المتظاهرون اللبنانيون مزيج من كل الشرائح والطبقات، المسيسون منهم، والذين ينتمون إلى أحزاب، خرجوا عنها وكفروا بها وبقيادتها
مَن ينتصر في لبنان، غضب الشعب أم الطبقة السياسية الحاكمة؟
مَن ينتصر.. وجع الناس المحرومة أم مصالح تزاوج المال بالسياسة؟
مَن ينتصر.. لبنان الواحد الموحد المضاد للطائفية أم عائلات الطوائف التي تدير المشهد السياسي منذ عام 1943 حتى يومنا هذا؟
مَن ينتصر.. لبنان المدني العابر للطوائف أم لبنان المذهبي القائم على المحاصصة الطائفية؟
الأمر المؤكد، بصرف النظر عن النتائج النهائية لهذا الصراع، أن هناك متغيرات جوهرية غير مسبوقة في "قانون اللعبة" و"معادلات العلاقة بين الحاكم والمحكوم في لبنان" يمكن إجمالها على النحو التالي:
1- أن هناك تراجعاً غير مسبوق عن حصانة الفساد وحماية الطبقة السياسية في البلاد برفع السرية المصرفية عن حساباتهم.
2- أنه تم إنهاء الكثير من الامتيازات المبالغ فيها التي أدت إلى نزيف في موازنة الحكومات المتعاقبة كانت تدخل جيوب الساسة وكبار الموظفين بشكل مبالغ فيه.
ويكفي أن نعرف أن بدل سفر المسؤول الكبير في الحكومة أو الوزير يتعدى 4 أضعاف المسؤول في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. ومن المذهل أن يعلم الناس في لبنان أن رئيس جمهورية أيرلندا -وهي دولة قوية اقتصادياً- زار بيروت مؤخراً على متن طائرة تجارية كراكب في مقعد درجة سياحية، بينما يحصل المسؤول اللبناني على امتيازات غير منطقية لاقتصاد دولة على حافة الإفلاس.
3- التراجع عن أي ضرائب إضافية على المواطنين.
4- إلغاء مجالس هدر تسببت في خسائر بلغت المليارات.
هذا هو وضع النخبة الحاكمة ولكن من هم المتظاهرون؟
إنهم مزيج من كل الشرائح والطبقات، المسيسون منهم، والذين ينتمون إلى أحزاب، خرجوا عنها وكفروا بها وبقيادتها.. إنهم من أصحاب المطالب وأصحاب الأوجاع.
إنهم من العاصمة ومن أطرافها، ومن مدن الشمال ومن الجنوب، من السنة والشيعة، من الموارنة ومن الأرمن، من الدروز بكل فصائلهم.
5- أخطر وأهم متغير في هذا الحدث على الإطلاق هو رفض الجماهير المتظاهرة الوصاية والعبودية للعائلات السياسية وزعامات الأحزاب التقليدية.
6- الخطاب السياسي في لبنان هذه الأيام لأول مرة عابر للطوائف والمذاهب والأحزاب.
7- إدراك النخبة السياسية الحاكمة أن مصداقيتها وصلت عند الناس إلى الصفر وأن قبضتها الحديدية على مصائر البلاد والعباد قد وصلت إلى الحد الأدنى.
8- نهاية الانحيازات المناطقية التقليدية بمعنى أن هذه الحركة كسرت الانحياز المناطقي التقليدي ما بين العاصمة والأطراف، وبين الشمال والجنوب، وبين مناطق الإعمار ومناطق الفقر.
9- لوحظ أنه لأول مرة هناك في مناطق الجنوب ذات الأغلبية الشيعية "تحطيم أصنام" زعامات الثنائية الشيعية، تحديداً لحركتي "أمل" و"حزب الله"، ظهر ذلك في حجم المظاهرات وفي الهتافات وفي التجرؤ على الحرق الكامل لاستراحة زعيم حركة "أمل" في مدينة "صور" وهي معقل تقليدي قوى تاريخياً وكانت مركز قيادة الإمام الغائب موسى الصدر.
10- أصبح كل من ينتمى إلى نادي الخمسة الآن "سياسي حالي وسابق في الحكومة، وفى الرئاسة، وفي المجلس النيابي، في الإدارة العليا، بالإضافة إلى قيادات أحزابهم وطوائفهم" مرفوضاً بشكل كامل من المتظاهرين أن يتولى أي منصب حكومي على أي مستوى من المستويات.
11- أصبح الصراع الآن هو من يتحمل بالضبط وصول الأمور إلى ما وصلت إليه.
هناك من يُحمِّل الرئيس عون وصهره جبران باسيل المسؤولية، وهناك من يحمل رئيس الحكومة لأنه صمت على محاولات التعطيل الممنهجة التي استمرت خلال السنوات الـ3 ضده.
وهناك من يحمل مجلس النواب والـ128 نائباً مسؤولية عدم قيامهم بدورهم الأساسي في الرقابة والتشريع.
وهناك من يتهم الثنائية الشيعية بالعمل على أجندة سورية إيرانية لتعطيل الأوضاع في لبنان.
الأغلبية الكاسحة من الرأي العام تتهم الجميع، وأعني الجميع، ولا يتم استثناء أي منهم، المذنب فيهم والضحية، الشريف والفاسد، الكفء والفاشل، وتحملهم المسؤولية.
هذا هو وضع النخبة الحاكمة ولكن من هم المتظاهرون؟
إنهم مزيج من كل الشرائح والطبقات، المسيسون منهم، والذين ينتمون إلى أحزاب، خرجوا عنها وكفروا بها وبقيادتها.. إنهم من أصحاب المطالب وأصحاب الأوجاع.
إنهم من العاصمة ومن أطرافها، ومن مدن الشمال ومن الجنوب، من السنة والشيعة، من الموارنة ومن الأرمن، من الدروز بكل فصائلهم.
إحصاء عام 2017، حسب تقدير الخارجية الأمريكية، بلغ تعداد سكان لبنان المقيمين 6 ملايين ومائتي ألف نسمة، 61٪ منهم في الفئة العمرية ما بين 15 عاماً و54 عاماً.
الذين وُجدوا في الميادين من تلاميذ المدارس تبلغ نسبتهم 14٪، والشيوخ الذين يزيدون على 65 عاماً وما فوق 7٪.
منذ أن تأسس لبنان في نوفمبر 1943 حتى الآن، ورغم مرور 71 حكومة على لبنان الحديث، فإن الحكومة رقم 72 التي يرأسها سعد الحريري هي أكثر الحكومات التي تعرضت لعناصر تفجير من داخلها وخارجها، محلياً وإقليمياً.
هذه الحكومة الآن لا تواجه أزمة سياسية تقليدية لكنها تواجه حركة مطلبية فقدت صبرها، وتسدد فاتورة تاريخية مسؤولة عن بعض منها وأخرى متراكمة منذ عام 1992.
ذلك كله يضع الصراع بين الحراك الشعبي والقوى التقليدية على المحك الخطر.
إذا تم رفض الإصلاحات من ناحية المتظاهرين، وإذا استمرت القوى التقليدية تدير الأمور وكأن شيئاً جوهرياً لم يتغير بعد، فإن ذلك يقود حتماً إلى فوضى.
ذلك يتم في وقت ظهر فيه سياسي واحد ظهر أمس مع المتظاهرين هو النائب الحالي والعميد المتقاعد "شامل روكوز" الذي يحظى بشعبية في الشارع والجيش، وهو قائد معركة "عرسال" وزوج كلودين ميشيل عون.
هنا يأتي السؤال: هل الجيش يصبح هو الحل في حالة الفوضى؟
غداً نجيب عن السؤال.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة