"بيت الدين".. صرح ثقافي يوثق تاريخ لبنان
بمهارة العمال اللبنانيين والسوريين وبراعة المصممين الأوروبيين، استمرت عملية بناء القصر 20 عاما
تشييده في منطقة عرفت بـ"إمارة الأمراء" في لبنان، جعلت له طابعا مميزا وتصميما خاصا على مدار عقود من الزمن.
واختلف دوره ثقافيا وسياسيا بحسب تطور الأحداث في لبنان، وتدريجيا أصبح "بيت الدين" معلما أثريا يؤرخ لمراحل مختلفة في حياة اللبنانيين.
"العين الإخبارية" تجولت داخل قصر "بيت الدين" للتعرف على قصته.
قصر الأمراء
تشييد "بيت الدين" في بادئ الأمر كان جزءا من تأسيس عاصمة الأمراء الواقعة على ارتفاع 850م من سطح البحر، ومع مرور الوقت تميز قصر "بيت الدين" بين كل القصور والبيوت المشيدة بالمنطقة.
وعلى مسافة تقدر بنحو 45 كم من مدينة بيروت، وتحديدا في منطقة "بيت الدين" بالشوف جنوب لبنان، وضع الأمير "بشير الثاني الشهابي" حجر أساس القصر، ما منح أيضا المبنى أهمية نظرا لمكانة الشهابي في تاريخ لبنان لحكمه ما يقرب من نصف قرن للمنطقة، فهو ينتمي لسلالة الشهابيين التي حكمت جبل لبنان بداية 1697 حتى 1861.
وبمهارة العمال اللبنانيين والسوريين وبراعة المصممين الأوروبيين، استمرت عملية بناء القصر 20 عاما، نظرا لرغبة الشهابي لجمع معمار بيت الدين بين الطرازين الدمشقي والأوروبي، بالإضافة إلى المعمار اللبناني، ليصبح تحفة معمارية منفردة في التصميم في أوائل القرن الـ19.
وطول مدة حكم الشهابي، كان بيت الدين مقر السلطة الدائم، ومن بعدها تم إغلاقه عقود طويلة.
طراز إيطالي – دمشقي
وبمساحة شاسعة طولها 107م وعرضها 45م تسمى "المبدان" يستقبل بيت الدين زواره بفسيفساء مزخرفة من الرخام الإيطالي، وأبراج مربعة الشكل.
ويضم القصر قاعة واسعة و3 أقسام تحمل مسمياتها القديمة "دار الحريم" و"الدار" الوسطى" و"الدار الخارجية". طوابق وقاعات بيت الدين قسمت لأغراض مختلفة بين تمارين ركوب الخيل وإقامة الاستعراضات والاحتفالات اليومية للمدينة وقتها، إضافة إلى استقبال الضيوف وغرف لسكاني القصر.
وبين هذه الطوابق يوجد متحف للقصر ويضم داخله أواني فخارية وقطع حلي ذهبية وأسلحة ومقتنيات تشير إلى عصور مختلفة في القرنيين الـ19 والـ20.
وعلى جدران قسم "الحرملك" نقشت زخارف ومنقوشات على الطراز الدمشقي وهو يعد أكبر أجنحة وغرف البيت الذي يضم أكثر من 20 غرفة مجهزة بالأثاث الذي يوثق لفترات الرئاسة اللبنانية المختلفة في القرن الماضي.
وتميز القصر التاريخي بمعمار أعمدته وطبيعة الأحجار المستخدمة فيها لتفصل بين الغرفة والأخرى والطوابق أيضا.
مقر رسمي
وعلى مدار تاريخه كانت الحروب والاضطرابات السياسية والحروب عاملا مؤثرا في درجة الاهتمام ببيت الدين.
وانتقل بيت الدين من مركز للسلطة إلى مبنى تحت إدارة فرنسا عقب احتلالها لبنان في الفترة من 1920 إلى 1943.
وحرم اللبنانيون طوال هذه الفترة من التواجد داخل بيت الدين حتى مرحلة استقلال بلادهم في عهد الرئيس بشارة الخوري، رغم تصنيف القصر عام 1934 بناية أثرية.
وسرعان ما أدركت السلطات اللبنانية ضرورة ضم القصر إلى قائمة قصور الرئاسة الجمهورية. ولبعد بيت الدين عن العاصمة اللبنانية تحدد فترة حكم الرئيس اللبناني من القصر في فصل الصيف فقط، حتى أطلق عليه "المقر الصيفي للرئاسة"، إضافة لاستضافة جلسات مجلس الوزراء.
وظل هذا التقليد قائما في بيت الدين في عهد رؤساء لبنان باستثناء إلياس الهراوي وأمين الجميل، وبعد الحرب الأهلية في لبنان التي اندلعت عام 1975 اختفى اسم القصر مجددا من على الساحة السياسية حتى عام 1999 في حكم الرئيس إميل لحود ومن بعده الرئيس ميشال سليمان ثم الرئيس ميشال عون نهاية 2016.
ساحة ثقافية
مرحلة أخرى جديدة مرت على القصر، باستضافة مهرجات فنية وحفلات موسيقية. وربما كان موقعه وسط الجبل ومساحته الواسعة ساهمت أن يصبح مقرا للمهرجانات الدولية في لبنان.
ومع مرور الوقت تحول القصر لمزار سياحي لأهل المنطقة وزوار لبنان، ومهما طرأت خلافات سياسية على الساحة اللبنانية يظل بيت الدين صرحا أثريا عريقا يوثق لقرون ممتدة.