بدأت الحكاية يوم الجمعة 24 يناير الفائت، حين تعرض لبنان لعدد من الهزات: واحدة أرضية وثلاث سياسية
مقابلة واحدة على "TRTWorld"، ظهور في الاتحاد الأوروبي، وأيام قليلة، قبل أن يصير نجماً في مكافحة الفساد، ابنُ مدينة طرابلس، الثري اللبناني عمر حرفوش، الآتي من أوكرانيا وفرنسا، ومن عالم الفنّ والجمال، هو وشقيقه وليد.
إنّ "مسؤولين فاسدين" باتوا تحت مقصلة المحاسبة الأمريكية، في لائحة قد يختلط فيها السياسي بالمالي، وقد يصعب التمييز داخلها بين أسباب الفساد وأسبباب ترتبط بـ"إغضاب" الأمريكيين. ما يعود بنا دائماً إلى حلقة السياسة المفرغة في لبنان
بدأت الحكاية يوم الجمعة 24 يناير/كانون الثاني الفائت، حين تعرّض لبنان لعدد من الهزّات: واحدة أرضية وثلاث سياسية.
شعر اللبنانيون بهزّة ارتدادية نتيجة زلزال ضرب تركيا، لكنّ قليلين شعروا بهزّات ارتدادية نتيجة زلازل ضربت العمق السياسي اللبناني، خلال 24 ساعة، بين ليل الخميس 23 وليل الجمعة 24 منه: زلزال سياسي، وآخر ماليّ عن عقوبات أمريكية ستلاحق فساد "مسؤولين ورجال أعمال"، وثالث إعلامي أعلن تحرّك الاتحاد الأوروبي للتدقيق في "أموال أوروبية" يُشتبه في أنّها "منهوبة" في لبنان.
عازف البيانو والناشط اللبناني عمر حرفوش، في مقابلة مع موقع"TRT" ، ربط الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي باحتمال "سرقة 50 مليون دولار" ضمن "مشروع مزيّف لإدارة النفايات". وبعد نفيين صدرا من مكتبي الرئيسين، فإنّ النائب الفرنسي تييري مارياني، المتخصّص في ملاحقة ملفات الفساد، حمل القضية وتوجّه بها إلى الاتحاد الأوروبي، وضمّها إلى تحقيق هدفه ملاحقة "اختلاس" أموال الاتحاد الأوروبي في لبنان.
حرفوش قال في مقابلة مع قناة "الجديد" اللبنانية مساء 25 يناير/كانون الثاني الجاري أنّه وصل قبل ساعات إلى لبنان يرافقه وفد أوروبي، على رأسه القاضي شارل براتس، وهو "من أشهر قضاة فرنسا الذين يلاحقون الأموال الفاسدة" حول العالم. وبراتس حاضر يوم الأحد في بيروت بعنوان "مكافحة الفساد والتهرّب الضريبي واسترداد الأموال المنهوبة". وهو قاضٍ متخصّص في محاربة الاحتيال الضريبي وتحويل المال العام.
ماذا يعني هذا؟
هذا يعني أنّ "الفساد اللبناني" بات على طاولة الاتحاد الأروبي، لمحاولة استعادة أموال أوروبية دُفِعَت سابقاً في مشاريع باتت "مشبوهة" اليوم، هذا حتّى قبل الانتقال إلى الحديث عن "مساعدات"، وعن إمكانية تقديمها إلى لبنان في المستقبل.
أما الهزّة السياسية فتعود جذورها إلى الأسابيع الأولى من ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول، حين بدا لكثيرين أنّ الأمريكيين والأوروبيين، سفراءً في لبنان، ومسؤولين في بلادهم، تردّدوا أمام تحدّي دعم الثورة اللبنانية. واشتُبِهَ على كثيرين، من خلال اجتماعات مكثّفة بين السفراء المعنيين، والوزراء والنواب اللبنانيين، أنّ "الغرب" ربّما يقف خلف السلطة. قبل أن تخرج مواقف غربية واضحة، أمريكية وأوروبية، تدعو الجيش والقوى الأمنية إلى حماية المتظاهرين، بعد مررور أسابيع من انفجار الثورة.
في الأيام الأخيرة تغيّر المشهد كليّاً، ودخل الأمريكيون والأوروبيون منعطفاً جديداً.
"مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان" أصدرت بياناً ليل الخميس أعلنت بوضوح ربط "المساعدات" بـ"الإصلاحات ومكافحة الفساد والتهرّب الضريبي"،. هذا معروف حتّى الآن. لكنّ الجديد ربط المساعدات بـ"نزع سلاح جميع المجموعات المسلّحة في لبنان حتّى لا تكون هناك أسلحة أو سلطة في لبنان سوى تلك التابعة للدولة اللبنانية.. بناءً على ما تضمنه الدستور اللبناني واتفاق الطائف".
هذه المجموعة تضمّ "الأمم المتحدة وحكومات الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الروسي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية". إذاً يمكن اعتبارها مجموعة تضمّ "العالم" كلّه، المعني بمنطقة الشرق الأوسط، وبلبنان تحديداً. وفي ربطها المساعدات بـ"نزع سلاح المليشيات"، فهي تتحدث عن حزب الله، دون تسميته، وفي هذا تطوّر سياسي كبير أمام الحكومة الجديدة ورئيسها حسّان دياب.
الزلزال الثالث، هو ما نشره موقع "المدن" اللبناني، نقلاً عن "أوساط مصرفية وسياسية"، كشفت "عزم الإدارة الأمريكية فرض عقوبات نوعية على عدد من الوزراء السابقين والمسؤولين في لبنان، ورجال أعمال ومتعهّدي أشغال تتّهمهم الإدارة بالفساد واستغلال السلطة".
اللافت أنّه من بين الأحرف الأولى للأسماء المنشورة يظهر واضحاً اسم متعهّد كبير قريب من الحريري، ووزيرين قريبين من رئيس الجمهورية ميشال عون، ومصرفيّ عربيّ كبير بات له دور مالي وسياسي متعاظم في لبنان خلال السنوات الأخيرة، وغيرهم من متعهّدين ووزراء سابقين. والعقوبات قد تصل إلى تجميد ممتلكات هؤلاء ومحاصرتهم مالياً حول العالم.
هذه أيضاً سابقة في لبنان، وهي تقول بوضوح إنّ "مسؤولين فاسدين" باتوا تحت مقصلة المحاسبة الأمريكية، في لائحة قد يختلط فيها السياسي بالمالي، وقد يصعب التمييز داخلها بين أسباب الفساد وأسباب ترتبط بـ"إغضاب" الأمريكيين. ما يعود بنا دائماً إلى حلقة السياسة المفرغة في لبنان، التي يدور في داخلها موضوع سلاح حزب الله، واقتراب شخصيات مالية وسياسية من هذا الحزب، بدعم سياسي أو مالي.
ثلاثة زلازل إذاَ: ربطت "مجموعة الدعم"، التي تضمّ "العالم"، المساعدات بـ"الإصلاح" ونزع سلاح "المليشيات"، ورفع ملفّ محاسبة "مسؤولين لبنانيين فاسدين" إلى أعلى سلطتين في الكوكب حالياً، الاتحاد الأوروبي، والقوانين الأمريكية وعقوباتها.
وإذا أضفنا تصريح الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، لموقع "فايس الأمريكي"، وما قاله عن لبنان، نصبح أمام صورة كاملة: "السعودية دعمت لبنان بما يزيد على 5 مليارات دولار في التاريخ القريب، وفي مؤتمر باريس تبرّعت بـ2 مليار دولار"، وأضاف معترضاً: "نحن نرسل السيّاح وإيران ترسل الإرهابيين، نحن نرسل رجال الأعمال، وإيران ترسل المستشارين العسكريين، نحن نبني الفنادق وقطاع السياحة ونخلق فرص العمل، وإيران تخلق الإرهاب".
الصورة قاتمة من جهة، لكنّها مشرقة من جهة أخرى.
بات لبنان على خطّ الزلازل، لكن أيضاً على سكّة حيث أوروبا وأمريكا والعرب وضعوا أيديهم لمحاربة الفاسدين، ولمواجهة تغيير صورة لبنان من عربي مرتبط بالثقافة الأوروبية والأمريكية وحداثتهما، وما توصّلت إليه من قوانين تحمي المواطنين من تغوّل المسؤولين، إلى مشرقي محكوم من نظام الملالي الفارسي، ومفلس إلا من الأسلحة والميل العدواني التدميري التوسّعي، على حساب الشعوب العربية، وحيث السلطات كلّها في أيدي من يملكون السلاح والمليشيا، ومن يعاونهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة