كل ذلك يجعلنا اليوم أمام كارثة حقيقية محتملة لا تنأى بنفسها عن أحد إذا ما حلت، بدءا من الفرد اللبناني وصولا إلى الدول الكبرى
لا تقاس أهمية الدول والبلدان بصغر الحجم وضيق الحدود أو البعد المكاني، ففي عصر العولمة والانفتاح العالمي سواء على المستوى الرسمي أو المستوى الفردي والفعاليات الاقتصادية أصبح لكل بلد خصوصية وأهمية منفردة عن غيره من البلدان، وعلى المستوى العالمي عدا عن كون هذه الأهمية تقاس بمقياس آخر وأهمية أكبر على المستوى الإقليمي، وعلى ضوء ذلك ونظراً للاضطراب الحاصل في الشرق الأوسط عامة تصبح الأهمية الاستراتيجية في الحفاظ على أمن لبنان واستقراره ضرورة عالمية، بالإضافة إلى كونه ضرورة إقليمية ملحة مما يوجب على العالم عامة وعلى دول الإقليم على وجه الخصوص والشعب اللبناني وساسته تحديداً العمل بجدية على إخراج لبنان من أزمته والحيلولة دون انفجار الوضع، لما له من عواقب كارثية، الأمر الذي يتطلب من كل طرف أن يضطلع بمسؤولياته قبل أن تحل الكارثة, والتي تتوزع على شكل هرمي نبدؤه من القاعدة حتى الرأس:
كل ذلك يجعلنا اليوم أمام كارثة حقيقية محتملة لا تنأى بنفسها عن أحد إذا ما حلت، بدءاً من الفرد اللبناني وصولاً إلى الدول الكبرى، وهذا يحتم على الجميع اليوم العمل بجدية للحيلولة دون انفجار الوضع في لبنان
أولاً: مسؤولية الشعب اللبناني: لا ينكر ناظرٌ بعين الحق شرعية مطالب الشعوب بتحسين أوضاعها، بدءاً من المعيشية وانتهاء بالسياسية والسعي من أجل النهوض بالبلاد، كما لا ينكر عاقلٌ ما يعتري الواقع اللبناني من فساد وتجاذب للسياسات الخارجية ومحاصصة طائفية وتفرد بالسلطة على مستوى الأحزاب والتيارات السياسية وزعمائها، الأمر الذي جعل الواقع السياسي في لبنان هشاً، لدرجة أنه إذا انتهت الولاية الدستورية للحكومة أو حلت لسبب ما فإن تشكيلها يصبح معضلة وأزمة, واقع ضاق به اللبنانيون ذرعاً لما نجم عنه من فساد وتذبذب في السياسة من أجل المصالح الحزبية على حساب لبنان وشعبه حتى بلغ السيل الزبى، ولم يجد المواطن اللبناني بداً من النزول إلى الشارع والمطالبة بكف يد الفاسدين وتحميل المسؤولية لكل التيارات دون استثناء وبطريقة عفوية جعلت الحراك يتسم بالفردية، على الرغم من الالتفاف الجماهيري غير المسبوق ولكنه يبقى فردياً ما لم ينظّم بورقة جماهيرية موحدة.
كما وحدت الهتافات والمطالبات الشرعية ورقة جعل الحراك منظماً وفاعلاً ومؤثراً لتحقيق المطالب الشعبية، بما يضمن عدم التحول إلى أزمة معطلة للبلاد كما يضمن ذلك التنظيم الابتعاد عن ردود الأفعال الآنية، التي قد تغير المشهد بلحظة واحدة ينزلق بها الحراك من المطالب المحقة بطريقة سلمية مشروعة إلى العنف والحرب الأهلية التي إن وقعت ستكون كارثة تتطلب عقوداً من الزمن لتلتئم جراحها. كما ينبغي على التيارات السياسية وزعمائها التحلي بالشجاعة والوطنية الكافيتين للوقوف وجهاً لوجه أمام المطالب الجماهيرية المحقة والانصياع لها، وعدم المساومة على تهميش الحراك ودفعه إلى التصعيد، وذلك بإدراك حساسية المرحلة والتعامل بمنطقية أمام الحشود الثائرة التي لا يمكن مجابهتها إلا بالترفع عن المصالح السياسية والحزبية لصالح المصلحة الوطنية والشعبية اللبنانية وتلبية ما انتفض الشعب لأجله.
على المستوى الإقليمي: تعد منطقة الشرق الأوسط منطقة ملتهبة نظراً لاضطراب الأوضاع السياسية والإقليمية في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا وما تعانيه من صراعات داخلية وحروب أهلية وتضارب للسياسات الخارجية المحركة لها، عدا عن العلاقات المتوترة بين دول الإقليم الأخرى مع محيطها العربي ومع السياسة الدولية، كما هو الحال في تركيا وإيران، مما يجعل أي توتر جديد أو انهيار لاستقرار دولة أخرى قد يكون القشة التي تقصم ظهر البعير، فتتحول المنطقة إلى بركان ثائر يصعب إخماده، وفي ظل هذه التوترات والحروب المستعرة التي تعصف بالمنطقة كان لبنان حتى وقت قريب مستقراً، ولكن إذا ما وقعت الواقعة واشتعلت الساحة اللبنانية فإنها ستكون ساحة من ساحات الإرهاب الذي بات يبحث عن أي ثغرة ليخرج من جحوره ويعيد تمدده، مما يجدر بالدول العربية اتخاذ إجراءات جادة لحماية لبنان والأخذ بيد الداخل اللبناني وإعادته إلى سكة الاستقرار بتبني كلمة واحدة وموقف عربي فاعل، وبكافة السبل لاحتواء الوضع في لبنان وقطع الطريق على أية تدخلات خارجية من الأطراف الإقليمية المتربصة بلبنان، سواء أكانت موجودة بالفعل أم محتملة الوجود، لئلا يتكرر سيناريو ما حدث ويحدث في سوريا والعراق؛ حيث تُرك البلدان للصفقات السياسية الخارجية بعيداً عن الرؤى والمصالح الوطنية أو العربية.
ثالثاً: على المستوى الدولي، كان وما زال لبنان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالدول الغربية، بدءاً بالجاليات اللبنانية التي توطنت وباتت تشكل جزءاً مندمجاً من نسيج المجتمعات الغربية، وجزءاً من الرأي العام الغربي إثر الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت خمسة عشر عاماً بين عامي 1975-1990، وانتهاءً بالارتباط الاقتصادي والاستثماري، مما يجعل الأزمة اللبنانية ذات أبعاد دولية إذا ما انحرف مسار الحراك إلى العنف، نتيجة تحمل الأعباء الإنسانية والاقتصادية، بالإضافة إلى تجشم المزيد من الأعباء الأمنية والعسكرية، نظراً لما يمكن أن يتمخض عن انفجار الوضع اللبناني من كوارث إنسانية تهدد بالمزيد من الهجرة والنزوح، ولا سيما باتجاه العالم الغربي الذي هو البوابة الوحيدة في وجه المواطن اللبناني، وما دروس ما حصل في الحرب اللبنانية الأهلية عام 1975 عنا ببعيدة، بالإضافة إلى عودة الإرهاب من جديد إلى المنطقة، وهو الذي ما زال قابعاً في جحوره بانتظار اللحظة المناسبة ليعيث فساداً مرة أخرى.
كل ذلك يجعلنا اليوم أمام كارثة حقيقية محتملة لا تنأى بنفسها عن أحد إذا ما حلت بدءاً من الفرد اللبناني وصولاً إلى الدول الكبرى، وهذا يحتم على الجميع اليوم العمل بجدية للحيلولة دون انفجار الوضع في لبنان؛ لأنه مهما تطلب اليوم من تنازلات وضغوطات وتبعات سياسية واقتصادية ستكون صفرية إذا ما قورنت بفاتورة الغد المشتعل إن انزلق الوضع اللبناني إلى العنف والانفلات الأمني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة