طوقهم كابوس الواقع.. شبان لبنانيون يختارون حلم الهجرة
طلبات الهجرة في لبنان تتزايد مع استمرار الاحتجاجات وما رافقها من تدهور غير مسبوق للمؤشرات الاقتصادية والمالية وارتفاع معدل البطالة.
حجزوا تذاكر سفر بلا عودة، متوجهين نحو أي مكان ينتشلهم من بلد تتقاذفه الأزمات، وتتقلص فيه تدريجياً آمال العودة إلى نقطة الصفر.
هؤلاء هم شباب لبنان ممن كانوا، مع بدء الحراك الشعبي في بلادهم قبل أشهر، يمنون النفس بمستقبل أفضل بعد رحيل الطبقة السياسية الحاكمة، وبانفراجة اقتصادية قد تفتح أمامهم أبواب الحياة من جديد.
هم كغيرهم حلموا، حتى قبل بدء الاحتجاجات، بهجرة تطوقها نياشين ذات الأحلام الوردية، لبناء مستقبل مختلف في أوروبا أو غيرها، قبل أن يعدلوا عن ركوب البحر أو الجو، معتقدين أن نسائم الحراك ستحرك أشرعة الاقتصاد وتعدل مسار سفينة البلاد.
خذلهم الحلم في منتصف الطريق، فعادوا خائبين، وبعدما ازدحمت بهم الساحات والميادين، يصطفون اليوم في طوابير طويلة بانتظار دورهم لملء طلبات الهجرة للعمل أو استكمال الدراسة في الخارج.
والأمهات اللواتي هتفن يوماً متهمين الطبقة السياسية بدفع أولادهن إلى الهجرة، بدأن بتحضير أنفسهن لوداعهم، في بلد يشهد انهياراً اقتصادياً متسارعاً يُعد الأسوأ منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، في ظل غياب حلول واضحة في الأفق، باستثناء وعود حكومة جديدة وضعت الأزمة على سلم "أولوياتها".
ومنذ أشهر، يواجه لبنان شحاً في السيولة مع ارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية، وفرض المصارف إجراءات مشددة على العمليات النقدية وسحب الدولار.
وتضاعفت نسبة التضخم بين شهري أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، وفق تقرير بنك بلوم للاستثمار، بالتزامن مع خسارة الليرة اللبنانية نحو ثلث قيمتها أمام الدولار في السوق الموازية.
وتهدد الأزمة اللبنانيين في وظائفهم ولقمة عيشهم، في بلد يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر، فيما يبلغ معدل البطالة 30% في صفوف الشباب.
بلا رجعة
في تصريحات لـوكالة الأنباء الفرنسية، قال يوسف نصار المصور السينمائي البالغ من العمر 29 عاماً، إنه حجز تذكرة سفر إلى كندا، مؤكداً أنه سيغادر البلاد "بلا رجعة".
وأضاف نصار: "لا شيء يجري بشكل جيد في هذا البلد لكي أبقى فيه (...) الطبقة السياسية لا تجد مخرجاً للأزمة في الوقت نفسه".
نصار كان إلى وقت قريب قبل اندلاع الحراك، يكسب ما يكفيه من المال لتصويره حملات لشركات أزياء أو إعلانات أو غيرها، لكنه ومنذ أشهر لم يعمل إلا مرة واحدة، فيما لا يزال ينتظر الحصول على مستحقاته المالية من زبائنه، إلا أنهم لا يتمكنون من سدادها.
ويقول نصار: "لست مستعداً لأن أنتظر طوال حياتي أن يتحسن حال البلد".
ووفق المصدر نفسه، تقدر مؤسسة "الدولة للمعلومات" للأبحاث والإحصاءات أن عدد اللبنانيين الذين غادروا البلاد دون عودة في العام 2019 وصل إلى 61.924 مقارنة بـ41.766 في 2018، أي زيادة بنسبة 42%.
ملفات الهجرة
في الوقت الذي يعاني فيه اللبنانيون من البطالة، انهالت طلبات الراغبين في الهجرة على المحامين ممن أكد أحدهم، مفضلاً عدم نشر هويته، أن "الطلب على الهجرة ارتفع بنسبة 75%"، مشيراً إلى أنه يعمل حالياً على 25 طلباً، غالبيتهم إلى كندا.
وغالبية زبائن المحامي من الشبان المتعلمين وأصحاب الاختصاص، منهم من يعمل في الصيدلة أو في تكنولوجيا المعلومات أو الشؤون المالية.
ويؤكد المحامي أن "جميعهم يغادرون بسبب الوضعين الاقتصادي والسياسي".
يأس وإحباط
الامتداد الزمني للاحتجاجات وما رافقها من تدهور غير مسبوق للمؤشرات الاقتصادية والمالية، وارتفاع معدل البطالة، أصاب المتظاهرين، خاصة الشباب منهم، بالإحباط وخيبة الأمل واليأس، لتبدأ موجة جديدة من الهجرة في بلد لطالما صدر أبناءه للخارج بسبب الأزمات.
وعلى وقع اقتصاد متهالك وأزمات سياسية متتالية، تحول لبنان على مر السنوات إلى بلد مورد للمهاجرين، ورغم عدم توفر إحصاءات رسمية، تشير تقديرات إلى أن عددهم يساوي أكثر من ضعف عدد سكان البلاد الذي يقدر بأكثر من 4 ملايين نسمة.
فاطمة، مهندسة في الـ28 من العمر، تشارك في المظاهرات ضد الطبقة الحاكمة منذ انطلاقها.
وتقول الشابة: "حين بدأت الثورة شعرت للمرة الأولى في حياتي بالانتماء، شعرت وللمرة الأولى أن العلم اللبناني يعني لي كثيراً".
ومستدركة: "غير أن هذا الأمل لم يدم طويلاً بعدما فقدت الماضي وظيفتي في منظمة غير حكومية دولية جراء تراجع التمويل".
لحظة كانت فارقة وحاسمة بالنسبة لها، ففيها تضيف "تغير كل شيء بالنسبة لي، وبت لا أفكر إلا في الهجرة إلى كندا".
وتابعت: "لا أعتقد أني سأخذل وطني بمغادرتي، لكني سأفشل بالطبع إذا بقيت هنا".
aXA6IDMuMTQ1LjY4LjE2NyA=
جزيرة ام اند امز