انتخابات بيروت.. معركة "حزب الله" المصيرية لانتزاع هوية العاصمة
حزب الله يعد بيروت "زائدة من زوائد الضاحية الجنوبية، طالما أن عاصمة لبنان السياسية باتت واحدة من المربعات الأمنية لـ"حزب الله".
تكتسب انتخابات الدائرة الثانية في العاصمة اللبنانية بيروت ذات الغالبية السنيّة أهمية قصوى لدى كلّ الأحزاب والقوى السياسية، باعتبارها الدائرة الأكبر التي تضمّ 11 معقدا نيابيا.
إلا أنها تمثّل بالنسبة لمليشيات "حزب الله" معركة مفصلية، تنطوي على عناوين سياسية تتخطى البعد اللبناني، لتكون جزءا من المواجهة الإقليمية التي تخوضها طهران على مستوى المنطقة، ويتولّى إدارتها "حزب الله" أحد أهمّ الأذرع العسكرية للحرس الثوري الإيراني في لبنان والمنطقة.
- انتهاكات "حزب الله" تحول انتخابات لبنان إلى "دار حرب"
- برلمانيات لبنان.. اقتراع يعرّي "حزب الله" أمام الناخبين
يكفي التوقف عند العناوين التي طرحها مؤخرا أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله في المهرجان الانتخابي للائحة "وحدة بيروت"، التي تضمّ الثنائي الشيعي (الحزب وحركة أمل) وحلفاء النظام السوري وإيران، عندما قال: "نعم هناك معركة حول هوية بيروت، تتجاوز مرحلة ماذا قدمه تيّار "المستقبل" لها خلال الفترة الماضية، الذي ذهب إلى شد العصب، والحديث عن هوية بيروت العربية وتأكيده مواجهة المشروع الفارسي".
غير أن خطاب نصرالله أكد المؤكد حيال مخاوف اللبنانيين من تغيير هوية بيروت، عبر طرحه عناوين المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، عندما قال إن العروبة "تتجسّد في حمل قضايا الأمة، ورفض التبعية والخضوع للمحتلين والمستكبرين"، وذهابه إلى تخوين الخصوم بقوله: "العروبة لا تكون بالخضوع والتبعية للاستكبار، وخوض معاركه بالنيابة عنه، وبالتخلي عن فلسطين وشعبها وعن المقدسات".
موقف أمين عام "حزب الله" حذّرت من خطورته مصادر لبنانية مواكبة لاستراتيجية الحزب، ورأت أنه يحاول أن يكرّس بالسياسية وبنتائج الانتخابات، ما فرضه بقوّة السلاح خلال اجتياح بيروت عسكرياً في السابع من مايو/أيار 2008.
وكانت مليشيات "حزب الله" اجتاحت بيروت ومناطق واسعة في جبل لبنان، في السابع من مايو/أيار 2008، رداً على قرار اتخذته حكومة رئيس الوزراء آنذاك فؤاد السنيورة، قضى بوقف تمديد شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب في بيروت، وإعفاء رئيس جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير من منصبه، بعد ضبط كاميرات مراقبة تابعة لأمن "حزب الله" مثبتة على السور الخارجي للمطار، كانت تراقب حركة إقلاع وهبوط الطائرات المدنية على المدارج، واعتبار ذلك خرقا خطيرا لأمن المطار وسلامة الطيران.
وأشارت تلك المصادر إلى أن الحزب يعد بيروت زائدة من زوائد الضاحية الجنوبية، طالما أن عاصمة لبنان السياسية باتت واحدة من المربعات الأمنية لـ"حزب الله" حيث يهدف لتحويل كامل القرارات السياسية والدبلوماسية والأمنية، من القصر الجمهوري في بعبدا ومن السراي الحكومية في قلب بيروت إلى حارة حريك (مقرّ قيادة الحزب في الضاحية الجنوبية).
وتضمّ دائرة بيروت الثانية 11 مقعدا نيابيا موزعين طائفيا على الشكل التالي: 6 من الطائفة السنيّة، 2 شيعة، درزي واحد، روم أرثوذكس واحد وأنجيلي واحد (أقليات)، وفيها 350 ألف ناخب، منهم 212 ألفا من السنة، و71 ألفا من الشيعة، و17 ألفا من الروم الأرثوذكس ، و6400 من الموارنة، و5400 ناخب من الدروز .
ويعدّ تيّار "المستقبل" الذي يقوده رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، الأقوى في الشارع السنّي وتحديداً في دائرة بيروت الثانية التي يترشّح فيها الحريري وقبله والده رفيق الحريري.
واعتبر عضو المكتب السياسي في تيّار "المستقبل" النائب السابق مصطفى علوّش في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن "حزب الله يخوض في بيروت معركة إيران المصيرية، في ظلّ وضع طهران المأزوم في سوريا والعراق واليمن"، معدا أن نصرالله "يسعى اليوم لاجتياح بيروت سياسيا والاستيلاء على القرار السياسي والدستوري فيها، بعد أن اجتاحها عسكرياً".
ورأى أن ما تفعله إيران هو "الإيغال بمنطق المذهبية وعقيدة ولاية الفقيه، وتدمير الدول العربية وتقسيمها، وفق خدمة للمشروع الإسرائيلي الذي فشل في تحقيقه على مدى عقود".
من جهته، عدّ رئيس "مركز أمم للأبحاث والتوثيق" لقمان سليم، أن هناك "سعيا حثيثا لدى نصرالله، لإخراج الحريري ضعيفا في المعركة الانتخابات على مستوى لبنان وخصوصاً في بيروت، التي تمثّل أحد كراسي الزعامة الحريرية، منذ أن انتخب والده رفيق الحريري عن بيروت".
لقمان سليم وهو سياسي شيعي معارض لـ"حزب الله"، شدد على أن الحزب "يحاول أن ينتزع شرعية لسلاحه من بيروت السنيّة، كما من كلّ الطوائف في كل لبنان".
ورأى في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن "ما يجري في بيروت هو استنساخ لتكتيك يعتمده نصرالله على مساحة لبنان، للقول نحن لا نمثّل الشيعة فقط، وهناك طوائف أخرى تسلّم بسياستنا، وبالتالي ستكون لنا اليد الطولى في الأمن والسياسة الداخلية والخارجية".
وقال إن الحزب "يريد تثبيت ما يسمّى معادلة (الجيش والشعب والمقاومة)، التي تعطي شرعية دائمة لسلاحه ليبقى لبنان دائما رهينة هذا السلاح".
ويتهم 5 من كوادر أمن "حزب الله" باغتيال رئيس حكومة لبنان الراحل رفيق الحريري، بتفجير شاحنة مفخخة بموكبه في منطقة عين المريسة بوسط بيروت في 14 فبراير/شباط 2005، ولا تزال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تحاكمهم غيابيا، بعدما رفض الحزب تسليمهم للعدالة، حيث وصف المحكمة لأنها "محمكة إسرائيلية ــ أمريكية غايتها الانتقام من المقاومة ومجاهديها" على حدّ تعبيره.
وبتقدير قيادات "المستقبل" وقوى "14/آذار" فإن سياسية "حزب الله" يقدّم أفضل خدمة للدولة العبرية التي يدعي محاربتها، ويقول مصطفى علوش إن خطاب نصرالله، هو "جزء من هذا المشروع الذي يخدم إسرائيل".
واعتبر أن شعارات "مواجهة الاستكبار والدفاع عن المقدسات سخيف وتافه، بدليل عدم الردّ على الضربات الإسرائيلية التي تطاله يوميا في سوريا، لذلك فإن هذا المشروع مأزوم في كلّ المنطقة".
وشدد علوش على أهمية أن "يتحمّل أبناء بيروت كما كل المناطق السنيّة والمسيحية، مسؤولية مواجهة هذا المشروع، والردّ عليه في صناديق الاقتراع"، داعيا الشخصيات السنية التي تخوض الانتخابات بلوائح أخرى في بيروت إلى أن "وعي خطورة الوضع، والالتفاف حول مشروع الرئيس سعد الحريري، الذي اغتيل من أجله والده، وهو المشروع العروبي الذي يثبت تكامل لبنان مع العالم العربي".