إعلام لبنان في مرحلة "التصفية".. المجانية
الجسم الإعلامي والصحافي اللبناني يمر بمرحلة بالغة الدقة، بعد الأزمات المتتالية التي تتعرض لها كل المؤسسات المحلية العاملة في البلاد
انتحر الصحافي نصري عكاوي في العام 2013، في إحدى ضواحي مدينة بيروت. رمى نفسه من شرفة منزله بعد أن أمضى أربعة عقود يعمل في مهنة المتاعب، وبعد أن أمضى سنواته الأخيرة، يحاول تحصيل حقه المالي من صحيفة "البيرق" التي أغلقت، ولم تدفع التعويضات لمستحقيها.
لم يجد عكاوي، من يحميه أو من يدافع عن حقه، لا نقابة، خصوصاً أن مالك الصحيفة، كان النقيب السابق للمحررين ملحم كرم، وما يزال الواقع منذ العام 2013 ينتقل من سيء الى أسوأ، في مهنة بدأت بالأفول لبنانياً كما دولياً، لكن من دون أي حماية للصحافيين لا من الدولة ولا من النقابات التي من المفترض أن تدافع عن حقوقهم، بدل أن تدفعهم إلى الانتحار.
يمر الجسم الإعلامي والصحافي اللبناني بمرحلة بالغة الدقة، بعد الأزمات المتتالية التي تتعرض لها كل المؤسسات المحلية العاملة في البلاد منذ عشرات السنوات، لم تستثن الأزمة حتى المؤسسات العريقة، مثل "السفير" و"النهار"، ولا المحسوبة على التيارات السياسية مثل صحيفة "المستقبل" المحسوبة على تيار "المستقبل"، وصحيفة "الأخبار" المقربة من "حزب الله".
جديد الأزمة التي بدأت قبل سنوات، كان في إعلان عدد من الموظفين في صحيفة المستقبل" (50) مع بداية الأسبوع الحالي عن تلقيهم قرار صرفهم تعسفياً، على الرغم من غياب الاستقرار الوظيفي طوال الفترة الماضية، التي ناهزت العام والنصف، نتيجة عدم انتظام دفع رواتبهم، بسبب الأزمة المالية الكبيرة التي طرأت على تيار "المستقبل" ورئيسه الرئيس سعد الحريري.
وأفاد أحد المصروفين، الذي رفض الكشف عن اسمه خوفاً على مستحقاته، أن الإدارة لم تحدد موعداً لدفع كامل التعويضات (12 شهراً للعاملين منذ أكثر من 10 سنوات، و6 أشهر للعاملين منذ أقل من 10 سنوات)، وهو ما أثار بلبلة كبيرة بين صفوفهم، خصوصاً أن "الإدارة لم تكن على علم بأي تفصيل يتخطى تحديد قيمة التعويضات".
وفي معلومات خاصة تبين أن الصحيفة التي تأسست في العام 1999 لمواكبة مسيرة رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، تتحضر لمرحلة ثانية من الصرف، على أن تتم قبل نهاية العام الحالي، وتتضمن 50 اسماً أيضاً ليبلغ العدد الإجمالي الـ100، ويصل عدد أسرة التحريري والإدارة إلى 65 فقط.
وفيما يتحفّظ الموظفون كما الإدارة عن التصريح، لم تأت هذه الخطوة يتيمة إذ سبقها إجراء مماثل على صعيد إدارات تيار "المستقبل"، وعلم أن المرحلة الثالثة ستحط في تلفزيون "المستقبل" إذ يتوقع أن يتم صرف عشرات الموظفين، خصوصاً أن عدداً كبيراً يقبض رواتب خيالية، وبعضا آخر لا يداوم منذ سنوات.
من ناحية أخرى فقد استنكر عدد من الزملاء الصحافيين هذه الحادثة المأساوية بحق زملاء لهم، لا سيّما أن معظم المؤسسات الإعلامية باتت تعتمد هذا الأسلوب التعسفي في صرف المحررين والصحافيين، مع العلم أن هناك قانونا مهنيا في نقابة المحررين يفرض على النقابة مساعدة أي صحافي نقابي يتم صرفه تعسفاً، إن كان عن طريق تأمين وظيفة بديلة له أو عن طريق دفع التعويضات. ولكن هذا القانون ينام في أدراج النقابة كما القوانين الأخرى التي تأتي في صالح المحرر.
بالتزامن، تبلّغ نحو 14 صحافياً في صحيفة الأخبار، صرفهم تعسفياً، لأسباب "مالية" و"خاصة"، كما أفاد عدد من المصروفين. وعلم أن المصروفين يعملون في أقسام التحرير، والمجتمع، والتدقيق اللغوي، وفي الموقع الإلكتروني.
وتركت هذا التطورات واقعاً بائساً على صعيد الجسم الإعلامي والصحافي في لبنان، خصوصاً في ظل غياب أن حماية قانونية لهم، وتحديداً من النقابات العاملة في لبنان، والتي لم تنجح في السنوات الماضية في تطوير نفسها، وتتعرض كل فترة لحملة من قبل الصحافيين، للمطالبة بالإصلاح.
وأطلق الصحافيون في لبنان "هاشتاغ" انتشر على مواقع التواصل الاجتماعية #توحدوا، #لا_لصرف_الصحافيين_تعسفيا، رأوا فيه أن "الصحافة في لبنان تتعرض لحملة إبادة، والصحافيين يصرفون تعسفياً من دون أي حماية وأي ضمانة لاستمرارية عملهم. الأمان الوظيفي يندثر، والمؤسسات تسلب حقوق الصحافيين والموظفين ولا من يسأل. أين نقابتنا؟ أين التضامن الصحافي؟".
من جهتها تقول الزميلة فاطمة حوحو لـ"العين" إن النقابة غائبة كلياً عن السمع منذ عقود طويلة، ومقصرة، وحتى خلال الأزمة الأخيرة لم يصدر عنها أي بيان، لتطمين الزملاء، والتأكيد على دورها المفترض في حماية الصحافين، لكنها في الحقيقة لا تزال رديفا لنقابة أصحاب الصحف، وتعمل لتحقيق مصالحهم وليس مصالح الصحافيين. وتلفت حوحو إلى أن أزمة الصحافة المكتوبة ليست حكراً على لبنان بل طالت كل دول العالم، لكن الفرق في لبنان هو غياب النقابة، وتستشهد بتونس والمغرب حيث تلعب النقابات دوراً بارزاً. وتشير حوحو إلى أن غياب النقابة والعَوَز يجعل الصحافي في لبنان مكشوفاً ولا قدرة له على الاستمرار كما يرهن ذلك حريته، ويحوله إلى صحافي تابع.