فاجعة بيروت تمتحن الأمهات.. لحظات عصيبة بين الولادة والموت
حينما تتصادف آلام الولادة مع اللحظات العصيبة لوقوع الانفجار المروع، فهذا يعني أن الألم مضاعف، يختلط بلحظات الرعب والقلق.
في الوقت الذي فقدت فيه عشرات الأمهات اللبنانيات أبنائهن نتيجة الانفجار المروع الذي ضرب مرفأ بيروت، الثلاثاء، كانت أمهات أخريات على موعد مع آلام من نوع آخر هي آلام المخاض لاستقبال أطفالهن الجدد.
حينما تتصادف آلام الولادة مع اللحظات العصيبة لوقوع الانفجار، فهذا يعني أن الألم مضاعف، يختلط بلحظات الرعب والقلق، في لحظة يفترض أن تكون من أجمل لحظات الحياة بالنسبة للأمهات.
وشاء القدر أن تكون إيمانويل خنيصر إحدى هؤلاء الأمهات، بعد أن استقبلت مولودها جورج لحظة حدوث الانفجار، ونجحت مع زوجها إدمون في تجاوز الأزمة ووصول المولود بسلام.
لكن في المقابل شكل استشهاد حمد مدحت العطار خسارة لا تعوض لوالدته التي لا تزال تعيش الصدمة وتدعو من صميم قلبها على كل من يقف وراء الانفجار، وهي التي باتت عبارتها التي كانت ترددها عند بحثها عن فلذة كبدها قائلة "ابني حلو وعيناه عسليتان.. هل شاهدتموه؟" على كل لسان في لبنان.
وعن تجربتها تقول إيمانويل في حديث لـ"العين الإخبارية": "هي لحظات فريدة لم تكن في الحسبان أبدا، وسيبقى تاريخ 4 أغسطس/آب محفورا في ذاكرتي وذاكرة زوجي والحمد لله اليوم أنا وعائلتي بصحة جيدة" .
وأضفت "كان زوجي يرغب بتوثيق لحظة ولادة طفله، وبدأ في تصوير دخولي إلى غرفة الولادة داخل مستشفى القديس جاورجيوس في الأشرفية – بيروت"، وتشرح: "وضعت طفلي على ضوء الهاتف، الانفجار وقع مع بداية عملية الولادة وتسبب بقطع التيار الكهربائي وكسر زجاج النوافذ وأثار الرعب لدينا ولدى الطاقم الطبي".
ولادة في ظل الحطام والدمار
في هذه اللحظات بدأ إدمون يصرخ ولولا ذكاء الطبيب وسرعة البديهة لديه لما كنت وطفلي على قيد الحياة، وفور ولادتي قضيت يومين في مستشفى أبوجودة في جل الديب (المتن الشمالي) بهدف المحافظة على صحتي وصحة طفلي جورج.
ولا تنسى إيمانويل مشهد المصابين الذين رأتهم أثناء نزولها على الدرج بناء على قرار الفريق الطبي خوفا من حدوث أي طارئ في المصعد الكهربائي بعد الانفجار.
وتقول " كانوا يبكون ويصرخون في بهو المستشفى الذي غطاه الحطام والدمار، كانوا بحاجة إلى المساعدة.. أصوات الاستغاثة والبكاء والنحيب تأتينا من كل مكان".
بدوره يشدد إدمون على أن الفضل الكبير كان للقدرة الإلهية في إنقاذنا، وثانيا للفريق الطبي المشرف على الولادة، مستذكرا "للوهلة الأولى ظننت أن الانفجار داخل المستشفى. تغيرت معالم الغرفة فجأة، توقفت عن التصوير لأرى بعض أعضاء الفريق الطبي قد أصيب وسط زجاج متناثر ودمار أصاب غرفة الولادة وباقي أقسام المستشفى".
وتابع: "خفنا من البقاء بمفردنا، لكن الفريق الطبي وعلى رأسه طبيب التوليد البروفيسور إيلي إنستبيادس رفضوا الاستسلام واستعادوا المبادرة وراحوا ينفضون الغبار عن زوجتي تمهيدا للولادة".
ولادة على الطريقة البدائية
وهنا يقول إدمون "أصر إنستبيادس على انتقال الجميع إلى الغرفة المجاورة لاستكمال الولادة، وقام بتزويدها بالتجهيزات التي تعمل على البطارية بعد أن أشعل مصباح هاتفه المحمول لإتمام العملية، وعلى الرغم من فقدان الأدوية وجهاز القلب، أكمل الفريق الطبي عمله لمساعدتها على وضع مولودها بسلام".
العناية بالأم ومولودها استكملت في هذه اللحظات بانضمام عدد من الأطباء الإضافيين بهدف الاطمئنان على صحة جورج ووالديه.
وأكد إدمون "كما أنني لا أنسى كل من ساعدنا للانتقال إلى مستشفى أخرى، فالناس لبعض، أناس لا نعرفهم قاموا بمساعدتنا".
وتابع "ولادة زوجتي حصلت بالطريقة البدائية بشكل اضطراري، لم ندرك حجم وهول الانفجار عند حدوثه ولا طبيعته، ظننا أننا نحن فقط المتأثرين به، كنا داخل غرفة العملية كنا بعيدين عن كل تفاصيل ما يحصل في الخارج".
الذهول انتاب إدمون وزوجته لما رأوه على الطريق، وكلما تقدموا بضعة أمتار بسيارة الإسعاف كانت تواجههم مشكلة أكبر، ليردد عندها بعفوية "الله يساعد العالم".
خسارة أم لابنها لا تعوض
وفي بلدة شعث البقاعية يستوقفك عمق الالم والوجع الذي يعتصر قلوب عائلة الشهيد حمد مدحت العطار وخصوصا والدته التي فجعت بالخبر.
وتقول في حديث لـ"العين الإخبارية": نفتخر بشهادته ونرفع رأسنا بها، لكن ما ذنبه وذنب وعائلته التي تيتمت وفقدت عمودها الفقري؟ وما ذنب الشهداء والجرحى جميعا؟ جرحنا كبير وقلوبنا تبكيه.. خسارتنا كبيرة ولا تعوض.
أما شقيقه آدم فيلفت إلى أنه عند لحظة وقوع الانفجار سارع العشرات من عائلة الشهيد العطار إلى مستشفيات العاصمة والشمال والجنوب والبقاع بحثا عنه، وهو اتجه نحو مكان محيط الانفجار على أمل الحصول على خبر عنه، ووجدوه بالفعل ضمن ضحايا الانفجار.
العطار، الذي يبلغ 28 عاما، يعمل في المرفأ كسائق منذ عدة سنوات ليتمكن من إعالة زوجته وطفلتيه، واقع محزن يدفع بشقيقه إلى القول "ثأرنا عند كل مسؤول عن هذا الانفجار من دون استثناء، ألم الفراق صعب ومريرة".