إعلان وزير الخارجية التركي من بيروت قبل أيام عن نية بلاده بمنح الجنسية لكلّ لبناني يعلن أنه تركي أو تركماني.
استقالت الحكومة اللبنانية التي يقودها حسّان دياب قبل يومين إثر ضغوطٍ شعبية، ولكن تحمل أزمة لبنان التي تلت تفجير مرفأ عاصمتها الكثير من المفاجئات، خاصة وأن أطرافا إقليمية عدّة تحاول مدّ نفوذها أكثر في هذا البلد عبر بوابة المساعدات الإنسانية، وإرسال كبار مسؤوليها لزيارة العاصمة بيروت فيما يبدو نكايةً بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقد حملت زيارة الرئيس الفرنسي إلى بيروت الأسبوع الماضي بعد مرور أقل من 48 ساعة على التفجير الذي ضرب مرفأها 4 اغسطس/آب الحالي، رسائل واضحة إلى الشعب اللبناني ورئيسه وحكومته المستقيلة والتي لم تنل مع كبار مسؤوليها، اهتمام الضيف القادم من باريس.
الرسالة الأولى كانت اجتماعية وسياسية في آنٍ واحد، فماكرون هو الرئيس الأول الذي يزور مرفأ بيروت المدمّر إثر التفجير الهائل والضخم الذي ضربه قبل أكثر من أسبوع. وهو أيضاً الرئيس الوحيد الذي تفقّد المدينة المنكوبة والتقى أهلها فوق أطنانٍ من الزجاج المحطّم في شوارعها، وهو أمرٌ لم يسبقه إليه الرؤساء الثلاث في لبنان كرئيس الجمهورية ورئيسا مجلس الوزراء والنواب رغم أنه كان عليهم القيام بهذه المهمة قبل الآخرين.
وربّما لهذا السبب قال ماكرون في كلمته من بيروت بعد جولته تلك إن "الأزمة في لبنان سياسية وأخلاقية"، وكأنه أراد أن يسأل الرؤساء الثلاث معاً: "أين هي أخلاقكم؟ وأين أنتم مما يحصل؟"، لكنه خاطبهم بلغةٍ دبلوماسية بحتّة بعيدة عن لغة الشارع وحملت المعنى ذاته.
كانت هذه الرسالة الأولى من الرئيس الفرنسي وعبّر من خلالها عن تضامنه الشخصي وبلاده مع المتضررين من تفجير المرفأ، قبل أن يعلن في رسالته الثانية انتهاء صلاحية الرئاسات الثلاثة الحالية، فقد خاطبها حرفياً بالقول إن "هذا التفجير يجب أن يكون بداية لعهدٍ جديد"، وهذا يعني أن "العهد القوي" الذي يمثله الرئيس ميشيل عون، عليه أن ينتهي.
إن ماكرون باشر بالفعل الخطوة الأولى لإنهاء هذا "العهد القوي"، فهو رفض التعامل أو التنسيق مع الحكومة المستقيلة، لا سيما وأنها تمثل الواجهة السياسية لحزب الله بطريقة أو أخرى، ناهيك عن أنها امتداد لفسادٍ سابق وحالي. ونتيجة هذين السبيين أعلن ماكرون للناس الذين قابلهم في أحياء بيروت المتضررة من التفجير، أن المساعدات ستصل إليهم مباشرة ولن تمرّ عبر الجهات الحكومية التي لا يثق بها اللبنانيون.
لذلك من واجب الأطراف الأخرى الدولية والعربية اليوم، مساعدة الرئيس الفرنسي في إنهاء الأزمة السياسية اللبنانية، لتدخل البلاد بعد ذلك مرحلة جديدة خالية من الفساد، وهو أمر لا يجب أن يغيب عنه الطرف العربي أبداً، خاصة وأن جهاتٍ أخرى مثل إيران ومعها تركيا سوف تحاولان استغلال التفجير للتعمق أكثر في الأزمة اللبنانية من بوابة المساعدات الإنسانية، لكن الأهداف الباطنية من وراء ذلك ستكون حتماً سياسية وعسكرية.
ونتيجة ذلك، المهمة الواقعة الآن على عاتق مجمل الأطراف التي تود مساعدة لبنان عن حق، صعبة ومعقدة، ولأنها كذلك يجب على هذه الأطراف الدولية والعربية، مراقبة المساعدات التي تصل إلى بيروت، فالتجارب السابقة تؤكد أنها لن تصل لمستحقيها إن استلمتها الحكومة.
كما أنه يجب على هذه الأطراف، التنسيق أكثر مع فرنسا التي تربطها علاقات وطيدة مع لبنان، لينجم عن ذلك حل شامل لكلّ أزماته الراهنة السياسية والعسكرية والخدمية، خاصة وأن ماكرون حطّم أقفال العقوبات الاقتصادية المفروضة على لبنان بزيارته، فعدم حصول أو تأخير الحلّ الأممي للأزمة الحالية، سيترك الساحة اللبنانية مفتوحة أمام طهران وأنقرة في بلدٍ من الممكن أن يشهد حرباً في أيّة لحظة.
إن إعلان وزير الخارجية التركي من بيروت قبل أيام عن نية بلاده بمنح الجنسية لكلّ لبناني يعلن أنه تركي أو تركماني، تطوّرٌ كبير يعيد إلى الأذهان بداية محاولات أنقرة لاحتلال أراضٍ سورية، فقد سبق ذلك منح الجنسية التركية لشخصياتٍ معارضة ومن ثم بدأت تلك الشخصيات السورية/التركية تطالبها بالتدخّل العسكري وهو ما حصل مراراً.
التجربة التركية في سوريا وجارتها العراق وبعدها ليبيا وغيرها من دول المنطقة، لا تُشجع أبداً، فمساعداتها الإنسانية إلى سوريا كانت "مفخخة" وهي عبارة عن أسلحة وذخائر وصلت للإرهابيين. واعتقلت أنقرة عشرات الصحافيين من جريدة "جمهورييت" حين نشروا تقاريرهم عن هذه الواقعة. وهناك من يقبع منهم في السجن إلى اليوم.
وعليه من واجب الرقيب العربي والدولي اليوم مراقبة المساعدات التركية وكذلك الإيرانية التي تصل إلى لبنان، فكلتا الدولتين تسعيان لمدّ نفوذهما أكثر على الخارطة اللبنانية، وهو أمر يجب ألا يحصل خاصة إذا ما نظرنا إلى ما آلت إليه الأوضاع في سوريا والعراق في السنوات الأخيرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة