بعد عريضة "القوات".. هل ينتقل انفجار بيروت إلى "التحقيق الدولي"؟
تتجه الأنظار إلى ما سيؤول إليه التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الكارثي الذي وقع في أغسطس الماضي، وذلك مع العوائق السياسية التي تواجهه والأصوات المطالبة بلجنة تحقيق دولية.
مع كل المستجدات التي رافقت قضية التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت لا سيما تلك المتعلقة بكف يد المحقق العدلي فادي صوان، الأسبوع الماضي، وتعيين بديل عنه نتيجة ضغوط سياسية، عادت وارتفعت الأصوات المطالبة بتحقيق دولي.
وفيما لا يزال المسؤولون في لبنان يتمسكون برفضهم هذا المطلب، وعلى رأسهم الحكومة ورئيس الجمهورية ميشال عون إضافة إلى حزب الله، يطالب أفرقاء لبنانيون بالتوجه للتحقيق الدولي.
وذهب "حزب القوات اللبنانية" قبل يومين، إلى خطوة عملية متقدمة تمثلت بتقديم عريضة إلى الأمم المتحدة بهذا الشأن، وهذا ما أيده به قسم من عائلات ضحايا الانفجار لما يرونه "عدم ثقة" في القضاء، بينما يرفض القسم الآخر هذا الأمر ولا يزال يعوّل على التحقيق المحلي.
ويقول مسؤول الإعلام والتواصل في "حزب القوات" شارل جبور لـ"العين الإخبارية" إن حزبه "لن يكتفي فقط بتقديم العريضة بل سيتابع القضية عبر القنوات المطلوبة مع الأمم المتحدة داخل لبنان وخارجه، وسنوظف كل اتصالاتنا وعلاقاتنا الخارجية بشرح أهمية الموافقة على لجنة التحقيق الدولية".
ومن الناحية القانونية والمسار المطلوب للوصول إلى التحقيق الدولي، يشرح المحامي والباحث في القانون الدستوري جهاد إسماعيل لـ"العين الإخبارية" قائلا "يتخذ التحقيق الدولي أشكالا مختلفة، وذلك تبعا لاختلاف التوصيف القانوني للجريمة أو الحادثة، أما السمة البارزة في التحقيق الدولي فهي عبر لجنة التحقيق الدولية ".
ويضيف "لكن هذه الصلاحية، أي بالاحتكام إلى لجنة التحقيق الدولية، تعود إلى مجلس الأمن الدولي عملاً بأحكام المادة 34 من ميثاق الأمم المتحدة، ويتم الأمر إما بطلب الدولة اللبنانية وذلك عبر قرار صادر عن مجلس الوزراء، وإما بواسطة إحدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وعندها يتخذ المجلس قراراً بتشكيل لجنة تحقيق دولية".
ويتابع: "لكن إذا أُريد إعطاء جريمة المرفأ توصيفا استثنائيا كالجريمة ضد الإنسانية، بحسب ما يذهب إليه البعض، عندئذ فإن المحكمة الجنائية الدولية هي صاحبة الصلاحية".
غير أنه استدرك قائلا: "لكن هذا الأمر لا يمكن أن ينطبق على الحالة اللبنانية، باعتبار أن لبنان ليس عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية التي تتمثل بمعاهدة روما، كما أنه لم يوقّع على نظامها، علاوة على أن مجلس الأمن هو الذي يقرر إحالة القضية لهذه المحكمة بعد توافر شروطها ومقتضياتها"،.
ويعتبر إسماعيل أنه للوصول إلى التحقيق الدولي لابد من العمل على إزالة العراقيل والمعوقات القانونية والإدارية للسير به".
وفيما سبق لرئيس الجمهورية ميشال عون أن اعتبر أن "المطالبة بالتحقيق الدولي هو تضييع للحقيقة، لم تقتصر الدعوات لتشكيل لجنة تحقيق دولية على حزب القوات بل رفعت المطلب نفسه أحزاب أخرى، أبرزها التقدمي الاشتراكي والكتائب إضافة إلى تيار المستقبل.
وفيما شكّك رئيس حزب الكتائب النائب المستقيل، سامي الجميل، في إمكانية الوصول إلى نتيجة في التحقيقات في لبنان، مطالبا بتحقيق دولي، دعا "الاشتراكي" "وكلاء المتضررين بالتفكير الجدي بنقل الدعوى إلى المحكمة الجنائية الدولية لـ"عدم إمكان التوصل إلى أي نتيجة تخدم العدالة والحقيقة في ظل وجود طغمة الفساد الحاكمة".
واستندت عريضة "القوات" إلى الأمم المتحدة لثلاثة أهداف رئيسية، وفق ما أعلن النائب جورج عقيص منذ يومين، بعد لقائه والوفد نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي هي "الحقيقة والعدالة والتعويض".
وجدد عقيص التأكيد على أن ما يريدونه مع عائلات الشهداء الوصول إلى الحقيقة، وعدم الوقوف متفرجين على محاولات طمسها.
ورأى أن اللجوء للأمم المتحدة هو حق قانوني ودستوري كان يتعيّن على الحكومة اللبنانية أن تلجأ إليه، ولكن في ضوء تخلّفها عن ذلك رأى التكتل أن من واجبهم التحرك.
وأوضح أن اللجوء للأمم المتحدة للمطالبة بتشكيل لجنة تقصّي حقائق دولية لا يشكّل على الإطلاق مساساً بالسيادة اللبنانية، معتبرا أن "المساس بالسيادة هو إدخال نيترات الأمونيوم دون رادعٍ وإبقاؤه مخزّناً في المرفأ من دون حسيبٍ أو رقيب، وتدخّل السياسة بسيادة القانون والقضاء".
وتأتي العودة إلى المطالبة بتحقيق دولي نتيجة العوائق السياسية والقضائية التي توضع أمام التحقيق في لبنان وبعد ستة أشهر على وقوع الانفجار من دون أن يعلن أي نتائج عنها بل وصلت إلى حد كف يد المحقق العدلي الذي تسلم القضية منذ وقوع الانفجار وتعيين محقق آخر الأسبوع الماضي.
مع العلم أنه تبيّن بعد وقوع الانفجار أن مسؤولين سابقين وحاليين من الجمارك وإدارة المرفأ والحكومة، كانوا على علم بمخاطر تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم في المرفأ، وهي المادة التي تسببت في الانفجار المميت.
ودفعت هذه المعطيات المحقق العدلي السابق لطلب مثول رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة الوزراء السابقين، وهم وزيرا الأشغال السابقان غازي زعيتر ويوسف فنيانوس ووزير المالية السابق علي حسان خليل، بتهمة "الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وجرح مئات الأشخاص.
لكن عاد صوان وأعلن الشهر الماضي تعليق التحقيقات بعدما طلب زعيتر وخليل نقل الدعوى إلى قاض آخر، لاتهامه القاضي بخرق الدستور لأنهما يتمتعان بحصانة دستورية ويفترض أن تمرّ ملاحقتهم قضائيا، بمجلس النواب أولا، وهو ما لم يحدث.
والخميس الماضي، أعلنت المحكمة التمييزية كف يد صوان عن القضية بزعم عدم الحيادية، حيث تضرر منزله في الانفجار ما قد يؤثر على قراره في التحقيقات، وأعلنت فادي البيطار خلفا له، وهو ما أثار شكوك وارتياب لدى الرأي العام اللبناني والأحزاب المعارضة كما أهالي ضحايا الانفجار من أن تستكمل التدخلات السياسية في القضية وتحول دون الوصول إلى الحقيقة.