خطابات قادة لبنان تزيد لهيب الاحتجاجات.. وتصاعد الغضب ضد حزب الله
لليوم التاسع على التوالي لم يختلف مشهد الشارع اللبناني المنتفض ضد السلطة رغم أربعة خطابات، وسط غضب شعبي يزداد ضد مليشيا إيران
لم تشفع خطابات القادة اللبنانيين ومبادراتهم الإنقاذية في تهدئة المتظاهرين بالميادين، بل زادت حدة المظاهرات وسط التأكيد على غياب الثقة بالتركيبة السياسية وتصاعد الغضب ضد النفوذ الإيراني في بلادهم عبر مليشيا حزب الله.
ولليوم التاسع على التوالي، لم يختلف مشهد الشارع اللبناني المنتفض ضد السلطة رغم أربعة خطابات بدأت بطلب مهلة لرئيس الحكومة سعد الحريري، ثم كلمة لحسن نصر الله أمين عام مليشيا حزب الله، مرورا بالمبادرة الإصلاحية للحريري، وصولا لخطاب الرئيس اللبناني ميشال عون اعتبرها مراقبون جاءت متأخرة وزادت من سكب زيت الغضب على نيران الاحتجاجات.
تصاعد الغضب ضد إيران
وللمرة الأولى، ترتفع شعارات في احتجاجات تنادي برحيل حزب الله من الحكم، في سابقة تستبطن درجة الغليان التي بلغها الغضب الشعبي من الأوضاع، ومن المسار الذي تصنعه المليشيات الإيرانية للبنانيين.
فأسقطت المظاهرات الشعبية المستمرة منذ أكثر من أسبوع هيمنة حزب الله، المليشيا الإيرانية التي أغرقت البلاد في المحاصصات الطائفية والسياسية.
ولطالما عوّلت طهران على تضخيم الانتماءات المذهبية، من أجل بناء جدران فاصلة بين مكونات الشعب الواحد، بما ييسّر تجييش وتأليب كل مكون ضد الآخر، ويخلق لها ثغرات تعزز من خلالها سيطرتها على القرارات السيادية فيهما.
فمع بلوغ الفساد وتردي المعيشة إلى مستويات قياسية لم يصمد حاجز الشعور المذهبي الذي راكمته طهران عبر أذرعها بالبلدين، فانهار سريعا تحت وطأة وحدة نابعة من صميم الانتماء وحب الوطن، ونبذ التدخلات الخارجية.
مهلة الـ3 أيام
والجمعة الماضية، خرج رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ليطلب منحه مهلة 72 ساعة لتجاوز الأزمة في لبنان، والتوافق على حلول مع الكتل الحكومية، التي لمّح إلى أن بعضها (في إشارة لحزب الله) يرفض تمريرها أو طرح بدائل لها.
لاءات نصر الله تفضح غضبا مكتوما
وبعد أربعة أيام من الاحتجاجات، خرج نصر الله بلغة متعجرفة يرفع 3 لاءات في وجه المتظاهرين: "لا لإسقاط العهد (إسقاط الرئيس ميشال عون)، لا لإسقاط الحكومة، لا لانتخابات نيابية مبكرة".
ولم يكتفِ أمين عام مليشيا حزب الله بالرفض، بل تمادى في تبرير موقفه بأن انتخابات نيابية جديدة ستقود إلى نفس البرلمان الحالي، مستفزا المتظاهرين المطالبين بإسقاط عهد الرئيس ميشال عون، بقوله: "أنتم تضيّعون وقتكم".
وطالب نصر الله "أهل السلطة ومن خارجها" في لبنان بـ"تحمل المسؤولية أمام الوضع الخطير جدا"، مهاجما المسؤولين الذين قرروا الاستقالة أو الانسحاب من حكومة سعد الحريري باعتبارهم "يركبون الموجة".
وحاول نصر الله كذلك القفز بالأزمة اللبنانية إلى الأمام، زاعما أن الوضع المالي والاقتصادي ليس وليد 3 سنوات أو الحكومة الحالية أو هذا العهد، بل إنه تراكم سياسات 30 سنة مرت.
ولعل ما زاد من غضب المتظاهرين، كلمات زعيم المليشيا، وتحديدا حين رد على مطالب المتظاهرين اللبنانيين بحكومة تكنوقراط، قائلا: "لا تستطيع أن تصمد أسبوعين، والقوى السياسية التي تطالب بها هي أول من سيطالب بإسقاطها".
وكتهديد واضح للبنانيين ولمن هم في الشوارع، واصل وعيده بكلماته: "سنواجه فرض ضرائب على الفقراء ولو اقتضى ذلك النزول إلى الشارع، إذا نزل حزب الله إلى الشارع لا يخرج قبل تحقيق مطالبه".
"كلهم يعني كلهم.. نصرالله واحد منهم".. هتافات جاءت ردا على خطاب الأمين العام لمليشيا حزب الله بالإضافة لتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي تحمله شخصيا مسؤولية تردي الأوضاع ومعاناتهم اليومية في سبيل تحصيل قوتهم.
سقطت "المحرمات".. لتفسح المجال للتظاهر في مناطق تعد معاقل رئيسية لحزب الله، وتوجيه انتقادات غير مسبوقة له ولأمينه العام حسن نصر الله.
ففي مواقع الاحتجاجات، وفي أثناء البثّ المباشر لقنوات تلفزيونية محلية، اتهم متظاهرون المليشيا بتوفير الغطاء للفاسدين، وسلب الناس مقدراتهم وسبل تحصيل عيش كريم.
كما شهد العديد من المناطق جنوبي لبنان، الذي يعدّ معقلاً لحزب الله منذ تحريره عام 2000 من الاحتلال الإسرائيلي، مظاهرات غير مسبوقة، خصوصاً في مدن النبطية وبنت جبيل وصور، حيث يحظى حزب الله وحليفته أمل بنفوذ كبير.
وسابقا.. لم يكن مؤيدو الحزب الإرهابي يقبلون أي انتقاد لحزبهم، بل كانوا يسارعون بتوجيه تهمة "العميل" لإسرائيل لكل من يتجرأ على فعل ذلك ولو سرا، حيث كانوا يعولون على خلق صورة كاذبة له باعتباره رمز المقاومة ضد إسرائيل، في مقاربة يحرص من خلالها على تحويل أي معادٍ له إلى مطبع مع "العدو".
لكن احتجاجات "أكتوبر العاصف" استطاعت كسر حاجز الخوف الذي كان مسلطا على اللبنانيين، وأسقط الزعامات السياسية والطائفية.
فيما أكد محللون أن الاستياء من حزب الله ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج بديهي لغضب السنوات الذي اختمر جراء أزمة اقتصادية لا يعبر عنها فقط إفلاس الطبقة الحاكمة بلبنان، بل تنعكس في وجود "دويلة حزب الله" الموالية لإيران داخل الدولة نفسها.
مبادرة الحريري الإنقاذية
والإثنين الماضي، قدم رئيس الوزراء اللبناني ورقة إصلاحية تتضمن إقرار موازنة 2020 بدون أي ضرائب إضافية، مؤكداً دعمه إجراء انتخابات مبكرة.
وقال رئيس الوزراء اللبناني: إن "مطالب الشباب كثيرة ومحقة ومتنوعة، لكن المطلب الذي يحظى بالإجماع هو الكرامة".
وأضاف: "أقررنا موازنة بعجز 0.6% وليس بها أي ضرائب إضافية، اتخذنا إجراءات اقتصادية ضمن موازنة 2020 من بينها تخفيض رواتب الوزراء بنسبة 50%.
وتشمل حزمة "إجراءات الحريري" خفض ألف مليار ليرة من عجز الكهرباء، وإقرار مشروع قانون العفو العام قبل نهاية السنة الحالية.
وتعهد رئيس الوزراء اللبناني بإعداد مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة، وإقرار مشروع قانون العفو العام.
وتابع: "أقررنا قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قبل انقضاء هذا العام، وإلغاء وزارة الإعلام والعديد من الوزارات والمؤسسات غير الضرورية".
واعتبر أن قرارات الحكومة اللبنانية اليوم لن تحقق جميع مطالب الشعب، لكن يمكن اعتبارها مرحلة أولى.
الورقة الإصلاحية للحريري بدت مقنعة لولا توقيتها المتأخر، وفق مراقبين ممن رأوا أن سقف مطالب المحتجين تجاوز مجرد الغضب على الحكومة لتضمينها ضرائب جديدة في موازنة العام المقبل، إلى غليان ينادي بإسقاط الطبقة الحاكمة بشكل عام، التي يهيمن عليها حزب الله وحلفاؤه.
ولم تلق الكلمة قبولا لدى المحتجين بالميادين الذين واصلوا مظاهرهم وطالبوا بـ"تشكيل حكومة إنقاذ مصغرة من اختصاصيين مستقلين لا ينتمون للمنظومة الحاكمة"، على أن تتبنى الخطوات التالية "إجراء انتخابات نيابية مبكرة بناء على قانون انتخابي عادل يضمن صحة التمثيل، وإدارة الأزمة الاقتصادية وإقرار نظام ضريبي عادل".
خطاب عون
وبعد أسبوع من المظاهرات، ألقى الرئيس اللبناني كلمة تحدث خلالها عن عراقيل كثيرة أمام طريق الإصلاح، وطلب تعاون الحكومة ومجلس النواب لتحقيق خطط الإصلاح.
وحول المظاهرات المستمرة في لبنان، قال إن حرية التعبير حق مكفول لكل الشعوب، مشيرا إلى أنه سيلتقي ممثلين عن المتظاهرين "لسماع مطالبهم وعرض مخاوفنا من الانهيار الاقتصادي عليهم".
ولم تكن كلمة الرئيس اللبناني على قدر آمال المتظاهرين، رغم أنها لاقت ترحيبا من بعض السياسيين وعلى رأسهم رئيس الحكومة سعد الحريري.
ولم تتأخر ردة فعل المتظاهرين على كلمة عون بحيث أطلقت فورا الدعوات للاستمرار في التظاهر والتجمع في الساحات رغم سوء الأحوال الجوية وهطول الأمطار.
ورفض المتظاهرون دعوة عون للتفاوض معهم، واعتبروا أن ما جاء على لسانه ليس كافيا، مجددين تمسكهم بالمطالب وأهمها إسقاط الحكومة وتشكيل أخرى مصغرة لإجراء انتخابات نيابية مبكرة.
وبدأ الأسبوع الثاني للاحتجاجات أمس بإضراب شامل وعصيان مدني بمختلف المناطق، رغم قرار الجيش بعدم السماح بقطع الطرقات ما أدى لوقوع صدامات وإصابات.
وعمد المحتجون إلى إغلاق الشوارع بشكل شبه تام، مانعين السيارات من المرور باستثناء الحالات الخاصة.
ورغم هطول الأمطار بات المعتصمون في خيام نصبوها وسط الأوتوستراد وبدأت أعدادهم تتزايد بالميادين مع الإصرار على البقاء في الساحة حتى تحقيق مطالبهم.
aXA6IDMuMjIuNDIuMTg5IA== جزيرة ام اند امز