الدول المانحة التي اجتمعت لتساعد لبنان كانت تبحث عن آليات مناسبة لإيصال المساعدات إلى الشعب اللبناني لكن ليس عبر حكومته المستقيلة.
تساؤل مهم يدور في الأذهان بعد انفجار بيروت وبدء توافد المساعدات الدولية إلى لبنان، هذا السؤال يقول: لماذا يصر الجميع من دول ومنظمات على أن من يتلقى المساعدات الخارجية التي سوف تصل إلى لبنان هو الشعب اللبناني وليس حكومته..؟، في الحقيقة لم يتفاجأ أحد بهذا التوجه وخاصة أن مؤشرات انحسار الثقة بين الحكومة والشعب ليست جديدة في هذا البلد الذي يعاني من الأزمات المتراكمة سياسيا واقتصاديا.
لقد عبّرت هذه الأزمة عن نفسها من خلال توسع في الصورة السياسية للحكومة اللبنانية المستقيلة مؤخرا، والتي بدأت تعاني بالفعل من هوة كبيرة في مستوى الثقة بينها وبين الآخرين، فحتى الدول المانحة التي اجتمعت لتساعد لبنان كانت تبحث عن آليات مناسبة لإيصال المساعدات إلى الشعب اللبناني لكن ليس عبر حكومته المستقيلة، هذا المفهوم يحولنا إلى ثلاثة مسارات مهمة، الأول يدور حول مستقبل هذه الدولة بعد استقالة هذه الحكومة ومدى القدرة على استدراك الأزمة، وخاصة أن هناك اعترافا شبه دولي بضعف مستوى الثقة بالساسة اللبنانيين، ثانيا هناك فرصة كبيرة لتنامي مستوى الاحتجاجات في لبنان مما قد يؤدى إلى تهاوي أسس الدولة اللبنانية ويفتح أزمة خطيرة قد تهدد الاستقرار في هذا البلد.
ثالثا: التواصل الدولي مع الشعب اللبناني في أزمة إيصال المساعدات هو اعتراف صريح بأن ما لا يثق به الشعب اللبناني يجب ألا يكون موثوقا على المستوى الدولي، وهنا لابد من الإشارة إلى أن التجربة السياسة اللبنانية طويلة مع أزماتها، مما سمح للحكومات اللبنانية التي أتت فيما بعد الحرب الأهلية، بتطوير الكثير من السياسات التي قد تمكنها من التغلب على التحديات من خلال مواجهات متكررة لذات السبب، ولكن يعود السؤال مرة أخرى حول قدرة الشعب اللبناني اليوم على إحداث تغييرات جذرية في مساره السياسي.
الأزمة القائمة والتي تعتبر شديدة الظهور في المشهد الدولي هي أزمة ثقة يمكنها أن تتطور إلى تحولات حاسمة في المشهد اللبناني، ولكن ذلك ليس مضمونا، وخاصة إذا ما بقيت عناصر الأزمة في لبنان دون مساس، وخاصة قضية حزب الله وتأثيراته الكبرى في المشهد اللبناني، فهذا الحزب يصنف بأنه موازٍ للحكومة وليس جزءا منها، مما يجعله قادراً على إحداث تغييرات مفاجئة ومعطلة للمشروعات الحكومية.
الفعل الجماهيري في لبنان اليوم مهم جدا للحصول على نتيجة نهائية، وكذلك المواقف الدولية، كونها تشكل المسار الداعم للبنان وشعبه، لا أحد يريد الضرر للبنان، ولكن لابد من فهم سياسي دقيق لأولئك الذين نزلوا إلى الشوارع وطالبوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعدم الثقة بحكومتهم وسياسييهم، وأن المانحين لن يسلموهم تلك المساعدات، الشعب اللبناني يدرك اليوم وبوضوح أن النظام السياسي الحالي هو المشكلة وليس الحل، وأن اهتزاز الثقة المتصاعد من الأسفل إلى الأعلى بين أركان الدولة والشعب، يحمل ذات الصورة التي بدا عليها الانفجار في بيروت، والذي يمكن أن يتكرر ولكن بصيغة ثورة شعبية حاسمة تعيد الثقة بلبنان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة