الحوار الخاص الذي أدلى به الرئيس اللبناني جوزيف عون لـ"قناة العربية"، يمكن وصفه بأنه عبارة عن "خارطة طريق" للخروج ببلاده من حالة الاختطاف السياسي الإيراني الذي امتد لأكثر من 3 عقود حيث كان حزب الله هو من يتحكم بقرار السلم والحرب وبتوجيهات إيرانية.
الرئيس جوزيف عون لم يكن رومانسياً في إجاباته، وإنما كان مسايراً للتحولات السياسية التي تحدث على أرض الواقع في المنطقة والعالم ومنها تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة.
رغم أن النظام الإيراني نفسه لم يستوعب بعد ما حدث له من انتكاسات داخلية وخارجية، أقلها فقدان مصداقيته في كونه "زعيم المقاومة في المنطقة". هذا غير حالة الاستنزاف لمقدرات الشعب الإيراني من أجل مقامرات سياسية خاسرة أثبتتها الوقائع السياسية وأكدتها مراجعات للقوى الإصلاحية الإيرانية الأسبوع الماضي من ضمنهم الرئيس الأسبق حسن روحاني لحال إيران بعد الهجوم الإسرائيلي في يونيو الماضي.
"كل نقاش تحت سقف الدولة"، العبارة التي كانت محورا أساسيا وكررها الرئيس جوزيف عون في كلامه المسؤول خلال المقابلة مساء الأحد.
فإيران إذا أرادت أن تساعد لبنان كدولة صديقة ينبغي أن تكون هذه المساعدة من خلال القنوات الرسمية للدولة اللبنانية، أما عن قرار حصر سلاح حزب الله فهو قرار لبناني وليس إيرانيا، هكذا قال الرئيس اللبناني. فكأن الرئيس عون بذلك يرفض إقحام إيران نفسها في الشأن اللبناني وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان.
وفي الوقت نفسه يقدم الرئيس جوزيف عون نصيحة (غير مباشرة) للنظام الإيراني بأن التدخل من خلال رفض حصر سلاح حزب الله، كمن يرتكب حسابات استراتيجية خاطئة في لحظة دولية تاريخية حساسة جداً.
فقرار سحب السلاح ناتج من الإرادة الوطنية اللبنانية، ويجد دعماً من الإرادة الإقليمية التي عانت من فوضى المليشيات المنتشرة في المنطقة. وهذه الإرادة الوطنية تسندها قوى دولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي فالتدخل الإيراني كأنه إشارة لرفض طهران للمساعي السلمية العالمية وبذلك يضع الإيرانيون أنفسهم أمام مسؤولية دولية في وقت بات الحديث فيه عاليا ومرتفعا عن احتمالية عودة الحرب الإسرائيلية ضد إيران، وعن احتمال إعادة تطبيق العقوبات الاقتصادية الأوروبية على إيران فيما يعرف بـ"سناب باك".
إن قرار الحكومة اللبنانية الذي صدر في 31 يوليو الماضي بشأن حصر السلاح في يد الدولة كان بالإمكان أن يكون حدثاً وطنياً لبنانياً حتى مع وجود تهديدات زعيم حزب الله الجديد نعيم قاسم بنشوب حرب أهلية، وكان له أن يمر كغيره من التحديات التي تواجه الدول في العالم لجماعات سياسية لها مصالحها الخاصة على حساب الدولة لكن موقف النظام الإيراني من القرار اللبناني ورفضه لهم وإرسال الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني يشير إلى أن إيران لديها قدرة غريبة في ارتكاب حسابات خاطئة ليس مع الجوار الجغرافي لها ولكن كذلك مع الأصدقاء في العالم وعلى رأسهم الأوروبيون خاصة فرنسا وروسيا وبهذه الحسابات تدفع إيران بعدوها التاريخي إسرائيل لاستغلال الفرصة للقيام بهجمات مدمرة للمنطقة ومن هذه الفرص ما نراه من تداعيات لحسابات خاطئة قامت بها إحدى المليشيات المحسوبة على إيران في أكتوبر 2023.
ختم الرئيس عون حديثه بنقطة مهمة بأن "الصراعات أنهكت لبنان، والطائفة الشيعية مكون أساسي ولا خوف على أي طائفة". معروف عن لبنان أنه بلد متعدد الطوائف تقريباً 14 طائفة وهم متعايشون بسلام ومتصالحين مع بعضهم. والمنطق السياسي يقول إن "توحد البيت" وتلاحمت مكوناته فهو لا يخدم الأجندات الخارجية وهذا المنطق هو ما يفسر لنا هرولة المسؤولين الإيرانيين لدعم ميليشيات طائفية موالية لها سواءً في العراق ولبنان.
الهرولة تشير إلى وجود أمر تحاول طهران إخفاءه لكنه لم يعد ممكناً. فهناك ربكة إيرانية واضحة وقلقاً من مصير النظام داخلياً وخارجياً أيضاً على اعتبار أن الاستثمار في السلاح النووي وفي الأذرع الأمنية في المنطقة لم يساعد النظام في حماية نفسه وحلفائه من كارثة دمرت كل شيء في لحظات قليلة، وبالتالي لم يعد خطاب النظام الإيراني محل ثقة.
لقد جاء التركيز على إيران في حوار الرئيس جوزيف عون -الذي تطرق إلى العديد من الملفات- باعتبار أن التدخل الإيراني من خلال حزب الله هو العقبة الأكبر في مستقبل عودة الدولة اللبنانية لممارسة سيادتها الوطنية، وباعتبار أن الإيرانيين لم يدركوا حالة الصعود للخطاب الوطني في الدول العربية والتي ترفض التدخل في شؤون بلدانها. ويحسب للرئيس جوزيف في هذا الحوار أنه خاطب الإيرانيين بالشفافية المسؤولة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة