بالتأكيد ستكون لهذا الحكم ارتدادات سياسية في لبنان لاسيما على العلاقة بين تيار المستقبل وحزب الله.
بعد مرور أكثر من 15 عاماً على جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، وبعد مخاض طويل من التحقيقات الدولية في القضية، ثم جلسات المحكمة والاستماع إلى الشهود، نطقت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أخيراً بالحكم، ووصفت الجريمة بالإرهابية التي نفذت لأهداف سياسية، وكانت المفاجأة أنها أدانت فقط سليم عياش أحد قادة ميليشيا حزب الله.
هذه النتيجة التي كانت معروفة ليس من قبل أنصار الحريري وحدهم، بل ربما من العالم بأجمعه، خيّبت آمال الكثيرين، فرغم أن التفاصيل المرافقة لحيثيات الحكم جاءت كلها لتؤكد تنفيذ الاغتيال من أحد عناصر ميليشيا حزب الله الإرهابي، للتخلّص من هذه الشخصية الفذة والاستثنائية التي مرّت بتاريخ لبنان، إلا أن قانون إنشاء المحكمة ينص على محاكمة أفراد وليس محاكمة أنظمة أو أحزاب.
بالتأكيد ستكون لهذا الحكم ارتدادات سياسية في لبنان لاسيما على العلاقة بين تيار المستقبل وحزب الله، التي شهدت على مدى السنوات الماضية عملية "ربط نزاع"، لا تزال مستمرة حتى اليوم رغم خروج سعد الحريري من السلطة.
الحريري الذي حرص في السنوات الأخيرة على الفصل بين قضية اغتيال والده والتعاطي مع الشأن السياسي في لبنان، طالب من لاهاي عقب صدور الحكم بتنفيذ العدالة بوضوح، وأنه على حزب الله التعاون وتسليم المتهم عياش بعد ثبوت إدانته من المحكمة، وذلك يعني أن الحريري يسعى إلى تخطي هذا القرار ولن يتجه إلى الاستثمار السياسي فيه، في حال قام حزب الله بتسليم عياش للعدالة. ولكن حزب الله الذي سبق له أن رفض المحكمة منذ طلب إقامتها، واعتبر أي حكم بإدانة أي من مسؤوليه باطلاً، يرفض الأمر، وذلك متوقع حيث لا أحد في لبنان يستطيع أن يجبره على فعل ذلك، فالحزب موجود بالسلطة كقوة استبدادية وليس كالأحزاب الديمقراطية الأخرى، وهو يعدّ فوق الدولة ويتحكم بها.
حكم المحكمة الذي فرح به أنصار تنظيم حزب الله وأطلقوا بمناسبته الرصاص في الهواء هو إدانة قانونية للحزب لن يستطيع الإفلات من التعامل معها، وستكون له تبعاته المؤثرة على الحزب، خاصة وأنه يتقاطع مع مناخ دولي مضاد للحزب لأنه امتداد للدور التخريبي لإيران في المنطقة والعالم، وأيضاً بعد اتهامه بمسؤوليته عن كارثة انفجار بيروت، وسيغذي القناعة بضرورة فرض مزيد من الضغوط على إيران وحزب الله. وهذا يعني أن فرص مساعدة لبنان ستبقى ضئيلة وضعيفة رغم معاناته من تداعيات قاسية بعد انفجار بيروت وأزمة اقتصادية خانقة.
المشكلة في لبنان أن هناك من يعتقد أن الدولة لن تترك لمثل هذا المصير. والحقيقة أن العالم قادر على احتمال انهيار هذا البلد الصغير، وثم إعادته من دون علة نصر الله وحزبه. ووحدهم اللبنانيون سيدفعون أنفسهم وأحلامهم ومستقبلهم ثمن المشروع الإيراني لحزب الله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة