هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى احتمال تورط حزب الله أو مسؤوليته عن هذه الكارثة .
الانفجار الضخم الذي هز العاصمة اللبنانية بيروت الأسبوع الماضي وخلف أكثر من 150 ضحية وما يزيد عن خمسة آلاف مصاب وألحق دماراً واسعاً بهذه المدينة، وصفه محافظها بأنه أشبه بما خلفته قنبلتا هيروشيما وناجازاكي النوويتين. هذا الانفجار لم يكن الأول ولن يكون الأخير في سلسلة المآسي التي يشهدها لبنان إذا استمر اختطافه من قبل جماعة حزب الله، أو إذا استمر غياب الدولة القادرة على فرض سلطتها على كافة ربوع هذا البلد وموارده وتوظيفها لخدمة شعبه، وليس لخدمة مشروعات إقليمية مشبوهة وأجندات طائفية ضيقة.
أصابع الاتهام حول سبب هذه الكارثة التي أدمت قلوب اللبنانيين ومحبي لبنان كثيرة، بعضها تشير إلى منظومة الفساد والإهمال وسوء الإدارة المستشرية في هذا البلد، وبعضها الآخر يشير إلى التركيبة الطائفية المعقدة التي تحكم معادلة الحكم والسياسة في لبنان، والتي تجعل الولاءات الطائفية مقدمة على المصلحة الوطنية العليا، وبعضها يشير إلى سوء الإدارة الذي جعل الأجهزة المسؤولة عن مرفأ بيروت تتغاضى طيلة أكثر من سبع سنوات عن وجود أكثر من 2700 طن من مادة خطرة مثل نترات الأمونيوم في مستودعات المرفأ دون احتياطات كافية للسلامة، وبعضها يشير صراحة وضمناً، إلى حزب الله اللبناني، الذي يفرض سطوته على الدولة اللبنانية ويختطف قرارها وإرادتها بقوة السلاح والتهديد.
وبصرف النظر عن ماهية المسؤول الحقيقي والفاعل المتسبب في هذه الكارثة التي أحلت بلبنان وشعبه، والتي قد تظهرها نتائج التحقيق وقد لا تظهرها، فإن الواضح للقاصي والداني، هو أن كوارث لبنان ومآسيه تعود إلى عاملين مترابطين، الأول هو غلبة الاعتبارات الطائفية الضيقة على ما دونها من اعتبارات، والثاني وهو الأهم يتمثل في هيمنة حزب الله الإرهابي على مفاصل هذا البلد واختطاف قراره وإرادته، وهو ما يجعل كثير من اللبنانيين يشككون في مصداقية نتائج التحقيق وقدرة سلطات التحقيق على كشف حقيقة المتورطين فيه إذا كانوا ينتمون إلى هذا الحزب أو ممن يرتبطون به.
هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى احتمال تورط حزب الله أو مسؤوليته عن هذه الكارثة سواء بشكل مباشر (إحداث التفجير بشكل متعمد أو عن طريق الخطأ كما يشير البعض)، أو بشكل غير مباشر (من خلال دوره في إضعاف سلطة الدولة اللبنانية وفرض وصايته عليها). من ذلك ما يشير إليه البعض حول سيطرة الحزب على الكثير من مستودعات المرفأ وقيامه بتخزين أسلحة ومتفجرات فيها، والشبهات الكثيرة المحيطة بكيفية وصول شحنة هذه المواد إلى لبنان وبقائها طيلة هذه الفترة، رغم تأكيد المسؤولين عن المرفأ والجمارك أنهم رفعوا تقارير عدة أكدوا فيها خطر استمرار وجود هذه المادة، ما يشير إلى احتمال أن تكون هناك جهة نافذة منعت تنفيذ هذه التوصيات وأبقت هذه المواد التي كانت السلطات على دراية تامة بخطرها في المستودعات حتى انفجرت بهذا الشكل المدمر، والبحث عن هذه الجهة لن يأخذنا بعيداً عن حزب الله وجماعته، ولاسيما أن تاريخ الحزب يشير إلى أنه مهتم بالحصول على هذه المواد التي انفجرت في المرفأ، بل وسبق أن تم اعتقال عدد من عناصره بتهمة تهريبها والمتاجرة فيها.
توقيت الانفجار أيضاً ينطوي على دلالة لافتة للنظر، فهذه الكارثة وقعت قبل يومين فقط من إعلان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، وهو الحكم الذي كان سينزع آخر أوراق التوت عن الحزب وإرهابه، ولذلك لا يُستبعد أن يكون ما جرى في مرفأ بيروت هو جزء من خطة لعرقلة صدور هذا الحكم والنطق به. وتاريخ الحزب يشير إلى أنه على استعداد لتدمير لبنان والزج به في مغامرات مدمرة كلما وجد نفسه في مأزق.
وأياً كان المسؤول عن الكارثة التي أحلت بلبنان وشعبه وعاصمته الجميلة، فإن المؤكد هو أن خلاص لبنان وشعبه وخروجه من هذه السلسلة متصلة الحلقات من الكوارث والمآسي، لن يكون إلا من خلال استعادة سلطة الدولة وتقويتها وإنهاء الطائفية المقيتة المتجذرة فيها، والتخلص من سطوة الميليشيات الطائفية، ولاسيما ميليشيا حزب الله التي تفرض وصايتها على الدولة والشعب اللبناني بقوة السلاح والإرهاب. وبدون ذلك سيظل هذا البلد العربي الجميل عرضة لكوارث مستمرة قد تكون أخطر مستقبلاً بسبب المغامرات غير المحسوبة لهذا الحزب الطائفي وسياساته التي لا تخدم سوى أجندات من يتبع لهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة