العمل بها".
من جهته، يدعو كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس في لبنان نسيب جبريل، لعدم رفع سقف التوقعات غير الواقعية من نتائج عمل "المنصة" كما أن "المركزي" لا يملك عصا سحرية لإعادة سعر صرف الدولار إلى ما كان عليه سابقا، وفق تعبيره.
ويقول جبريل لـ "العين الاخبارية" إن هناك ثلاثة أهداف من "المنصة" وهي لجم تدهور سعر الصرف بالسوق السوداء وتحويل التداول بالدولار من السوق السوداء إلى المنصة قدر الإمكان إضافة إلى إضفاء شفافية على معاملات شراء الدولار عبر المنصة من خلال المعلومات والمستندات التي تقدمها كل جهة أو شخص لتوضيح أسباب شراء العملة الخضراء وليتم بعدها الموافقة على طلبه".
مع العلم أن المصارف ستؤمن عمليات الصيرفة لعملائها على ألا يتعدى الهامش بين عمليتي الشراء والبيع نسبة 1% من سعر الشراء، وهو ما سبق لمصرف لبنان أن أعلنه في تعميم سابق له.
ومع تأكيده على ضرورة النظر بواقعية إلى عمل وأهداف المنصة، التي لا يمكنها أن تعيد سعر الصرف الرسمي إلى ما كان عليه والذي كان محددا بـ 1500 ليرة ولا يزال معتمدا في المؤسسات والدوائر الرسمية، يؤكد جبريل أن المركزي بهذه الخطوة يحاول سد الفراغ والمسؤولية التي تقع على عاتق السلطة السياسية لتهدئة السوق.
وشدد على أن المطلوب هو برنامج اصلاحي متكامل مع صندوق النقد الدولي يهدف إلى إعادة ضخ رؤوس الأموال والعملة الأجنبية في السوق اللبناني ضمنه العمل على توحيد سعر صرف الدولار ووضع حد لما يحصل في السوق السوداء.
وعن تحديد "المركزي" سعر الصرف بـ 12 ألف ليرة، يرى جبريل أن السعر مقبولا لا سيما مقارنة مع السوق السوداء الذي قارب اليوم الـ13 ألف ليرة، مذكرا بتعميم المصرف الذي سبق أن حدد الهامش بين عملتي الشراء والبيع بـ 1%.
وفيما كانت وسائل إعلام لبنانية، قد أشارت إلى أن المنصة أطلقت يوم الإثنين وصدرت انتقادات لـ"المركزي" بتأجيل الإطلاق مرات عدة، أكد جبريل أن "المركزي" كان قد أعلن عن مشروع "المنصة" لكنه لم يحدد موعد إطلاقها حتى الساعة وبالتالي لم يتم التأجيل، إنما طلب من المصارف والصرافين الانضمام إليها وهو ما حصل، وحتى الآن لا تزال في طور التجارب للعمل عليها تمهيدا لإطلاقها.
وعن المعلومات التي تشير إلى ربط موعد إطلاقها بقرار رفع الدعم عن المواد الغذائية والاستهلاكية التي تكلف "المركزي"حوالي 600 مليون دولار سنويا بحيث يتم توظيفها عندها في المنصة، اعتبر جبريل أن هذا الأمر كله من باب التكهنات و"المركزي" سبق له أن أكد أنه سيستمر بدعم المواد إلى حين اتخاذ الحكومة قرار وقفه.
ويعاني لبنان منذ أكثر من سنة من أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه، تترافق مع شلل سياسي تام يعيق تشكيل حكومة ويحدّ من قدرة السلطة على تقديم حد أدنى من الخدمات للمواطنين بعدما بات الحد الأدنى للأجور يقارب الـ50 دولارا أمريكيا.
والنزيف مرشح للاستمرار. فمن شأن نفاد احتياطي المصرف المركزي بالدولار الذي يُستخدم بشكل رئيسي لدعم استيراد القمح والمحروقات والأدوية، أن يجعل الدولة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات، وهو ما جعل الحكومة تعمل على خطة لرفع الدعم مقابل منح بطاقات تمويلية للعائلات الفقيرة.
ويؤخذ على مصرف لبنان استمراره في طبع الليرات ما يفاقم، وفق محللين، التضخم المفرط أساساً، عوضاً عن اتخاذ إجراءات حاسمة للجم التدهور وإعادة بناء ثقة المودعين بالمصارف وجذب الأموال من الخارج وتوحيد سعر الصرف.
وربط المجتمع الدولي تقديم أي دعم بتشكيل حكومة مصغرة ومن اختصاصيين تنكب على تطبيق إصلاحات بنيوية. لكنّ المساعدات الدولية وحدها لا تكفي نظراً لحجم الخسائر المالية المتراكمة.
وحذّر صندوق النقد الدولي لبنان من أنه لن يكون للانهيار سقف، من دون إصلاحات هيكلية. ووصلت مفاوضات بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد إلى طريق مسدود بسبب عجز لبنان عن الالتزام بإصلاحات لإقرار خطة دعم من الصندوق وعن تقديم أرقام مالية ذات مصداقية.