في عالم السياسة، من الطبيعي أن تتقاطع المصالح بين الحكومات، وأن تنشأ الخلافات أو حتى النزاعات المؤقتة.
فالعلاقات الدولية ليست خطًا مستقيمًا دائم الود، بل هي ساحة متغيرة تحكمها المصالح الوطنية، والتحالفات الإقليمية، والتحولات الاقتصادية، والأحداث الطارئة. هذه الخلافات قد تُحلّ على طاولة المفاوضات، أو عبر القنوات الدبلوماسية، أو حتى مع مرور الزمن وتغيّر الظروف.
لكن الخطر الأكبر يبدأ عندما تنتقل هذه الخلافات من مستوى النخبة السياسية إلى وجدان الشعوب. فحين يتحول الخلاف السياسي إلى عداء شعبي، تصبح عملية رأب الصدع معقدة وطويلة، لأن الشعوب تحتفظ بالذاكرة الجمعية أطول بكثير من عمر الحكومات أو المسؤولين. قد تتغير السياسات، وقد يُوقَّع اتفاق جديد، لكن أثر الكلمة المسيئة أو الموقف العدائي الشعبي يبقى حاضرًا في الوعي العام، يتوارثه الجيل عن الجيل.
لماذا لا يجب زجّ الشعوب في الخلافات السياسية؟
- السياسة متقلبة، أما الشعوب فتعيش في ظل النتائج
قد تتغير الحكومات أو توجهاتها، لكن الشعب يظل متأثرًا بمشاعر الكراهية أو الحقد التي زرعتها تلك الخلافات.
- المصالح المشتركة أوسع من الخلافات
مهما كانت حدة الصراع، ستظل هناك روابط ثقافية، ودينية، واقتصادية، وإنسانية تربط الشعوب ببعضها.
- الإعلام وتأجيج العداء
حين تُستغل وسائل الإعلام أو منصات التواصل لنشر خطاب الكراهية، يتحول الخلاف السياسي إلى معركة هوية، وهي الأخطر على المدى البعيد.
- الخسائر المعنوية أكبر من المكاسب السياسية
قد يكسب طرف سياسي موقفًا آنيًا من خلال تعبئة الرأي العام ضد شعب آخر، لكنه يخسر على المدى الطويل فرص التعاون والتقارب.
- الدبلوماسية الحكيمة تحمي الشعوب
القادة والحكومات الواعية تدرك أن الخلافات أمر وارد، لكنها تعمل على إبقاء الحوار مفتوحًا، وتجنّب شيطنة الشعوب أو الإساءة إلى ثقافاتهم وقيمهم. فالتاريخ مليء بأمثلة دول كانت على خلاف شديد، ثم أصبحت حليفة أو شريكة في مشاريع تنموية، لكن ذلك لم يكن ليحدث لو أن العداء الشعبي رسّخ الحواجز النفسية.
الخلاصة
السياسة يمكن أن تتقاطع وتختلف، لكن الشعوب لا يجب أن تكون وقود الخلافات. إذا حافظت الحكومات على احترام متبادل بين شعوبها، حتى في ظل النزاعات، فإن باب المصالحة يظل مفتوحًا دائمًا. أما إذا سُيّست مشاعر الناس، فإن جراح الكراهية قد تحتاج عقودًا لتلتئم، وربما لا تلتئم أبدًا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة